الهيمنة الثقافية والخطاب المضلل... منتدى «دافوس» الاقتصادي نموذجاً
الهيمنة الثقافية، وهو التركيب الذي طوّره الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي، هو العملية التي تقوم فيها النخب، بالهيمنة على المجتمع عبر التلاعب الثقافي. ولينجحوا بذلك يظهرون رؤيتهم للعالم بأنّها نافعة بطبيعتها للجميع، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه كمنتج اجتماعي- ثقافي ينفع الطبقة الحاكمة.
في الوقت الحالي يعمل المفهوم الثقافي للعولمة على توجيه العمل الاجتماعي، وقد يكون التمثيل الأفضل لهذه النخب الحاكمة، هم أولئك الذين يجمعهم «المنتدى الاقتصادي العالمي WEF» والذين يجتمعون سنوياً في دافوس، ويحملون الاسم الحركي «منتدى دافوس».
إشارات خطاب «دافوس»
تشير الأبحاث التجريبية والتجهيزات النظرية في مجال العلوم الاجتماعية– بدءاً من نظريّة ميد وكولي في «التفاعل الرمزي»، مروراً «بالبنائية الاجتماعية» لبيرغر ولوكمان، و«التمثيل الاجتماعي» لموسكوفيتشي، و«نظريّة العقل ثنائي المنطق» لمات بلانكو، ووصولاً إلى «نظريّة التواطؤ» لكارلي– إلى أنّ السلوك الاجتماعي يتم دفعه من خلال المعاني المشكّلة والمشاركة اجتماعياً لتجربة الواقع الشخصية. إنّ هذا المنظور مفيد لكشف العناصر الثقافية التي تقف وراء العمل السياسي والاقتصادي لنخبة «دافوس». إنّ الهدف من ذلك، هو: الوصول لفهم أفضل للعمليات– وكذلك للمحددات الثقافية– التي خلقت أزماتنا الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية المعاصرة. ومن أجل فهمٍ كاملٍ للأفعال الاقتصادية والسياسية لنخبة «دافوس» فمن الضروري أن نتناول خطابهم عن العولمة. يمكننا فعل ذلك بشكل جزئي عبر النظر إلى اللغة المستخدمة من قبل مجلس أمناء «المنتدى الاقتصادي العالمي».
كلمات العولمة «الثقيلة»
إنّ «التحليل العاطفي» كما طوره كارلي وبانيشيا هو المناسب هنا كوسيلة لتحديد «الرمزية الفاعلة» لأيّ سياق عن طريق الأشخاص الذين يشاركون فيه. إنّ هذا النوع من تحليل الخطاب يسعى لإيجاد المعنى الكامن في النص عبر تفكيك السردية فيه، فتركز التحليلات على التفاعل بين «كلمات ثقيلة Dense words» معينة (موزعة ضمن كتل محددة من خلال تقنيات إحصائية لتحليلات متعددة المتغيرات)، ثمّ تستخدم نماذج سيكولوجيّة للعلاقات الاجتماعية المطوّرة ضمن هذا النموذج النظري. إنّ «الكلمات الثقيلة» هي تلك الكلمات التي تعبّر عن معنى عاطفي بذاتها، وبشكل مستقل عن السياق السردي للنص. وفي حالتنا فهي الكلمات مثل: نمو وأمل وكبير وحريّة وأزمة وحدود وسقوط وميزة وحاجة وتهديد وتخفيض.
