التعافي الاقتصادي مجرد وهم.. الأزمة تستمر وتتفاقم!
في ضوء الصيحات الدائمة الحضور والعنيدة حول «نهاية» الركود، و«حل» الأزمة، و«تعافي» الاقتصاد، علينا أن نتذكّر أنّ الأشخاص والمؤسسات التي تطلق هذه الصيحات، هي نفسها التي أخبرتنا في السنوات الماضية أنّه ليس «هنالك ما يقلق»، وأنّ «الأسس راسخة»، وأنّه لا يوجد «خطر أزمة اقتصادية».
ترجمة: قاسيون
لماذا نواصل تصديق الأشخاص الذين جانبوا الصواب في أقوالهم وخياراتهم؟ من الذي يتوجب علينا تصديقه واعتماد معلوماته الدقيقة وتحليله؟ ربما يكون المصدر المناسب أولئك القائمين عند المركز السطحي للأزمة، في قلب العالم الغامض للمصارف المركزية، منظم العمل المصرفي العالمي، و«أكثر المؤسسات المالية العالمية هيبة»، التي تنبأت بحدود الأزمة: بنك التسويات الدولية. إنّه الموقع المناسب للانطلاق.
الأزمة الاقتصادية لم تنته، «الحلول» كانت أشبه بوضع ضمادة على جرح ذراع مبتورة. لقد حذّر بنك التسويات الدولية، المصرف المركزي لمصارف العالم المركزية، من تواصل الأزمة ويحذر من آمال ليست في مكانها.
بنك التسويات الدولية
تأسس البنك على يد لجنة يونغ التي تمّ تشكيلها في العام 1929، وكانت مهمتها معالجة تسويات دفعات التعويضات الألمانية التي أوجزتها معاهدة فرساي في العام 1919. كان رئيس اللجنة أوين دي يونغ رئيس شركة جنرال إلكتريك ومديرها التنفيذي، ونائب رئيس الاحتياطي الفدرالي في نيويورك. وبوصفه مندوباً أمريكياً رئيسياً في مؤتمر التعويضات الألمانية، فقد كان كذلك وبرفقة جي بي مورغن الابن واضعاً لخطة يونغ المتعلقة بمدفوعات التعويضات الألمانية.
دخلت الخطة حيز التنفيذ في العام 1930 بعد انهيار سوق الأسهم. استلزمت الخطة خلق مؤسسة تسوية دولية، تشكلت في العام 1930، وعرفت باسم بنك التسويات الدولية، وهي مصممة، على ما قيل، لتسهيل دفعات تعويضات جمهورية فايمار الألمانية إلى قوى الحلفاء وتنسيقها. مع ذلك، كانت وظيفتها الثانوية، وهي أكثر سرّيةً وأكثر أهميةً أيضاً، العمل «كمنسق لعمليات المصارف المركزية حول العالم». فبنك التسويات الدولية بوصفه «مصرف المصارف المركزية» هو مؤسسة خاصة لجملة من المساهمين، لكنها تعمل لهيئات عامة. تبقى أعمالها مطلقة السرية حيث يجهل الجمهور عادة غالبية أنشطة بنك التسويات الدولية.
تأسس بنك التسويات الدولية على يد عدد من المصارف المركزية، إضافةً للمصارف التجارية الأمريكية الرئيسية الثلاثة، أي جي بي مورغن أند كومباني، وفرست ناشيونال بنك أوف نيويورك، وفرست ناشيونال بنك أوف شيكاغو. اكتتب كل مصرف مركزي على 16 ألف سهم واكتتبت المصارف الأمريكية على عدد الأسهم نفسه. مع ذلك، يقتصر حق التصويت على المصارف المركزية.
يعقد أعضاء المصارف المركزية اجتماعات كل شهرين في بنك التسويات الدولية لمناقشة قضايا متنوعة. ينبغي ملاحظة أنّ غالبية التعاملات التي يجريها البنك نيابةً عن المصارف المركزية تتطلّب سرّيةً كاملة، وهو السبب المرجح لجهل الناس حتى بوجود البنك.
