واشنطن في مواجهة هندوراس: بهلوان على حبل مشدود (1 - 2)
ما هو رأي واشنطن بما جرى في هندوراس؟ في مرحلةٍ أولى، وباسم الشرعة والديمقراطية، شجبت الولايات المتحدة بقوةٍ الإطاحة بالرئيس زيلايا، لكنها في الوقت نفسه كانت تساند أصدقاءها من الانقلابيين.. لذلك لم تستطع وسائل الإعلام الرئيسية إلا أن تلاحظ المشكلة التي واجهت واشنطن. في الثلاثين من حزيران، كان العنوان الرئيسي في صحيفة يو إس توداي: «يوم أوباما: حبل الرئاسة المشدود».
ومضت المقالة على النحو التالي: «أسعدتم صباحاً من البيت الأبيض.. في مثل هذا اليوم من العام 1859، مشى بهلوان فرنسي يدعى شارل بلوندان فوق مياه شلالات نياغارا المتدافعة على حبلٍ مشدود.. بعد 150 عاماً بالتمام والكمال، يعايش الرئيس باراك أوباما الشعور نفسه بصدد أمريكا اللاتينية، فهو يحاول التعامل مع الانقلاب العسكري في هندوراس في مواجهة إرثٍ أمريكي لاتيني يتسم بانعدام الثقة تجاه الولايات المتحدة.
بهلوانية «القوة الذكية»
حملت قصة أسوشييتد برس، التي أعادت نقلها شتى وسائل الإعلام الأمريكية والدولية في السادس من تموز، العنوان التالي الذي كتبه مراسلها نستور إيكيدا: «أوباما يلعب دور بهلوانٍ يسير على حبلٍ مشدودٍ في المأساة الهندوراسية». أصاب السيد إيكيدا كبد الحقيقة حين كتب: «نظراً لأنّ أوباما قد وعد حكومات أمريكا الجنوبية بأنه سيفضّل من الآن فصاعداً الحوار في البحث عن حلولٍ دبلوماسية، يبدو أنه تبنّى للمرة الأولى دوراً جديداً في مواجهة الانقلاب العسكري في هندوراس: دور بهلوان».
«هيلاري كلينتون على الحبل المشدود في مواجهة هندوراس» كان عنوان عدد السابع من تموز في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور لمقالةٍ سلّطت الضوء على أنّ «إدراة أوباما تخوض عميقاً في أزمة هندوراس السياسية، لكنها حرصت على عدم الظهور بمظهر القوة المهيمنة كما في الماضي، التي تفرض إرادتها على جيرانها الأصغر».
في الاتجاه نفسه، كتبت مجلة تايم في الثامن من تموز أنّه «منذ الانقلاب، كان على البيت الأبيض أن يناور بحرصٍ لتنمية صورةٍ جديدةٍ أقلّ تدخليةً للولايات المتحدة ـ التي غالباً ما ساندت الانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية».
في الخطاب الهام الذي ألقته هيلاري كلينتون في الخامس عشر من تموز والموجه إلى مجلس العلاقات الخارجية، قالت:
«..المسألة ليست معرفة إن كان بوسع أمتنا أو أن عليها أن تقود، ولكن كيف ستفعل ذلك في القرن الواحد والعشرين. فالأيديولوجيات المتصلبة والصيغ القديمة ليست صالحةً للتطبيق. نحتاج إلى توجّهٍ فكري جديد.. ولأولئك الأعداء الحاليين والمحتملين، دعوني أقول إنّ تركيزنا على الدبلوماسية والتنمية ليس بديلاً عن ترسانة أمننا القومي. إرادتنا في الحوار ليست علامةً على ضعفٍ. لن نتردد في الدفاع عن أصدقائنا ومصالحنا، وعن شعبنا باستخدام أقوى جيشٍ في العالم عند الضرورة.. إنه وعدٌ لكل الأمريكيين. أتحدث عن «قوةٍ ذكيةٍ»، وهي تعني الاستخدام العقلاني لكل الوسائل المتوافرة، ومن ضمنها قدرتنا على الاتصال والاجتماع، وتعني قوتنا الاقتصادية والعسكرية».
دعونا نلاحظ بعض المفاهيم التي يأخذها البهلوان بالحسبان لينجح في استعراضه:
1- ستمضي واشنطن لتزعّم العالم، وهي الكلمات نفسها التي استخدمها الرئيس بوش. المشكلة أنّ سياسته الخارجية برهنت على إخفاقها، ما يهدد هدف الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم والتحكم به. إذاً كيف نتزعم العالم دون إظهار أننا نسير على خطى سياسة مرحلة بوش؟ هكذا تقول كلينتون بأنّ هنالك حاجةً لتفكيرٍ جديد.