إنّ الجزء الذي تمّ فحصه من النص مؤلف من الخطابات والمقالات والمقابلات والتصريحات الصادرة عن أعضاء مجلس «منتدى دافوس» حول مسألة العولمة. وعبر فحص هذه الكلمات فنحن نحاول النفاذ إلى جذر مشاكل الصياغات الخطابية الحالية الفردية والخاصة بالعولمة. وعندها فقط يمكننا أن ندرك إستراتيجيات التدخل التي تعزز الديمقراطية وتنتج العدالة الاجتماعية- الاقتصادية، وترفع مستوى الحياة، وتسهّل الانتقال من نظامٍ للتملّك إلى نظام للتعايش المشترك مع النظام البيئي العالمي. ومن وجهة النظر هذه، فإنّ أنظمة التملّك تمثل نظاماً اجتماعياً يعمل بطريقة ذاتيّة المرجع ومحافظة، وعليه، فهي ترى في التنوّع تهديداً على إعادة الإنتاج بصورة طبق للأصل غير قابلة للتغيير. بكلمات أخرى: إنّ «الغريب» يمثّل تنوعاً مجهولاً «للآخر» بالمقارنة مع الذات، ويعتبر بذلك تهديداً للاستقرار. إنّ النموذج الأفضل من النظام الحالي سيحوي على قواعد لعب تسهّل الانتقال من نظام التملّك الذي يستبعد الاختلافات عبر البحث والبناء على التشابهات، إلى نظام للتعايش المشترك يسمح بتواجد الاختلافات مع بعضها البعض ويعتبرها مصادر محتملة للتطوّر العام.
تحليل الخطاب
إنّ الصورة التي لدى نخبة «دافوس» عن العولمة مؤلفة من الأبعاد الثقافية المتطابقة مع كتل الكلمات الثقيلة التي تمّ جمعها عبر التحليل الإحصائي. إنّ الكلمات الثقيلة لكلّ واحدة من هذه الكتل هي كما يلي:
1- الكتلة 1: الشعب، إيمان، العالم، نمو، تأثير، الشباب، الهندسة، الاعتقاد، التاريخ، الجهوزية، الحياة، السطوة، التسريع، النجاح، عدد السكان، التحوّل، المنظور، الصناعة، جلب، تخيّل، التقاء، قطع، تهديد، شرح، تسليم، الشرف، التحدث، الوعد، مجموعة، حق.
2- الكتلة 2: الأمل، كبير، الثمن، الضغط، الدول الأوروبية، تسديد، التضخم، تخفيض، إسقاط، مرتفع، نمو، قوي، إصلاح، بنك التنمية الإفريقي، دفع، قيمة، تحقيق، اليونان، جيّد، توقّع، هوى، تجارة، صندوق النقد الدولي، الحدّ الأدنى، صدمة، إفريقيا، خدمة، مشروع الشيفرة الوراثية البشرية، حماية، سياسة، فائدة، ناتج محلي إجمالي، اقتصاد.
3- الكتلة 3: مشروع، تدعيم، استثمار، موازنة، إدارة، تزويد، حاجة، ميزة، منافسة، ضريبة، سقوط، تعزيز، تماشي، توظيف، تحضير، تنبؤ، حرية، حكم، معرفة، أزمة، حل، أفضل، امرأة، نهوض، دخول، إصلاح.
4- الكتلة 4: بنك تنمية البلدان الأمريكية، الدول الأعضاء، مؤكد، احترام، مجموعة بنك تنمية البلدان الأمريكية، إنشاء، صنع، قرارات، المستثمرون المؤثرون، الكاريبي وأمريكا اللاتينية، قرار، إدراك، منفعة، معرفة، تعزيز، أداة، جني المال، إقليم، السماح، يتوجب على، تطبيق، مستثمر، تمويل، الاستثمار المؤثر، تزويد، مشروع، تدعيم، السعي إلى، مقابل، مدير تنفيذي، يتبنى، يوافق، كامل، أزمة، ضمان.
بناء على التحليل الاشتقاقي (الإيتمولوجي) والعاطفي لهذه الكلمات، ينشأ لدينا أربعة أبعاد من تصور نخبة «دافوس» عن العولمة، ويمكن إجمالها كما يلي:
- البعد الثقافي الأول: يشير إلى نظام المعتقدات الخيالي الذي يوجّه الحياة في عصر العولمة لصالح نخبة «دافوس»، وذلك بوصفه مقدّمة للحفاظ على السطوة على أساس العناصر التالية:
o تمثيل سلبي للآخر يتم تصويرهم بوصفهم مجموعة من الأشخاص المجهولين الذين يعملون بناء على العاطفة وليس على العقل.
o تقديم ثلاثة أطر رمزية رئيسة لإسناد المعنى إلى تجارب الحياة في عصر العولمة.
o صيغة تفكير مبنية على النهج التكنوقراطي الموجّه للتأثير في حياة الناس، وخصوصاً الشباب، وبالتالي تقديم نماذج للحياة مبنية على الجهوزية والنجاح والسطوة، وما يترتب على ذلك من تحويل إدراكهم للواقع.
o تعزيز الدافع الخفي الفريد من خلال خطاب الوعود والشرف (فيما يخص النظام المنشود) الذي يهدف إلى إعادة تجميع التشابهات أو الحفاظ عليها والقضاء على المواقف المتنوعة التي يمكن أن تهدد الوضع القائم.