تمّ إنشاء بنك التسويات الدولية «لمعالجة تراجع لندن عن دورها بوصفها المركز المالي للعالم، بتقديم آلية تستطيع فيها ثلاثة مراكز مالية عالمية في لندن ونيويورك وباريس أن تعمل وكأنها مركز واحد». وكما أوضحت كارول كويغلي:
«كان لقوى الرأسمالية المالية هدفٌ آخر بعيد المدى، وهو خلق نظام عالميّ للتحكم المالي تحرّكه أياد خاصة بوسعها السيطرة على النظام السياسي لكلّ بلد وعلى الاقتصاد في العالم بمجمله. يقوم هذا النظام بالتحكم على الطريقة الإقطاعية عن طريق مصارف العالم المركزية التي تعمل بالتوافق عبر اتفاقات سرية تتوصل إليها من خلال مؤتمرات واجتماعات سرية دورية. يمثل قمة النظام بنك التسويات الدولية في بازل، سويسرا، وهو مصرفٌ خاصٌّ تملكه المصارف المركزية في العالم وتسيطر عليه، وهي نفسها شركاتٌ خاصة».
بنك التسويات الدولية هو، دون شك، المؤسسة المالية الأكثر أهميةً والأكثر قوةً وسريةً في العالم. ويتوجب عدم أخذ تحذيراته بخفة، لأنّه المؤسسة الوحيدة في العالم المطلعة على مثل هذه المعلومات أكثر من غيرها من المؤسسات.
أزمة مشتقات قادمة
في أيلول 2009، ذكر بنك التسويات الدولية أنّ «سوق المشتقات المالية بلغت 426 ألف مليار دولار في الربع الثاني بعودة شهية المجازفة، لكن النظام يظل غير مستقر وعرضةً للتأزم». ذكر التقرير الربعي للبنك أنّ ارتفاع المشتقات بمعدل 16 بالمائة «ناتجٌ على الأرجح عن تدفق عقود الخيارات والأسهم المستقبلية بأسعار فائدة لثلاثة أشهر». حذّر كبير اقتصاديي البنك من أنّ سوق المشتقات تعرّض القطاع المالي الدولي «لمخاطر شاملة كبرى»، وأنّ «الخطر يكمن في أنّ المنظّمين سيفشلون مجدداً في رؤية أنّ المؤسسات الكبيرة تعرّض نفسها للخطر بما يفوق بكثير قدرة تحملها في أوضاع الصدمة». وأضاف أنّ «استخدام صناديق التحوط وأمثالها للمشتقات يمكن أن يخلق أخطاراً كبيرة مخفية».
في اليوم التالي لنشر التقرير، حذّر كبير الاقتصاديين السابق في البنك وليام وايت من أنّ «العالم لم يعالج المشكلات القائمة في قلب الركود الاقتصادي ومن المحتمل أن يدخل الاقتصاد حالة كساد مجدداً». وأضاف محذراً من أنّ «الإجراءات الحكومية لمساعدة الاقتصاد في المدى القريب قد تبذر بذور أزمات مستقبلية». كما حذّر من كساد مضاعف قائلاً: «هل سنمضي إلى كساد من الشكلW؟ هذا أمرٌ شبه مؤكد. هل سنمضي إلى الشكلL؟ لن يشكّل ذلك مفاجأةً لي». ثمّ أضاف: «ما سيفاجئني فعلاً المعافاة السريعة والمستدامة من الوضع الذي نجد أنفسنا فيه».
أوضحت مقالة في الفايننشال تايمز أنّ ملاحظات وايت يجب ألاّ تؤخذ باستخفاف. فقد «حذّر باستمرار من عدم التوازن الخطر في النظام المالي العالمي منذ العام 2003 ـ محطماً تابو دوائر المصارف المركزية في ذلك الوقت ـ وتحدى آلان غرينسبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي حينذاك، حول سياسته المتعلقة بالمال الرخيص الدائم».
تابعت الفايننشال تايمز كما يلي: «قامت المصارف المركزية في طول العالم وعرضه بضخ آلاف مليارات الدولارات من النقود الجديدة في النظام المصرفي خلال العامين الماضيين في محاولة لمنع الكساد. في غضون ذلك، بلغت الحكومات تخوماً مماثلة، باقتراض مبالغ طائلة لدعم الصناعات من الأعمال المصرفية إلى صناعة السيارات».
حذّر وايت من أنّ «هذه الإجراءات قد تضخّم فقاعة أسعار الأصول، من الأسهم العادية إلى السلع وأنّ هنالك خطراً محدوداً من خروج التضخم عن السيطرة في المدى المتوسط». أوضح وايت في كلمة ألقاها في هونغ كونغ أنّ «المشكلات الكامنة في الاقتصاد العالمي، مثل الاختلالات التجارية غير المحتملة بين الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، لم تحلّ بعد».