2- تنوي واشنطن استخدام الدبلوماسية، أي التشديد على المباحثات وإشراك دول أخرى في الحوار. في الوقت نفسه، يتضمن الجانب الآخر من الحبل المشدود، والذي على واشنطن تجنب الوقوع فيه، استخدام القوة والجيش. لكن كيف يكون هذا التفكير جديداً؟
تحذّر السيدة كلينتون من أنّ إرادتنا في إجراء المحادثات لا تستثني الفعل: باستخدام «أقوى جيشٍ في العالم عند الضرورة». آخذين في الحسبان وضع هندوراس الراهن، أي موضعٍ وأهميةٍ للإمساك بغصن الزيتون فعلياً مقارنةً مع استخدام الجيش؟
3- تجنب الاعتماد من جانبٍ واحدٍ على الجيش على حساب غصن الزيتون، وهذا تحدٍّ فعلي في ظلّ استمرار المواجهة السلمية لشعب هندوراس ورئيسه الشرعي زيلايا. لجماعة الانقلاب العسكري المدعومين من القاعدة العسكرية الأمريكية في هندوراس..
وزارة الخارجية.. والتوازن والمماطلة
دعونا نتفحّص محاولات وزارة الخارجية لمعالجة الوضع، لأنّها تتضمّن عدّة دروسٍ لشعوب أمريكا اللاتينية.
في الثامن والعشرين من حزيران، يوم الانقلاب، صرّحت كلينتون: «ينتهك الفعل المتخذ بحق الرئيس الهندوراسي ميل زيلايا أحكام الشرعة الديمقراطية بين الأمريكيتين، وهو أمرٌ يقتضي الإدانة بالإجماع. ندعو كلّ الأطراف في هندوراس لاحترام النظام الدستوري وحكم القانون، وإعادة تأكيد دورهم الديمقراطي، وإلزام أنفسهم بحلّ النزاعات السياسية سلمياً ومن خلال الحوار. على هندوراس أن تعتنق مبادئ الديمقراطية التي أعدنا تأكيدها في اجتماع منظمة الدول الأمريكية (OAS) الذي انعقد قبل أقل من شهر».
امتنعت وزارة الخارجية عن تسمية ما جرى بأنه انقلاب، ولم تشر إلى الطريقة العنيفة التي اختطف فيها الرئيس زيلايا وأجبر على مغادرة البلاد قسراً، مختزلةً ذلك كله بتعبير «فعل». ثمّ تواصل بهلوانيتها الدقيقة حين تضع العصيان المسلح وحكومة زيلايا المنتخبة دستورياً في سويةٍ واحدة: «على جميع الأطراف في هندوراس حل نزاعاتهم السياسية سلمياً ومن خلال الحوار». إذا اعتقد أحدٌ أنّ الولايات المتحدة كانت تعلم أنّ شيئاً ما سيحدث قبل الانقلاب الفعلي في الثامن والعشرين من حزيران، فماذا عن براغماتية «السلام والحب» التي تتحدث عنها كلينتون؟ أو هل يمكن أن تكون الولايات المتحدة متورطة فعلاً في الانقلاب؟ يمكن لمبدأ كلينتون في استخدام القوة المسلحة كما أشير إلى ذلك في خطابها أعلاه الموجه لمجلس العلاقات الخارجية، أن يعبّر عن نفسه على النحو التالي: استخدام الجيش لإيقاف النزعة المتنامية لحكومات وشعوب أمريكا الجنوبية لبناء مستقبلها المناهض للنيوليبرالية ولمعارضة هيمنة الولايات المتحدة على منطقتهم.
في التاسع والعشرين من حزيران، اليوم التالي، قالت كلينتون: «عملت الولايات المتحدة مع شركائها في منظمة الدول الأمريكية لتشكيل إجماعٍ متينٍ يدين احتجاز الرئيس زيلايا وطرده، والدعوة إلى استعادةٍ كاملةٍ للنظام الديمقراطي في هندوراس. أولويتنا المباشرة هي في إعادة النظام الديمقراطي والدستوري بكامله إلى البلد. أما الآن، فحكمة مقاربتنا، على ما أعتقد، كانت جليةً البارحة حين اعتمدنا على الشرعة الديمقراطية بين الأمريكتين ومنظمة الدول الأمريكية كأساسٍ لردنا على الانقلاب الحادث».