تعريف طريقة العمل هذه بوصفها قيمة دوغمائية يجب احترامها.
- البعد الثقافي الثاني: يركز على التلاعب وتنظيم الأنظمة الاجتماعية على أساس العناصر التالية:
بناء «التوقعات المسيحانية messianic expectations»، والتي تعني الاعتماد على مخلّص يحلّ العدل في العالم بعد الظلم والجور، في محاولة لتوليد نهج سلبي واتكالي لبعد الضخامة.
افتراض أنّ العواقب السلبية لتدخل المؤسسات المالية الدولية حتمية وضرورية بوصفها تدخلات إنقاذية بتقديم خطر الفشل في السعي لتحقيق التنمية الأمثل المبنية على أساس النمو والقوّة، وهو الخطر الذي يعبّر عنه من خلال التهديد بالتضخم وبفرض ظروف حياة تشكل تهديداً على البقاء.
تغليب العناصر الاقتصادية في تحديد السياسات العامة، وذلك في ظلّ تعاليم السوق المفتوحة والكسب الشخصي.
- يتمحور البعد الثقافي الثالث: حول فكرة المنافسة بوصفها محرّك الحياة الاجتماعية، والتي يتم تمثيلها بالعناصر التالية:
السعي لتعزيز القدرة على التزويد واستثمار وإدارة الموازنة والموارد المالية.
النظرة المنحرفة للمنافسة المبنية على البحث عن ظروف الحصول على ميزات للمنافسة بشكل ناجح، والمرتبطة بشكل صارم بالإدراك السلبي للضرائب، والذي يمكن رؤيته بوصفه فرضاً تسلطياً.
الحاجة التالية لتنمية نظام اجتماعي مبني على فكرة الحرية التي يتم تصويرها على أنّها غياب للضوابط الواقعة على التوسع الشخصي.
أهميّة الأدوات الإدراكية مثل: الفهم والتمييز والاختيار والإنشاء ضمن السعي لفكرة النجاح النموذجية هذه.
الدور المتصل بشكل متزايد للنساء في تسهيل «الوصول» إلى «الإصلاحات» من أجل تحقيق هذه الغاية.
- البعد الثقافي الرابع: مبني على الدور البارز للتمويل في تنظيم الحياة البشرية، وهو مفصّل في العناصر التالية:
دور مؤسسات التمويل العابرة للحدود بوصفها وسيلة لتزويدنا بالثقة النفسيّة، على شكل مساعدات للتنمية في مقابل المصادرة التدريجية للسلطة السياسية والاقتصادية المحلية.
دور التمويل بوصفه النموذج المطلق الذي يتم من خلاله تنظيم الحياة، والإستراتيجية الرئيسة لحلّ المشاكل الاجتماعية- الاقتصادية والبيئية المعاصرة، وذلك بناءً على دور المال في خلق نموذج ارتباطي يحوّل الآخر إلى دائن اتكالي ذي سلطة اتخاذ قرار أقل من أيّ وقت آخر.
إنّ تأثيرات خطط التمويل المبتكرة، مثل: الاستثمار المؤثر، تبقى رغم أنّها تهدف للنفع الاجتماعي (بالتزامن مع العائدات المالية)، تستحوذ على آخر المجالات الباقية للتدخل العام، أي: الرفاه والرعاية الصحية والتعليم والطاقة.
الحاجة إلى دمج متلقي المساعدات التنموية في أسطورة «جني المال» في أقاليمهم، وذلك من أجل جعل هذه الأقاليم مصدراً للقيمة الاقتصادية.
الميل إلى التفاعل فقط مع نخبة رجال الأعمال في هذه الدول بوصفها طريقة لحماية نظام النخب من تأثيرات الأزمة المحتملة.
