شمس الدين شيتور ترجمة قاسيون شمس الدين شيتور ترجمة قاسيون

الاتفاق حول الدين الأمريكي: شعوب العالم مؤجلة

قبل أسبوع، كانت أوروبا تحبس أنفاسها بسبب مصير الشعب اليوناني الذي لا يحسد عليه، والذي يعاني خطّةً جديدةً للتقشف. وقد دفع ذلك وزير المالية الإيطالي جوليو تريمونتي للقول في 15 تموز 2001: «في أروربا، لدينا موعدٌ مع القدر. لم نعد نستطيع أن ننتظر الخلاص من الشؤون المالية، بل من السياسة. لم يعد السياسيون يستطيعون ارتكاب أخطاء.

وكما على سفينة التايتانيك، حتى ركاب الدرجة الأولى لم يعودوا بمنأى عن الخطر». في نهاية المطاف، وجدوا حلاً مصرفياً أو بالأحرى وجدوا تأجيلاً. أعيد تعويم الحكومة اليونانية التي ستواجه التزاماتها بدفع دينها وزيادة مديونية الدولة. نرى كيف يمكن مقارنة الوضع في البلدان الأوروبية بالوضع على سفينة التاتيانيك التي كان صانعوها قد أكّدوا بأنها غير قابلة للغرق!.

في فرنسا، أثار إعلان فرانسوا فييون عن ميزانية العام 2010 بعجزٍ قياسي قدره 81.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ردود فعلٍ عديدة، ما دفع بونوا هامون إلى أن يقول في 27 أيلول بأنّ فرنسا «مفلسة»، لكنّ فرنسا من حيث المديونية هي ضمن متوسط البلدان الصناعية (الولايات المتحدة 91.5 بالمائة، واليونان 108 بالمائة وإيطاليا 116 بالمائة،.

هنالك سفينة «تايتانيك» أخرى بدأت تغرق، وهي الولايات المتحدة التي نكتشف الآن عجزها الهائل: 14 ألف مليار دولار. يقولون لنا إنّه لولا وجود اتفاقٍ بين الديمقراطيين والجمهوريين، لبلغ الاحتكار الاقتصادي العالمي للولايات المتحدة نهايته، وهذا ما يعتقده مدير جمعية المصارف الروسية غاراغين توسونيان. الولايات المتحدة على حافة العجز عن التسديد. وفق مديرة صندوق النقد الدولي، سوف يعاني الاقتصاد العالمي كلّه من العواقب. النظام المالي العالمي رهينة الشجارات السياسية في الكونغرس الأمريكي. 

أصل مآسي العالم

يعود أصل كل المشكلات إلى 15 آب 1971، ففي ذلك التاريخ، أعملت الولايات المتحدة، الخارجة مستنزفةً من فيتنام، آلة طباعة النقود لتمويل الحرب، كما أنّها كانت حقبة الثلاثين، وكان الاقتصاد الأوروبي، وكذلك الياباني، ينافس الولايات المتحدة منافسةً جدّية. وكان الحلّ الوحيد يتمثّل في كسر العلاقة بين الذهب والدولار. بالتالي، قرّر الرئيس نيكسون من جانبٍ واحد تعليق قابلية تحويل الدولار إلى ذهبٍ بسعرٍ ثابت. لقد تخلّى عن معيار الذهب ولم يعد هنالك مقابلٌ معدنيٌّ للعملة المصدرة. لن يعود للمال بعد ذلك إلاّ قيمة الثقة الممنوحة لها! وصادقت على هذه الخطوة «اتفاقات جامايكا» في العام 1976، التي تعيّن موت اتفاقيات بريتون وودز، واستسلام الدول أمام الإله ـ الدولار، من دون معيار، من دون مراقبة، بين أيدي المافيات المصرفية والمالية. هكذا سمح إلغاء «معيار الذهب» للمصارف الخاصة في أعظم قوة عالمية عظمى بتدوير آلة طباعة النقود (وهي صورةٌ، لأنّ المال لم يعد سوى لعبة كتاباتٍ وخلقاً من العدم)، على نحوٍ غير مسبوقٍ في التاريخ.