هل كانت كلينتون تتحرك أكثر تجاه الدبلوماسية وتقصي وزارة الخارجية عن جناة الانقلاب المدعوم عسكرياً؟ تذكر بدايةً: «إدانة احتجاز الرئيس زيلايا وطرده»، ثم، وبغرض البقاء جزءاً من قرار المنظمة الحازم المناهض للانقلاب وإعادة زيلايا إلى منصبه الشرعي كرئيس، كان على الولايات المتحدة تقديم بعض التنازلات. علينا أن نلاحظ حقيقة أنّ كلينتون لم تذكر عودة زيلايا إلى بلاده، بل أشارت إلى «استعادةٍ كاملةٍ للنظام الديمقراطي في هندوراس».
كذلك، كان على الناطق الرسمي لوزارة الخارجية إيان كيلي أن يعتلي بدوره الحبل المشدود. فمباشرةً بعد تصريح كلينتون المذكور أعلاه، ردّ إيان كيلي على أسئلة المراسلين الصحافيين حول هندوراس خلال أحد اللقاءات الصحافية بأسلوبٍ فاترٍ انعكس في إجاباته «انضمت الولايات المتحدة إلى قرار المنظمة».
عموماً، إن قرار واشنطن حول التصنيف القانوني للانقلاب وفق معايير الولايات المتحدة لم يتخذ بعد. الحكم الأخير قد يحدّد في ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقطع نهائياً وعلى نحوٍ دائم، طالما المتآمرون يقبضون على السلطة، جميع المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية أم لا، إضافةً إلى سحب الاعتراف الدبلوماسي. وهنا تجب الإشارة إلى أن النظام في هندوراس يعتمد في وجوده كلياً على مساعدة الولايات المتحدة بكافة أنواعها.
هل صنّفت الولايات المتحدة الانقلاب بأنّه غير شرعي، أم أنّ ذلك يعني أنّها لم تتوصّل بعد إلى قرار؟ في الواقع، لن يتم هذا التوضيح إلاّ بعد أسبوع، في 29 تموز.
في مؤتمر صحفي في 21 تموز، قال وود الناطق المساعد باسم وزارة الخارجية «نحن على تواصلٍ مستمرٍ مع عددٍ من البلدان في ما يتعلق بالوضع في هندوراس. ونعتقد أنّ وساطة أرياس (رئيس كوستاريكا السابق، ورجل الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية) هي الطريق الصحيح للعمل». وفي ردّ فعلٍ على سؤالٍ آخر أكّد قائلاً: «ما قصدته بالتحرك حالياً أنه لدينا عملية جارية يرأسها الرئيس أرياس».
يبدو واضحاً أنّ وساطة أرياس تمضي يداً بيد مع توفير الوقت للولايات المتحدة لمحاولة تشكيل تحالفاتٍ في أمريكا الجنوبية. وهذه التحالفات ليست موجهة ضدّ زيلايا مباشرةً فحسب، بل كذلك ضدّ حكومات أمريكا الجنوبية كافةً، ومن ضمنها بلدان الكاريبي وأمريكا الوسطى التي تصرّ على عودة زيلايا غير المشروطة كما تقتضي قرارات الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية. لابدّ أنّ الوضع محبطٌ في شوارع الكثير من مدن هندوراس، حيث يتحدّى آلاف الناس الجيش الذي ترعاه الولايات المتحدة وتدرّبه. وبالفعل، في حين يصرّ الناس على الدفاع عن مطالبهم على الرغم من مواجهة القمع الوحشي، ينطبق «التحرك حالياً» وفق الولايات المتحدة على القوى الاجتماعية التي تعارض متآمري الانقلاب فقط، ولا ينطبق على النظام الانقلابي.
في اليوم التالي، قال كراولي مساعد وزيرة الخارجية إجابةً على سؤالٍ آخر حول الإطار الزمني لوساطة أرياس، إنه يتوجب ألا يكون هنالك «مهلة نهائية». بعد ذلك، وفي ردٍّ على صحافيٍّ آخر أراد معرفة إن كان زيلايا يخطّط للعودة إلى هندوراس، وصف تلك العودة بأنها «غير متعقلة».
في24 تموز، تصاعد الكفاح في شوارع هندوراس وفي المناطق الملاصقة لحدود نيكاراغوا حيث كان زيلايا يحضّر لعودته. في ذلك اليوم، لم يستطع المصدر الرسمي لوزارة الخارجية أن يموّه ردة فعل مساعد وزيرة الخارجية كراولي على سؤالٍ آخر حول الموضوع نفسه المتعلق بعودة زيلايا. يمكن للمرء أن يلاحظ بسهولةٍ الإحباط على وجهه. بدا كراولي وهو يتنهّد بسخط. ثمّ زاد الضغط أكثر على زيلايا والمتعاطفين معه، مؤكداً أنّ عودته ستكون «سابقةً لأوانها».