في 20 أيلول 2009، ذكرت الفايننشال تايمز أنّ بنك التسويات الدولية، أصدر في اجتماع مجموعة العشرين، «تحذيراً صارماً من أنّ العالم لا يستطيع تحمّل الانزلاق إلى افتراض (مرض) مفاده أنّ القطاع المالي عاد إلى وضعه الطبيعي تماماً، وأنّ خايمه كاروانا، المدير العام لبنك التسويات الدولية والحاكم السابق للمصرف المركزي الإسباني، قال إنّه يجب عدم إساءة فهم عودة السوق إلى وضعه الطبيعي».
تأتي هذه التحذيرات بعد التحذيرات التي أصدرها بنك التسويات الدولية خلال صيف العام 2009، بصدد أمل في غير مكانه بصدد رزم التحفيز التي نظّمتها الحكومات حول العالم.
اشتداد التضخّم
وفي معرض توضيح المخاطر الجسيمة التي ستطرحها رزم الحوافز المالية، يذكر بنك التسويات الدولية أنّ «احتمال استنفاد صنّاع السياسة المالية قدرتهم على الاقتراض قبل إنهاء العمل المكلف لإصلاح النظام المالي يمثّل خطراً [...] هنالك إمكانيةٌ حقيقيةٌ لقيام برامج الحوافز برفع معدلات الفائدة الحقيقية وتوقعات التضخّم». التضخّم «سيشتدّ حين يوضع حدٌّ للهبوط»، والبنك «يعبّر عن شكوكه في رزمة إنقاذ المصارف المعتمدة في الولايات المتحدة».
حذّر بنك التسويات الدولية أيضاً من التضخم قائلاً إنّه «من المبرر والمهم القلق بسبب انتقال الاسترخاء الجذري المتنامي في السياسة النقدية إلى التكتلات الائتمانية والنقدية الأكبر، قبل أن يمكن عكس الوضع»، ما سوف «يؤدي إلى تضخّم يغذّي توقعات التضخم أو ربما يغذي فقاعة مضاربة أخرى، زارعاً بذور الدورة المالية التالية للازدهار ثم الانهيار». وفي التقرير الأخير المتعلق بتشكل فقاعة مشتقات، أصبح واضحاً على نحو مؤلم أنّ ذلك هو ما حدث بالضبط: خلق فقاعة مضاربة أخرى. مشكلة الفقاعات أنها تنفجر.
في مطلع أيلول 2009، اجتمع مصرفيو المصارف المركزية في بنك التسويات الدولية، وذكرت الصحافة بأنّهم «اتفقوا على رزمة إجراءات لتعزيز تنظيم الصناعة المصرفية والإشراف عليها في خضمّ الأزمة المالية»، كما نُقل عن رئيس المصرف المركزي الأوروبي قوله: «الاتفاقات التي توصل إليها اليوم سبعة وعشرون بلداً رئيسياً من بلدان العالم أساسيةٌ لأنّها وضعت مجموعة معايير جديدة لتنظيم العمل المصرفي والإشراف عليه على المستوى العالمي».
من بين الإجراءات المتفق عليها، «على الدائنين أن يرفعوا نوعية رأس مالهم من خلال تضمينه مزيداً من الأسهم والسندات، وسيكون على المصارف أيضاً زيادة كمية ونوعية الأصول التي تحتفظ بها كاحتياطي وتكبح الاندفاع». كان أحد القرارات الرئيسية المتخذة في مؤتمر بازل، الذي يعود اسمه للجنة بازل المكلفة بالإشراف على العمل المصرفي والتي أسسها بنك التسويات الدولية، هو التالي: «ستحتاج المصارف لرفع سوية ما تطلق عليه تسمية الأموال الخاصة من المرتبة الأولى، التي تقيس قدرة المصرف على امتصاص الخسارات المفاجئة»، أي أنّ «غالبية هذه الاحتياطيات ينبغي أن تكون أسهماً عاديةً وأرباحاً غير موزعة، وسيتم كشف كل الممتلكات بالكامل».
تمثّل سوق المشتقات تهديداً شاملاً لاستقرار الاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فهو واحدٌ من عدّة تهديدات يتصل بعضها ببعض وتترابط: يطلق أحدها الآخر. الفيل الكبير هو الفقاعة المالية الرئيسة التي خلقتها عمليات الإنقاذ وحزم «الحوافز» في طول العالم وعرضه. استخدمت المصارف الرئيسية هذه الأموال لدعم الاقتصاد بشراء المصارف الأصغر وامتصاص الاقتصاد الحقيقي، أي الصناعة الإنتاجية. كما اتجهت الأموال نحو المضاربة، مغذّيةً فقاعة المشتقات ومؤدّيةً إلى رفع سوق الأسهم، وهو حدثٌ مخادعٌ تماماً ومصطنع. قامت عمليات الإنقاذ فعلياً بتغذية فقاعة المشتقات إلى مستويات خطر جديدة كما ضخّمت سوق الأسهم إلى وضع لا يمكن استمراره.