بدءاً من هذا التاريخ، لم يعد المصرف الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة يضمن تحويل قروضه مقابل كميةٍ معيّنةٍ من المعدن. لو كان من حقّ الولايات المتحدة أن تصكّ العملة (وهو ما يبدو لي أبسط الأمور)، عبر تثبيت قيمة هذه العملة الورقية مقابل موجوداتٍ حقيقيةٍ (الذهب، نعم)، لكانت الدول والشعوب مستقلةً ولتمكّنت من طباعة النقود وتمويل الاقتصاد الحقيقي، الاقتصاد الذي يجعلنا نعيش: الزراعة والصناعة، إلخ... ولكان الإفراط في طباعة النقود محدوداً على نحوٍ طبيعي بمخاطر التضخّم وبخس قيمة النقود.

حين لاحظت الهيئات الخاصة أنّ الاقتصاد يتباطأ وأنّ الدول تجد صعوبةً في تمويل نفسها بالوسائل الداخلية التقليدية (الضرائب) وأنّها تجد بالتالي صعوبةً في الحصول على ديونها، قرّرت هذه الهيئات الخاصة بكلّ وداعةٍ أن تمنح الدول مضارباتٍ على المكشوف، ما سيصبح الديون الشهيرة. بطبيعة الحال، المضاربة على المكشوف لا تكون مجانيةً أبداً، يتعلّق الأمر إذاً بالحصول على بعض الفوائد الإضافية التي ستحتسب على أساس علامةٍ تمنحها وكالة تأشيرٍ مستقلة... 

أصل الدين الأمريكي وهروب الجمهوريين إلى الأمام

بالنسبة إلى الباحث الاقتصادي جورج هوجو، أدار الجمهوريون أغلبيتهم في الكونغرس بطريقةٍ جعلت منه كونغرس الخزي بالنسبة إلى الولايات المتحدة. مرّت خطّة بوهنر في الكونغرس، على الرغم من أنّ 22 جمهورياً التحقوا بالديمقراطيين في التصويت السلبي. كان رفض مجلس الشيوخ متوقعاً. هنالك فارقان أساسيان بين الخطتين: لا يريد الجمهوريون تخفيض النفقات العسكرية المرتبطة بالحرب في العراق وأفغانستان (1.200 مليار دولار في الخطة الديمقراطية)، وهم غير مستعدّين لإعطاء سماحٍ يتجاوز الانتخابات الرئاسية. وهم يريدون بأيّ ثمنٍ كان أن يجعلوا من هذه المسألة لعبةً انتخابية.

«العجز في الميزانية مرتفعٌ أكثر ممّا يجب، لكن رفض زيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء والمساس بميزانية الدفاع الباهظة والحفاظ على مزايا بعض الشركات الكبيرة ـ في حين أنّ الديمقراطيين بدؤوا ينالون بعض المزايا الاجتماعية ـ هو أمرٌ غير مسؤول. (...) مجرّد التخلّي عن مزايا عهد بوش سينقص في الوقت المناسب الدين العام الأمريكي بمقدار 2000 مليار دولار»، وفق دراسةٍ نشرها ج. ب. مورغان يوم الجمعة 29 تموز. يتعلّق الأمر هنا بمنح الحكومة إمكانية «تسديد فواتيرها» مثلما قال الرئيس أوباما. النفاق كامل: يتم التصويت على ميزانية وفي الوقت نفسه عدم منح السماح بالاقتراض من هذه الميزانية. هذه اللغة المزدوجة فضيحةٌ بمعنى الكلمة.

هل ينبغي التذكير بأنّه من أصل الأربعة عشر ألف مليار دولار في هذا الدين العام، بلغت كلفة الحرب على العراق وحدها 3 آلاف مليار دولار؟ وأنّ الحرب على أفغانستان تمثّل أكثر من ألف مليار دولار؟ إنّ الولايات المتحدة تخاطر بأن تقتل نفسها بسيفها، وقد بدأ ردّ فعل وول ستريت أخيراً في إعلام الكونغرس بأنّ «أحداً لم يعد يقبل هذا السلوك». وخلص الباحث الاقتصادي جورج هوجو إلى القول: «أنا مقتنعٌ بأنّ قادتنا السياسيين ومندوبينا الذين انتخبهم الشعب، سواءٌ في الولايات المتحدة أم في أوروبا، قد فقدوا البوصلة. ولأنّهم ينكبّون أكثر من أيّ وقتٍ مضى على استحقاقاتهم الانتخابية والمرَضية المتعلقة باستبيانات الرأي، فقد أصبحوا عاجزين عن اتخاذ قراراتٍ متماسكة. (...) أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وعلى ضفتي المحيط الأطلسي، آلية عمل المؤسسات الديمقراطية هي المهدّدة بفعل تسييسٍ مفرطٍ يتجاهل الرفاه العامّ ولا يسعى إلاّ إلى رضاه الذاتي النرجسي والانتخابي. لكن حتّى إذا تمّ حلّ المشكلة في نهاية المطاف، فإنّ جزءاً من الضرر غير قابلٍ للإصلاح».

