آن لتركيا أن تقول «لا» أوراسية..
هاكان كاراكورت هاكان كاراكورت

آن لتركيا أن تقول «لا» أوراسية..

ثلاثة أشهر مرت على محاولة الانقلاب الفاشلة- المدعومة من الولايات المتحدة- في تركيا. كان الهدف الواضح من تلك المحاولة هو كبح الميل التركي في اتجاه انتهاج سياسة خارجية مستقلة عن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ودمج اقتصاد تركيا مع جيرانها، وتشكيل تحالفات سياسية إقليمية تعود بالفائدة على الأطراف جميعها من ناحية، ومن ناحية أخرى العرض التركي بقيام «شراكة متكافئة» مع كل من واشنطن وبروكسل. 

 

يرفض الجانب التركي من حيث المبدأ أن يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أنقره سياسات معينة. وبدلاً من ذلك، فمن مصلحة تركيا ما يجري الآن من تعددية قطبية تعمل على خلق عالم أكثر عدلاً وتوازناً، ستكون محصلته عودة واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى حجميهما الطبيعيين. ولعل رفض تركيا الانضمام إلى الحصار الاقتصادي الذي فرض على روسيا وإيران، قد ساهم في مزيد من الانزعاج الأمريكي والأوروبي.

تنظر الولايات المتحدة إلى تركيا على أنها مركز للشرطة، يجري استخدامه حسب الحاجة الأمريكية، بعد انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي في عام 1952. ولا تأخذ الأولويات الأمنية للولايات المتحدة أبداً مصالح تركيا بعين الاعتبار. بالنسبة لواشنطن، الأفضل هو تركيا الضعيفة التي تقبل عادة مطالب الولايات المتحدة على الرغم من أنها تتعارض مع المصالح التركية العميقة، وهو ما استمر حتى العام 2002. 

التوافق المرحلي استنفد فرصته

ليس هناك شك في أن الاتفاق بين روسيا وتركيا بشأن الأزمة السورية يهدف إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتشكيل مستقبل للبلاد يعتمد فقط على القوى الوطنية، وليس هذا ما يريده أردوغان بصدق، لكن الوزن الروسي هو الذي فرض ذلك. ويبدو أن اللمسات الأخيرة قد وضعت على الاتفاق عندما زار أردوغان روسيا يوم 9 آب.

الهدف الأساسي لتقسيم سورية، يتمثل في الاستراتيجية الأمريكية الكلاسيكية حول خلق حالة من عدم استقرار في الشرق الأوسط، من خلال دعم تنظيم «النصرة» الإرهابي، وما أمكن من تشكيلات عسكرية أخرى. وهو ما يمكن أن تتوافق عليه أنقرة وواشنطن مرحلياً، لكن على المدى الطويل، فإن الجانب التركي يعي أن النيران لا بد أن تطال دياره.

غطرسة الولايات المتحدة من جهة، وقدرة روسيا على التحمل، ومعرفتها المسبقة بإمكانية خلق تحالف غير معلن بين روسيا وتركيا من جهة ثانية، غيّر ليس فقط ميزان القوى في سورية، ولكن أيضاً اللعبة الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة والقوى الأوراسية، وهنا كانت محاولة الانقلاب بداية لغياب تركي فاعل عن لعب الدور المناط به أمريكياً.

القطيعة مع اتحاد 

رؤوس الأموال الأوروبية

تعتبر تركيا سوقاً كبيرة لمنتجات الاتحاد الأوروبي (38% من الواردات التركية)، ومنطقة عازلة بين دول الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط. ورغم ذلك، لا تزال تحظى تركيا بنسبة من الحملة الإعلامية الغربية الرافضة للأتراك، شبيهة بتلك التي تجري بحق روسيا.

بعد الانقلاب الفاشل، وبدلاً من دعم الحكومة التركية، أبقى الاتحاد الأوروبي وسائل الإعلام الأوروبية تتهم بشدة الرئيس التركي بالتخطيط للانقلاب، وأنه استخدمه من أجل توطيد سلطته الاستبدادية، وعلاوة على ذلك، تجاهلت وسائل الإعلام الأوروبية الحرب الجارية في شرق تركيا.