في الوقت نفسه، أنفقت الحكومات الأموال دون ضوابط، خصوصاً في الولايات المتحدة، دافعةً عدّة آلاف من مليارات الدولارات لقاء الحروب وميزانيات الدفاع، طابعةً النقود دون حساب، وتلقت المجاملة من النظام المصرفي المركزي العالمي. في المقابل، أنتجت كل النقود التي تمّ إنتاجها ديوناً. بحلول العام 2007، كان الدين الكلي ـ الدين المحلي والدين التجاري والدين الاستهلاكي ـ للولايات المتحدة قد بلغ 51 ألف مليار دولار.
وكما لو أنّ عبء هذا الدين لم يكن كافياً، باعتبار أنّ تسديده مستحيل، أظهرت السنتان الأخيرتان الزيادة الأسرع والأكثر كلفةً في الديون عبر التاريخ على هيئة رزم إنقاذ وحوافز حول العالم.
خطة بيلدبرغ تعمل؟
في أيار 2009، كتبتُ مقالةً لتغطية اجتماع بيلدبرغ في العام 2009، وهو اجتماعٌ بالغ السرّية للنخب الرئيسية في أوروبا وشمال أمريكا، التي تجتمع مرّةً في العام وراء أبواب مغلقة. يعمل اجتماع بيلدبرغ بوصفه مجلس خبراء دوليّ غير رسمي، ولا ينشر أية معلومات. هكذا، تكون التقارير عن الاجتماعات مسرّبةً ولا يمكن التثبّت منها. مع ذلك، ثبت أنّ المعلومات التي قدّمها الصحافيان المتابعان دانييل إستولين وجيم تاكر في الماضي كانت دقيقة.
في أيار 2009، اعتبرت المعلومات المسرّبة من الاجتماعات أنّ الأزمة الاقتصادية كانت موضوع النقاش الرئيسي. كان السؤال الكبير: «إما كسادٌ طويلٌ مؤلمٌ يحكم على العالم بالركود والتدهور والفقر [...] أو كسادٌ شديد، لكنّه أقصر زمناً، يمهّد الدرب أمام نظام اقتصاديّ عالميّ مستدام جديد، بسيادة أقل ولكن بفعالية أكبر».
من المهم ملاحظة أنّ النقطة الرئيسية على جدول الأعمال كانت «مواصلة خداع ملايين المدّخرين والمستثمرين الذين يصدّقون ما يشاع حول تحسّن الاقتصاد، وهم على وشك تحمّل خسارات هائلة وآلام ماليّة مبرحة في الشهور القادمة».
ذكر إستولين «أنّ بعض المصرفيين الأوروبيين البارزين الذين واجهوا شبح فنائهم المالي قلقون للغاية، قائلين إنّ فعل البهلوانية هذا (لا يمكن احتماله) وأنّه قد ينتج عن العجز في ميزانية الولايات المتحدة وميزانها التجاري انهيار الدولار». قال أحد المشاركين في بيلدبرغ إنّ «المصارف نفسها لا تعرف الإجابة على سؤال: متى سنصطدم بالقاع». كما صرّح أحد الحاضرين بأنّ «خسارات الأسهم في العام 2008 كانت أسوأ مما كانت عليه في العام 1929».. وأنّ «الطور التالي من الانحدار الاقتصادي سيكون أسوأ أيضاً مما كان عليه الوضع في الثلاثينيات، لاسيما وأنّ اقتصاد الولايات المتحدة يحمل حوالي 20 ألف مليار دولار من الديون. وإلى أن تتم تصفية هذه الديون، فكلّ فكرة عن انتعاش صحّيّ هي مجرّد سراب».
هل يعني التصوّر العام لاستعادة الاقتصاد لعافيته أنّ خطة بيلدبرغ تعمل؟ حسناً، للإجابة بتمعّن على هذا السؤال، ينبغي أن نلقي نظرةً على أهمّ المشاركين في المؤتمر.
أرباب المال والسياسة
كان العديد من مديري المصارف المركزية حاضرين، كما هي العادة، ومن بينهم حاكم مصرف اليونان الوطني، وحاكم مصرف إيطاليا، ورئيس مصرف الاستثمار الأوروبي، وجيمس ولفينسون الرئيس السابق للبنك الدولي، ونوت ويلينك رئيس المصرف المركزي في هولندا وهو عضوٌ في مجلس بنك التسويات الدولية، وجان كلود تريشيت رئيس المصرف المركزي الأوروبي وهو أيضاً نائب حاكم المصرف الوطني في بلجيكا، إضافةً إلى أحد أعضاء مجلس إدارة المصرف المركزي في النمسا.