وللتذكير، يجب على الكونغرس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض أن يقرّروا كلّ عامين رفع سقف الدين. الرهان مزدوج: 1) رهانٌ انتخابي. 2) رهانٌ سياسيٌّ حاسم. تهدف خطّة أوباما إلى إنهاء المزايا الضريبية لمصلحة تنميةٍ أقلّ «تشويشاً» للبنى التحتية العامة في البلاد، ما يتطلّب تطهيراً جذرياً للتمويلات العامة (المزايا الضريبية أقلّ كلفةً من مثل هذا التغير الهيكلي في الاستثمار العام). الرهان كبيرٌ إذاً: إنّه تغييرٌ عميقٌ في المجتمع الأمريكي الشمالي.

إنّها بالفعل 14 ألف مليار دولار... لكن ينبغي تقريب هذا الرقم من مبلغ 4 آلاف مليار دولار التي يتمّ تبادلها يومياً في أسواق العملة... نحو 10 أضعاف إيجادٍ حقيقي للثروات. ربما كانت هذه بداية «أفول الإمبراطورية الأمريكية»: مديونية ثقيلة، صعوبةٌ في الاتفاق على توزيع التمويل، ميزانية عسكرية لا يمكن احتمالها، هذه الصعوبات البنيوية تتطلّب مراجعاتٍ مؤلمة. ما من شكٍّ في أنّ الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي يسيران نحو أيامٍ مظلمة..

إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق، يتمثّل السيناريو الأكثر معقوليةً في سقوط سندات الخزينة إلى مستوياتٍ يصعب تقييمها. وسوف يؤدّي ذلك إلى رفعٍ كبيرٍ يثير الذعر في أسعار الفائدة، وكذلك إلى انهيار وول ستريت، وإلى مفعول عدوى. والمفارقة أنّ رفع أسعار الفائدة سيدعم قيمة الدولار الذي لم يبق لديه كثيرٌ ليضيعه. ربّما يصوّت الأمريكيون على رفع سقف الدين، لكنّ المسألة ستطرح في العام القادم، بما أنّ تصنيفه الائتماني قد هبط. من الذي ستكون لديه الشجاعة ليطلق النار على قدمه من أجل المصلحة العامة؟ يحتاج عالم اليوم إلى شهداء سياسيين.

أسس الأزمة المالية في البلدان الغربية

لئن كانت أوروبا والولايات المتحدة بمنجىً دائمٍ من الإفلاس، فذلك بفضل عدّة عوامل. قوّة صناعتهما والتحكم بالمؤسسات الدولية وإمكانية أن تلعب الولايات المتحدة على قيمة الدولار بمجرد طباعة النقود تلبيةً لالتزاماتها. نحن بعيدون عن التكافؤ في بريتون وودز: الدولار يساوي 1 غرام ذهباً أي 33 دولار لكلّ أونصة ذهب. منذ أن قرّر نيكسون في تموز 1974 تغيير التكافؤ تماشياً مع المصالح الأمريكية، أصبحت أونصة الذهب نفسها حالياً تكافئ 1620 دولاراً، كما تزايد اللجوء إلى الذهب كملاذ.

كتب الباحث الاقتصادي جورج هوجو: «منذ أشهر، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا إدارة أزمةٍ في الميزانية والمديونية. لم يسبق في تاريخ ما بعد الحرب الاقتصادية والمالية أن كانت مخاطر الانفجار الشامل للاقتصاد العالمي بهذه الحدّة. نحن نواجه اليوم خطر الاحتراق الحقيقي، إذا لم يسمح استدراكٌ في الدقيقة الأخيرة يقوم به قادة العالم الغربي السياسيون بتجنّب مواجهةٍ جبهيةٍ بين خطر عجز الولايات المتحدة عن التسديد وخطر عجوزاتٍ تاليةٍ مماثلة في أوروبا. تتمتّع الإدارة التي يرثى لها على جانبي الأطلسي بميزةٍ مشتركة: نحن نحاول بيأسٍ تصديق أنّنا سنحلّ مشكلةً نجمت من عقودٍ من التراخي في مجال الميزانية. يكفي أن يمضي المرء أسبوعاً في الصين، مثلما فعلت بنفسي قبل فترةٍ وجيزة، ليدرك ما آل إليه غربٌ فقد ديناميته وثقته بنفسه».