كما حاول الاتحاد الأوروبي تأخير نظام السفر من غير تأشيرة للأتراك، في الوقت الذي فتح الاتحاد الأوروبي بوابات الفيزا للأوكرانيين الذين تقودهم حالياً «حكومة مؤيدة لأوروبا». وهكذا، خلال حفل افتتاح البرلمان التركي يوم 1 أكتوبر، ذكر أردوغان أن ثلاثين عاماً من المفاوضات بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كانت فقط للتسلية، وأن اللعبة مع الاتحاد الأوروبي قد شارفت على نهايتها.

الرئيس التركي والحكومة، الذين «أدركوا» على ما يبدو أن مستقبل البلاد يتعلق بالنظرة الأوراسية تحديداً، قد بدأوا يتخذون خطوات لإعادة تغيير مواقعهم. إلا أنه ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، أنه ونتيجة للعمل الدؤوب الذي مارسته السلطات التركية المتعاقبة لإقناع الجمهور التركي بضرورة «التغريب والبقاء في حضن أوروبا»، فإن على السلطات التركية اليوم أن تهتم بضرورة تجهيز المجتمع التركي (الذي لا يحتاج جهداً كبيراً) نحو الانعطافة الأوراسية.

هذا ما يحتاجه الأتراك موضوعياً

الانقلاب العسكري الفاشل في 15 تموز هو علامة على نهاية الأحلام الموالية للغرب في تركيا. دعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للانقلابيين جعل الشعب التركي يعيد النظر في نظرته ويعتبر الانقلاب بمثابة هجوم أجنبي مباشر.

ارتفعت الآراء المعادية للولايات المتحدة والآراء المناهضة للاتحاد الأوروبي. وفي الشهر الماضي تم نشر استطلاعين للرأي حول العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من قبل شركة أبحاث مستقلة، وقد ركز الاستطلاع حول العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في عيون الشعب التركي. وكانت النتائج مذهلة: تسعين في المائة من المشاركين في الاستطلاع الذي أجرته «مؤسسة ماك» يعتبرون أن الولايات المتحدة لا يمكن الاعتماد عليها على الرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي. وكانت هذه النسبة 50٪ فقط قبل محاولة الانقلاب. ووفقاً للرئيس التنفيذي لشركة المسح، فإن «الشعب التركي يعتقد أنه يمكن هزيمة الولايات المتحدة، وإذا لم يتم إعلان قانون الأحكام العرفية، فإن السفارة الأمريكية قد تتعرض لهجوم من قبل المواطنين الغاضبين».

وأجري استطلاع آخر للرأي مثير للاهتمام من قبل مؤسسة «تافاك» حول العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي: 22٪ فقط من المشاركين يعتقدون أن تركيا سوف تحصل على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، بينما اقترح نصف المشاركين تقريباً أن تنضم تركيا لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وإلى رابطة بلدان بريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، وذلك لوضع مسار جديد لتركيا، بدلاً من الاتحاد الأوروبي.

بعد انهيار عالم الثنائية القطبية، شهدنا جميعاً مرحلة جديدة من الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة المقنعة تحت كلمات سحرية ولكنها فارغة (العولمة، والإنسانية، والديمقراطية، وتقرير المصير) والتي تهدف فقط لنشر الهيمنة الأمريكية عبر العالم، على عكس مصالح الدول الأخرى جميعها.

إن لم تقل تركيا «لا» في وجه مطامع الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى الجميع في العالم، انتظار تغييرات في السلطة التركية، ومجيء سلطة أخرى لتتماشى مع الاتجاه الضروري تركياً.. أي الاتجاه الأوراسي الذي بات خلاصاً للشعب التركي من حالة العنجهية التي قوبل بها خلال سعيه للعضوية الأوروبية، أو إلى علاقات ندية مع الولايات المتحدة. هذا ما يريده الآن الشعب التركي، فهل يسمع المعنيون ذلك، أم أن القطار سيسير دونهم؟

 

كاتب تركي 

آخر تعديل على السبت, 15 تشرين1/أكتوير 2016 14:52