كذلك حضر الاجتماع وزراء مالية ومسؤولون ماليون من بلدان عديدة.
من المهم ملاحظة حضور مصرفيين خواص للاجتماع، لأنّ المصارف الدولية الكبرى تملك حصصاً في المصارف المركزية التي تتحكم بدورها بحصص بنك التسويات الدولية. من بين المصارف والشركات المالية الكبرى الممثلة في الاجتماع، كان هنالك دويتش بنك إي جي، وأي إن جي، ولازارد فرير أند كوربوريشين، ومورغن ستانلي إنترناشيونال، وغولدمان ساكس، ورويال بنك أوف سكوتلاند، ومن المهم ملاحظة حضور ديفيد روكفلر، الرئيس السابق والمدير التنفيذي لتشيس مانهاتن (حالياً جي بي مورغن تشيس)، الذي يمكن أن يطلق عليه جدلاً لقب «ملك الرأسمالية».
وشهد لقاء بيلدبرغ أيضاً العديد من ممثلي إدارة أوباما، الذين كلّفوا بمهمة حل الأزمة الاقتصادية. كان من بينهم تيموثي غيذنر وزير الخزينة الأمريكي والرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ولورنس سامرز مدير المجلس الاقتصادي القومي في البيت الأبيض ووزير الخزينة السابق في إدارة كلينتون والرئيس السابق لجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي، وبول فولكر الحاكم السابق لنظام الاحتياطي الفيدرالي ورئيس المكتب الاستشاري للمعافاة الاقتصادية في إدارة أوباما، وروبرت زويليك الرئيس السابق لغودلمان ساكس والرئيس الحالي للبنك الدولي.
لم يتأكد تماماً حضور رئيس الاحتياطي الفيدرالي بين بيرنانك. ومع ذلك، إذا قسنا بتاريخ اجتماعات بيلدبرغ وسوابقها، فلم يتخلف عن الاجتماعات كلٌّ من رئيس الاحتياطي الفيدرالي ورئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. لذلك، سيكون مدعاةً للعجب عدم حضورهما اجتماع العام 2009. بطبيعة الحال، يملك هؤلاء اللاعبون الرئيسيون ما يكفي من التأثير لتغيير نظرة الرأي العام المتعلقة بالأزمة الاقتصادية. كما أنّ لديهم الكثير ليجنوه من فعل ذلك. من جانب آخر، أياً كانت الصورة التي يضعونها، فستبقى مجرد صورة. سرعان ما سيتبدد الوهم وسيدرك العالم أنّ الأزمة التي مررنا بها حتى الآن ليست إلاّ فصل المقدمة للأزمة الاقتصادية التي ستدوّن في كتب التاريخ.
خاتمة
ينبغي ألاّ تؤخذ تحذيرات بنك التسويات الدولية وكبير اقتصادييه السابق وليام رايت باستخفاف. فقد أثبت الزمن صحة ودقة ملاحظات مشابهة في الماضي. لا تسمحوا لوسائل الإعلام التي تشيع أمل «المعافاة الاقتصادية» بأن تخفي «الوقائع الاقتصادية»، فمعرفة الأرض التي تتحركون فوقها، حتى لو كانت محفوفةً بالمخاطر، أفضل بكثير من الجهل والتقدم بتهور فوق حقل من الألغام. الجهل ليس نعمة، بل هو كارثةٌ موقوتة.
ينبغي على الطبيب بدايةً تشخيص المشكلة وتعيينها قبل أن يقدّم أية وصفة للحل. وإن لم يكن التشخيص دقيقاً، فلن تجدي الوصفة، بل يمكن في الواقع أن تجعل الأمر أكثر سوءاً. هنالك سرطانٌ هائلٌ يستشري في الاقتصاد العالمي: تمّ تشخيص المرض على نحو صحيح، ومع ذلك، فالوصفة التي قدّمت هي لمعالجة السعال. تمّ تحديد الورم الاقتصادي، والسؤال: هل سنقبل ذلك ونحاول معالجته أم سنتظاهر بأنّ وصفة السعال ستشفيه؟ أيٌّ من الموقفين يقدّم أفضل فرص للبقاء؟ حاول الآن قبول فكرة أنّ «الجهل نعمة».
كما قال غاندي: «ما من إله أسمى من الحقيقة»..
*أندرو غيفن مارشال، باحث مشارك في مركز أبحاث العولمة، وأستاذ في جامعة سايمون فريزر.