«أتى الرئيس إلى الطاولة يحمل اقتراحاً بتخفيض الدين العام بقيمة 4 مليار دولار. كان يخطّط لأكثر التخفيضات قسوةً في تغطية الخدمات الصحية التعليمية في أيّ عصرٍ سابقٍ قاده الديمقراطيون. لكنّه لم يكن يستطيع قبول مثل هذا التراجع إلاّ إذا لم يكن جزءٌ من تلك التخفيضات آتياً من ‘الميسورين’. لا يتعلّق الأمر فقط بثرواتٍ هائلةٍ راكمها أصحاب المليارات الأمريكيون. المستهدف أيضاً هو إنهاء الإعانات الضخمة التي تدفعها الدولة الأمريكية للصناعة النفطية والدفاع والمال (...)». 

ردع الدائنين، لاسيما الصين

في أكثر التقاليد الشوفينية نقاءً، تمّ تطوير سيناريوهات كارثية في حال عدم الموافقة. الدائن الرئيس للولايات المتحدة هو كما فهمنا الصين التي تمتلك بمفردها 900 مليار دولار، أي نحو 20 بالمائة من سندات الخزينة الأمريكية التي تمتلكها بلدانٌ أجنبية (وتبلغ قيمتها نحو 4300 مليار دولار). في العام 2001، تخلّت الصين مرّتين عن جزءٍ من سندات الخزينة الأمريكية. وفي الوقت عينه، حاولت تكريس اليوان كعملة تبادل مرجعية في آسيا، لتحلّ محلّ الدولار. يبرهن هذان الحدثان على أنّ الصين لا تثق كثيراً بقدرة الأمريكيين على الوفاء بتعهّداتهم. فضلاً عن ذلك، يبدو وكأنّ الصين تستبق أزمةً ماليةً عالميةً خطيرةً ناجمةً من بخس قيمة الدولار كأحد المخارج الممكنة (في أحسن الأحوال) للأزمة بالنسبة إلى الأمريكيين. وكما يقال: «وفي هذه الأثناء، الصينيون يعملون».

كثيراً ما يقال: «إذا كنت تدين بمائة ألف يورو لمصرفك، فوضعك سيىء للغاية. وإذا كنت تدين له بعشرة ملايين، فهذا يعني أنّ وضع المصرف هو السيئ للغاية». بالنسبة لمحبي الحروب، هنالك وسيلةٌ لتفكيك الصين. من المستفيد من الحجم الهائل للأموال التي تدين بها الولايات المتحدة للصينيين؟ في حال عجزت الولايات المتحدة عن التسديد، ستصبح قيمة سندات الخزينة الأمريكية معدومة، ما سيخلق «موجةً ماليةً عاتية» تجتاح الصين. سيكون ذلك إعلان حربٍ «ناعماً»، لكن لن يكون بالضرورة أصعب مما قامت به الولايات المتحدة لإفلاس الاتحاد السوفييتي. لاشكّ في أنّ تدمير المحرك الاقتصادي للحزب الشيوعي الصيني سينتهي بحربٍ أهليةٍ تعيد الازدهار للعالم الغربي. لقد فهم الصينيون كلّ شيء. كان ماو محقاً حين قال إنّ الصين هي البلد الوحيد في العالم القادر على أن يفقد 300 مليون إنسان في المعركة... هذا تحذيرٌ للهواة.

أمّا بصدد سيناريو «تدمير» الصين الأنيق، فليس هنالك ما هو أقلّ صحّةً من ذلك! أولاً، الدين الغربي قليل الوزن بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني: إذا أصبحت قيمة سندات الخزينة الأمريكية التي يمتلكها الصينيون معدومةً غداً، فهذا سيعادل أن تبلغ قيمة الفواتير القديمة غير المدفوعة 1000 مليار دولار. وهذا يعادل شهرين من إنتاج الصين (من الناتج المحلي الإجمالي)، لكنّ ذلك لن يمنع المعامل من أن تعمل. لا تمثّل صادرات الصين «سوى 25%» من إنتاجها. وفق الإيقاع الحالي، سوف يمتصّ عامان من زيادة الطلب الداخلي التخلي عن السوق الأوروبية والأمريكية.