الإذعان لغياب الديمقراطية
إنّ السمة الرئيسة التي تربط هذه الأبعاد الثقافية بعضها ببعض، هي: غياب الديمقراطية عن عملية اتخاذ القرار.
هنالك عدّة مستويات للدوافع الاجتماعية: المستوى العاطفي: الذي يمكن تلخيصه في إظهار الآخر على أنّه العدو ما لم يكن على التماثل ذاته، والمستوى التحفيزي: الذي يمكن تلخيصه في الحاجة المفرطة للسلطة والانتماء والإنجاز، والذي ينجم عنه نمط هرمي يضع النخب فوق الشعوب.
وهنالك المستوى التنظيمي: يُظهر نقص الديمقراطية نفسه هنا عبر المفهوم الدوغمائي المسبق لنظام المؤسسات المالية العابرة للحدود، والذي يبدو وكأنّه غير قابل للتغيير ولا يميل للتغيّر والتحسّن. تعود جذور أسطورة هذا النظام إلى اتفاقية «بريتون وودز» عام 1944، التي عرّفت الأساس النقدي والمالي لتحرير التجارة الدولية، وأصبحت واحدة من نقاط التوافق القليلة في نظام التعايش الاجتماعي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
تعتمد هذه المؤسسات العابرة للحدود على العناصر التالية:
التفويض الاجتماعي الذي يوفّره احترام أنظمة القيم الاجتماعية المتوافقة مع غايات النخب، وهو نوع من الالتزام الاجتماعي بالتوجّه إليهم لمواجهة مشكلات التنمية والديون العامة، وذلك بناء على الاعتقاد السائد بأنّ هذه هي الطريقة الطبيعية والصحيحة للقيام بالأشياء، بل والطريقة الوحيدة المنطقية للتصرّف.
افتراض الامتثال لقواعد تقديم الخدمات المحددة ذاتياً بشكل منفصل عن الحاجات المحددة للمتلقين.
«الوظيفة الاستبدالية» لتدخلاتهم على أساس روح تكنوقراطية، حيث يحلّ الخبراء محلّ مستعملي الخدمات، ويصادرون منهم سلطة اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.
تحويل متلقي الخدمات من كونهم مستقلين بالتعامل مع احتياجاتهم المحددة ورغباتهم وأهدافهم، إلى مستخدمين سلبيين متسقين مع الإجراءات الموضوعة لهم.
وبهذه الطريقة تعمل هذه المؤسسات دون طلب حقيقي للخدمات من المتلقين. ولا تخضع للمساءلة عن تلبية الاحتياجات أو التوقعات أو الأهداف ولا عن فاعلية الخدمات التي تقدمها.
ما العمل؟
يتطلب منّا الأمر أن نوجه الأسئلة بطريقة أكثر ديالكتيكية وجدلية حول الرؤية الدوغمائية التي تقدمها لنا النخب العالمية، وأن نطبّق نظريات ونماذج بديلة للسعي إلى ما سمّاه المؤرخ الاقتصادي كارل بولانيي «الوظيفة الحقيقية substantive function» للاقتصاد. بمعنى أنّه التبادل بين البشر وبين بيئتهم الاجتماعية والطبيعية بهدف تلبية الاحتياجات. وهذا يناقض «الوظيفة الرسمية» له والمتمثلة بالبحث عن الحدّ الأقصى للربح الفردي، وإظهار الأمر وكأنّه نموذج الاختيار العقلاني. فكما بيّن بولانيي ببراعة، فإنّ الاقتصاد جزءٌ لا يتجزأ من واقع اجتماعي للعلاقات وللمعاني المشتركة. ووفقاً لعالمي الاجتماع بيرغر ولوكمان فيمكن أن يُنظر إليه على أنّه بناء اجتماعي، وبالتالي يمكن تغييره وتحسينه. إنّه إذاً عمل ثقافي جوهري لإعادة دمج الاقتصاد في سياقه الاجتماعي، وذلك من أجل دعم عملية التغيير.