ربما لا يكون هنالك فارقٌ كبيرٌ بين «غير متعقلة» وبين «سابقة لأوانها»، لكن في اليوم نفسه، 24 تموز، ظهرت السيدة كلينتون في لقاءٍ صحفيٍ مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد لقائهما في وزارة الخارجية. صرّحت وحدها، وليس إجابةً على أي سؤال، أنّ عودة زيلايا ستكون في رأيها «متهورة». لاشك أنّه مزيدٌ من الضغط. أليس ذلك تشجيعاً لميشيليتي (المنقلب) لاتخاذ موقفٍ صارمٍ تجاه زيلايا؟ «صرامة» مكالمة السيدة كلينتون الهاتفية كانت غائبةً عن ذهن ميشيليتي حين سمعها تحذّر زيلايا علناً.
الثنائي: كلينتون – ميشيليتي
من يوم الجمعة 24 تموز إلى يوم الأحد 26 تموز، حاول الجيش (ونجح إلى حدٍّ ما) أن يقمع بوساطة القوة الوحشية حركة الدعم المطلق والبطولي لشعب هندوراس، الذي أراد استقبال الرئيس زيلايا عند الحدود. على الرغم من ذلك، أيّد السيد كيلي يوم الاثنين 27 تموز وصف السيدة كلينتون لعودة زيلايا بأنها «متهورةٌ بالفعل». أضاف أيضاً أنّ وزارة الخارجية تؤيد عودة زيلايا «باتفاقٍ مشترك». في رده على سؤالٍ يتعلق بدعوة زيلايا في 27 تموز لفرض عقوباتٍ على نظام الأمر الواقع، تجنب كيلي السؤال بقوله إنهم «يدعمون الرئيس أرياس».
كيف يمكن أن يحدث «اتفاقٌ مشترك» حين يرفض الانقلابيون عودة زيلايا كرئيس، سواءٌ عبر طرقٍ دبلوماسيةٍ مبهمةٍ ومريبة (مقترحات الرئيس أرياس) أم بعودةٍ سلميةٍ عبر الحدود؟ في سياق الوضع المتوتر على الحدود بين نيكاراغوا وهندوراس، تفترض «مساندة أرياس» على نحوٍ متزايدٍ يومياً أنّ هذه الوساطة التي ترعاها الولايات المتحدة ترمي إلى توفير الوقت اللازم للنظام المدعوم عسكرياً لينظّم أموره محلياً ودولياً. وبالفعل، يطوّر ميشيليتي اتصالاته الدولية وفي الوقت نفسه يستخدم قوةً وحشيةً في مواجهة الشعب: يلعب الوقت دوراً في مصلحة الأمر الواقع. وزارة الخارجية وأرياس وميشيليتي يفعلون كلّ ما من شأنه إضعاف معنويات التحركات الاجتماعية وإحباطها في البلد، ويسعون في الوقت نفسه لإثارة انقساماتٍ في المجتمع الدولي ودفعه للتخلي عن محاولاته.
في الحديث عن توفير الوقت لنظام ميشيليتي، قدمت له صحيفة وول ستريت في 27 تموز فرصةً ذهبيةً في صفحتها الافتتاحية. امتدح ميشيليتي حرفياً وصف السيدة كلينتون لعودة زيلايا بأنها «متهورة» واعتبره «ملائماً». ومضى أبعد من ذلك بمناشدة اليمين المتطرف وصقور الطغمة الحاكمة في الولايات المتحدة: «... بدلاً من فرض العقوبات، على الولايات المتحدة أن تواصل السياسة الحكيمة للسيدة كلينتون. فهي تساند جهود الرئيس أرياس للتوسط».
ينبغي أن يكون هنالك الكثير من الضغط على إدارة واشنطن الجديدة للمحافظة على سيطرة الجيش الموالي للولايات المتحدة على هندوراس، أياً كانت الكلفة السياسية التي يتوجب على إدارة أوباما دفعها. وخير دليلٍ على ذلك الإكراه هو صحيفة وول ستريت.