في المقابل، قد يشهد بلدٌ مثل الجزائر، التي وضعت جزءاً كبيراً من ممتلكاتها في سندات الخزينة ـ وتشهد تآكلاً شديداً في قدرتها على الشراء على الرغم من شهادات الرضا التي يصدرها مصرفيوها ـ متاعب جدّيةً في حال انخفضت قيمة تلك السندات. ألم يكن أكثر حكمةً تخفيف ضخّ النفط بالحدّ من الاستخراج إلى الحاجات الداخلية، وتحويل جزءٍ من تلك الدولارات الحالية إلى ذهب؟ ينبغي أن نعلم أنّ قيمة الذهب قد ارتفعت بنسبة 20 بالمائة خلال سنة، إذ ارتفع سعر الأونصة من 1450 إلى 1520 دولاراً! 

أمريكا تنجو من التوقّف عن التسديد

في آخر الأخبار، أعلن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي هاري ريد مساء السبت حدوث تقدّمٍ في المفاوضات مع البيت الأبيض. يقول إنّ أحد المقترحات يتمثّل في أن يرفع سقف الدين، الذي يبلغ حالياً 14294 مليار دولار، بقيمة 2800 مليار دولار. لكنّ الجمهوريين يطالبون بتخفيض الضرائب وكذلك بتخفيضاتٍ كبيرةٍ في الميزانية. ومن جانبٍ آخر، يريد الديمقراطيون مصاحبة التشدّد في الميزانية بجهودٍ ضريبيةٍ يقوم بها الأشخاص الأكثر ثراءً.

وذروة ذلك تسرّب معلوماتٍ تفيد بأنّ شركة آبل تمتلك سيولةً تزيد على ما تمتلكه الولايات المتحدة. يبدو أنّ القوّة المالية هي بوضوحٍ لمصلحة الشركات الكبيرة أكثر مما هي لمصلحة الولايات. كتوضيحٍ للحالة الكارثية للوضع الاقتصادي الأمريكي، نذكر أنّ أكبر شركات الهواتف الذكية، شركة آبل، تمتلك نحو 76 مليار دولار من السيولة في حين تمتلك الولايات المتحدة 73 مليار دولار. يمثّل هذا المبلغ ما لا تزال أكبر قوّةٍ اقتصاديةٍ عظمى إنفاقه قبل بلوغ حدّ الدين الذي حدّده البرلمانيون الأمريكيون (14294 مليار دولار).

مؤخراً، حقّقت شركة آبل أرباحاً فصليةً قياسية، بزيادةٍ نسبتها 125 بالمائة على أرباحها و82 بالمائة على عوائدها. وبرسملةٍ في البورصة قدرها 362 مليار دولار، تعلن مجموعة «التفاحة» نفسها بوصفها ثاني أغنى شركة في العالم في البورصة بعد شركة إكسون موبيل النفطية التي تبلغ قيمة رسملتها في البورصة 395 مليار دولار. تؤكّد لوري سايمون هودريك، الأستاذة في جامعة كولومبيا: «أحد أسباب استثمار الشركات كلّ هذا القدر من المال هو من جانبٍ رغبتها في أن تكون بمأمنٍ مالياً من عدم اليقين المحيط بالأحوال المالية الأمريكية». تقدّر الميزانية الوقائية لدى الشركات الأمريكية الكبرى بقيمة 1200 مليار دولار.

وهذا يعني القول إنّ أكبر القوى العظمى في العالم بوصفها دولةً هي ضعيفةٌ بالمقارنة مع الشركات متعددة الجنسية. يتضمّن منطق الهاوية هذا أنّه ينبغي أن يكون كلّ شيء، كلّ شيءٍ تماماً، خاصّاً. ينبغي ألاّ تفعل الدولة شيئاً سوى الاهتمام بضمان أن يقوم «النظام» (الشرطة والجيش) بإدامة الوضع الذي أقامته القوى التي لا تريد الدولة مثلما كان ريغان يقول: «المشكلة هي الدولة». إدارة المقاطعات أو المناطق، التعليم، المستشفيات، النقل الجماعي... ينبغي أن يكون كلّ شيءٍ خاصاً، ما يبعث السرور في نفوس الأقوياء. لذلك، ليس مفاجئاً أن تدفع أرباح اليانصيب نفقات تعليم الأطفال لغياب الإمكانيات لدى الدولة الفيدرالية!

يجب مقارنة العجز الأمريكي الهائل الذي يبلغ 140 ألف مليار دولار مع مبلغ مليار دولار الذي لم يقدّمه أو لم يستطع المجتمع الدولي تقديمه لإنقاذ 12 مليون «معذّباً في الأرض» من الصوماليين والأرتيريين. لا، هذا العالم غير عادل، وينبغي أخلاقياً تغييره.