ويعني هذا أيضاً: مسائلة الأرضيّة الأسطورية لمؤسسات «بريتون وودز» المالية العابرة للحدود. فهذا النظام يبدو غير فاعل بشكل متزايد في التعامل مع التحديات الحالية للتعايش الاجتماعي، التي أدّت إليها العولمة، والتي شجعها هذا النظام بالمقام الأول. وعليه فمن الضروري أن نقدّم مرحلة تداولية لعهد اجتماعي جديد لا يشمل فقط النخب، بل جميع الأطراف المعنية. الهدف هو: خلق تعايش اجتماعي متأصل في الاقتصاد وما وراءه.
بعد ترامب والحركات اليمينية
إنّ نخبة «دافوس» والعولمة التي يدفعون اتجاهها، هم أهداف للانتفاضات الشعبوية القائمة حول العالم. إنّ حدوث بريكست، وانتخاب ترامب كرئيس للولايات المتحدة، هو من بين أوضح الأمثلة التي تدلل على مثل هذا التحرّك، لكنّه وبشكل متناقض في بعض الأحيان، يقوم بدلاً من دفع المجتمعات نحو نظامٍ للتعايش بدفعها نحو العكس من ذلك.
بخصوص بريكست، فمن الواضح بأنّه يوجد إلى جانب الخطاب المناهض للعولمة والمناهض للنخب الذي دافع عنه أنصار المغادرة (مثل: UKIP وFarage)، فإنّ الكثيرين من «طبقة العولمة» في المملكة المتحدة يسعون لتحرير أنفسهم من قيود التوسع التجاري الذي تفرضه عليهم تشريعات الاتحاد الأوروبي. ولذلك هم يسعون للانتقال إلى إستراتيجية الوصول لاتفاقيات أحادية الجانب، كما كان واضحاً بالمفاوضات التي بدأت مع البرازيل والمكسيك والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي وأستراليا ونيوزلندا. وبهذا المعنى فإنّ بريكست يمثّل موجة رفع قيود تشريعية جديدة متوافقة مع المنطق النيوليبرالي للعولمة. بكلمات أخرى: هذا هو النقيض تماماً لما دفع بالناخبين للتصويت على المغادرة.
ارتكزت حملة ترامب كذلك على مناهضة النخب، ومناهضة خطاب العولمة. لكنّ إدارة ترامب مؤلفة من أوساط مالية وشركاتية وعسكرية يمينية وتبقى تعبيراً عن نظام النخب الأمريكي. ويمكن النظر إلى سياساته الحمائية على أنّها نمط جديد من رفع القيود التشريعية الليبرالي الذي تحفزه الرغبة لإنهاء الحدود التي فرضتها منظمة التجارة العالمية و«النافتا» على التوسع. علاوة على ذلك فإنّ خطط الإصلاح الضريبي تنفع الأثرياء وفي الوقت ذاته تخفّض عائدات الدولة، وهو الأمر الذي يقود إلى تخفيضات رئيسة في الإنفاق على الخدمات العامّة.
وعن طريق هذين المثالين تتضح لنا الهجمة الجديدة للنخب على التعايش الاجتماعي. ففي حين أنّ بريكست وترامب قد حدثا نتيجة الرغبة المشروعة بعكس الآثار الضارّة للعولمة والأنماط النخبوية في حكم العالم، فإنّ الفوضى الحاصلة تبيّن الحاجة لتطوير فهم أفضل وأوسع لجذور المشكلة.
تشير النتائج إلى تفكيرٍ مبسطٍ مبني على تفويض السلطة والاعتماد على شخص آخر لحل المشكلات في مكان واحد. في جميع الحالات، ومن ضمنها: التصويت على بريكست وانتخاب ترامب، فقد تعرّض داعمو هذه الحركات الشعبوية للخيانة على يد النخب التي تريد البقاء في أعلى الهرم. سيتكرر هذا الأمر حتّى يستعيد الناس سلطة اتخاذ قرارهم السياسي عبر ضرب جذر النموذج النيوليبرالي الفردي والعولمي. يعني هذا: تحقيق أهداف تنمية ثقافية تنهض من الأبحاث لتكون حاسمة. على الناس أن يأخذوا المبادرة بأيديهم، ويطورو إمكانات المواطنين بسطوة ديمقراطية.