صحيفة وول ستريت واليمين الأمريكي
في مقالةٍ حديثةٍ لإيفا غولينغر، المؤلفة والمحامية والصحافية الفنزويلية الأمريكية، صدرت في كوبا ديبيت، كتبت:
«صحيفة وول ستريت هي جزءٌ من شركة أخبار داو جونز نيوز كوربوريشن، ومالكها هو روبرت مردوخ، صاحب المليارات النافذ، والذي يسيطر عبر احتكاره الإعلامي على مئات الصحف والمجلات ومحطات الراديو والتلفزيون على مستوى العالم. كما أنّ شهرته تنبع من امتلاكه لقناة الأخبار فوكس نيوز، التي تروّج لرؤية الولايات المتحدة الإمبريالية والنيوليبرالية. تتضمن بعض مشاريعه الإعلامية أيضاً قناة ناشيونال جيوغرافي، وفيلم زون، وكل قنوات فوكس واستوديوهاتها، قناة سينما، ماي سبيس (إنترنت)، هاربر كولينز (نشر)، نيويورك بوست (صحيفة يومية)، سانداي تايمز (المملكة المتحدة)، صن (المملكة المتحدة)، وكثير غيرها.
صحيفة وول ستريت صحيفةٌ يوميةٌ توزع أكثر من مليوني نسخة يومياً على مستوى العالم، ويقرؤها على الإنترنت 931 ألف شخص. كتب افتتاحية الدكتاتور روبيرتو ميشيليتي وروّج لها من يدعمه في الولايات المتحدة، النائب العام لاني ديفيس، وهو محامٍ وصديقٌ مقرّبٌ للرئيس الأسبق بيل كلينتون وزوجته وزيرة الخارجية الحالية في إدارة الرئيس باراك أوباما. أيّدت صحيفة وول ستريت انقلاب هندوراس منذ اليوم الأول، بل إنها نشرت سلسلة مقالاتٍ في محاولةٍ لتحميل فنزويلا والرئيس هوغو شافيز مسؤولية أزمة الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى».
بدأت شبكة الارتباطات تكشف عن نفسها، كما يوضح النصّ المذكور أعلاه. يصبح حفاظ بهلوان المشي على حبلٍ مشدودٍ على توازنه (وتوازنها) أكثر صعوبةً يوماً بعد يوم. يبدو أنّ المؤدّي يميل لامحالة، وعلى مرأى من الجمهور، إلى جانب القوة العسكرية على حساب حصان طروادة الذي يمثّله «الحوار والدبلوماسية» والواقع على الجانب الآخر من الحبل. سيستدعي الأمر بهلواناً للحفاظ على الوضع المتمايل لمؤدّي عرض الحبل المشدود هذا.
في أوّل مرّةٍ سأل المراسلون وزارة الخارجية إن كان الانقلاب قد صنّف قانونياً بأنّه شرعيٌ أم لا، أي يوم 29 حزيران، ثاني أيام الانقلاب العسكري، قال كيلي كما ذكرت سابقاً: «دعونا نرجع إليكم لاحقاً في قضية التحديد القانوني». في 28 تموز، أكرر عمداً، 28 تموز، أي بعد شهرٍ من الانقلاب، وفي جوابه على سؤال حول الانقلاب في هندوراس مفاده «أدرك جيداً أنّ مكتب المستشار القانوني كان يتفحص إن كانت الأحداث في هندوراس تنطبق تقنياً على التعريف القانوني للانقلاب وبالتالي سيؤدي إلى قطع المساعدة ـ التي أرى أنّكم علّقتموه» أجاب كيلي: «نعم». سؤال: هل توصلتم إلى قرارٍ حول هذه المسألة؟ يجيب السيد كيلي: سيتوجّب عليّ أن أقدّم لكم معلوماتٍ جديدةً حول ذلك. سؤال: متى؟ السيد كيلي: أنا ـ مثلما قلت تماماً، سيتوجّب عليّ ـ سيتوجّب عليّ أن أقدّم لكم معلوماتٍ جديدةً حول ذلك.
ما هو أكثر تعبيراً من الأقوال المكتوبة، لغة الجسد التي عرضها كيلي والتي كانت مرئيةً على شريط الفيديو الرسمي. إجابة كيلي الأخيرة: «أنا ـ مثلما قلت تماماً، سيتوجّب علي ـ سيتوجّب عليّ أن أقدّم لكم معلوماتٍ جديدةً حول ذلك»، بدا وكأنها احتاجت دهراً لتخرج أخيراً من فيه. تململٌ بلا نهاية. لم يكن هنالك مزيدٌ من أسئلة المراسلين. لم يذكر أي مراسلٍ أنّ وزارة الخارجية قالت الشيء نفسه قبل شهر! لولا أكثر الأوضاع خطورةً وحرجاً لشعب هندوراس، وكذلك لأمريكا الجنوبية بكاملها في السياق التاريخي للانقلاب، لتوجّب أن تطرد تهكماتنا سيرك وزارة الخارجية خارج المدينة.
لكنّ العرض يتواصل..
*أرنولد أوغست محاضر وصحافي وكاتب مقيم في مونريال ومختص في الشؤون الكوبية.