واشنطن في مواجهة هندوراس: بهلوان على حبل مشدود (2 - 2)
عالجنا في الجزء الأول من هذه المقالة بشكل مطول تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية والسيدة كلينتون بخصوص انقلاب الهندوراس، ولم نقل شيئاً عن الرئيس أوباما. لكن من الصعوبة بمكانٍ تجنّب الموضوع حين نلاحظ أنّ السيد أوباما قد أبعد نفسه إلى حدٍّ كبير عن مركز هذه القضية، فمنذ بداية الأزمة في 28 حزيران وحتى كتابة هذه السطور، لم يصدر عن الرئيس أوباما وسكرتيره الصحفي إلا ستة تعليقات..
أوباما ضحية أم شريك؟
في التاسع والعشرين من حزيران، وفي لقاءٍ صحفي في البيت الأبيض مع رئيس كولومبيا السيد «أوريبه»، أعلن أوباما: «نعتقد أنّ الانقلاب في الهندوراس ليس شرعياً، وأنّ الرئيس زيلايا لا يزال رئيساً للبلاد، رئيساً منتخباً ديمقراطياً. في هذا الصدد، ننضمّ لجميع بلدان المنطقة، ومن ضمنها كولومبيا ومنظمة الدول الأمريكية».
وأيضاً، في التاسع والعشرين من حزيران، أدى روبرت غييز، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، دوره أمام المراسلين، وفي رده على سؤال: هل تنظر الإدارة في سحب سفيرها مثلما قررت حكومات أمريكا اللاتينية اليسارية أن تفعل، أو حتى في تعليق مساعدتها؟ أجاب السيد غيبز: حسناً، ومجدداً، أعتقد أنّ بعض ذلك سيأتي لاحقاً ـ في إطار خطواتٍ لاحقة لتقييم هذا الوضع. لكن حالياً، أفضّل عدم تقديم توضيحاتٍ كثيرة.
تأسيساً على ما سبق، هل هنالك اختلافٌ عن الأداء البهلواني لوزارة الخارجية؟
لا يبدو أنّ هنالك فارقاً كبيراً.. وفي حين بدت وزارة الخارجية تتابع على نحو متزايد مناقشة سيناريو غائمٍ ومتردد بصدد عودة الرئيس زيلايا، أبدى الرئيس أوباما ملاحظةً حول هندوراس في إجابته على أسئلةٍ طرحت عليه في موسكو خلال زيارته لروسيا: «أمريكا تؤيد منذ الآن عودة رئيس هندوراس المنتخب ديمقراطياً، بالرغم من معارضته الشديدة لسياسات الولايات المتحدة».
آخذين بالاعتبار تصريح أوباما المذكور آنفاً، يظهر فعلياً على السطح خلافٌ، إن لم يكن نزاعاً بين الرئيس أوباما من جانب ووزارة الخارجية من جانبٍ آخر. والحال أنّ وزارة الخارجية (كما شاهدنا سابقاً وفي مناسباتٍ عدة وآخرها فقرة ميشيليتي في صحيفة وول ستريت) ترتبط بصفاقةٍ بالجيش وقوى اليمين في حقبة بوش.
في السابع من آب أعلن أوباما أنّه لا يزال يساند عودة زيلايا إلى السلطة. مع ذلك، وباستخدام موهبته الخطابية، لمّح أوباما إلى الشروط الراهنة فأكّد أنّه لا يستطيع إعادة زيلايا إلى السلطة بالضغط على مفتاح. فهل يريد القول إنّه يعاني من ضغوطٍ كبيرةٍ من يمين الولايات المتحدة وطغم أمريكا اللاتينية؟ وأن وزارة الخارجية قوية بحيث تمنع تحركه، أم أنّ أوباما يستخدم ببساطةٍ صوراً وكلماتٍ مختلفة لدعم سياسات وزارة الخارجية في التأجيل، وبالتالي تمكين حكومة الأمر الواقع؟
لننظر إلى ملاحظات أوباما حول «مفارقة» كون أولئك الذين يعارضون عادةً تدخل الولايات المتحدة يطالبون به الآن. على أراضي هندوراس قاعدة عسكريةٌ كبيرة، تموّلها الولايات المتحدة ومزودة بقواتٍ مسلحة مجهزة بمعداتٍ أمريكية. إنّ قرار إغلاق القاعدة بالكامل والسحب الفوري لجنود الولايات المتحدة والتجهيزات العسكرية وإيقاف التدريب كلياً، لا يعني إطلاقاً تدخلاً في شؤون هندوراس الداخلية. فالقواعد العسكرية، سواءٌ في هندوراس أو في كولومبيا أو في مناطق أخرى، هي مجرد امتدادٍ للقدرة العسكرية الأمريكية في بلدانٍ أخرى.
في سياقٍ آخر وفي شروطٍ تاريخيةٍ وقانونيةٍ مختلفة، من كان ليشتكي من تدخلٍ أجنبي في شؤون كوبا إن قامت الولايات المتحدة بإغلاق قاعدة غوانتانامو والانسحاب الكامل منها وإعادة قطعة الأرض الكوبية تلك إلى الشعب الكوبي؟ من كان ليشتكي من تدخلٍ أجنبي (باستثناء ميشيليتي) إن قرر أوباما اليوم بوصفه رئيساً سحب سفير الولايات المتحدة في هندوراس وقطع العلاقات الدبلوماسية إلى حين عودة زيلايا؟ هذا هو المفتاح الذي بوسع الرئيس الضغط عليه.
مراوغة مستمرة وتنسيق عال
في العاشر من آب، في اجتماع قمة زعماء أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك)، ذُكر أنّ أوباما أعلن:
«المنتقدون أنفسهم الذين قالوا إنّ الولايات المتحدة لا تتدخل إلى حدٍّ كافٍ في هندوراس هم أنفسهم من قالوا إننا نتدخل دائماً في أمريكا اللاتينية وإنه يجب إخراج اليانكي من المنطقة... إذا كان أولئك المنتقدون يظنون أنه من الملائم أن نقوم بعملٍ مفاجئٍ سيعدّونه في أي سياقٍ آخر غير ملائم. أعتقد أنّ الأمر يشير ربما إلى شيءٍ من النفاق في مقاربتهم لعلاقات الولايات المتحدة بأمريكا اللاتينية».
إليكم جزءاً من البيان الرسمي المشترك الصادر عن الزعماء الثلاثة حول مسألة هندوراس:
«.. ناقشنا باستفاضةٍ الانقلاب في هندوراس، ونؤكد مجدداً تأييدنا لإعلان سان خوزيه وللجهد المتواصل الذي تقوم به منظمة الدول الأمريكية لإيجاد حلٍّ سلمي للأزمة السياسية ـ حلٍّ يعيد الحكم الديمقراطي وحكم القانون، ويحترم حقوق مواطني هندوراس كافةً».. فما الذي يكشفه لنا ذلك بصدد أوباما؟ لكن أولاً، ما هو الرابط الدستوري والقانوني بين رئيس الولايات المتحدة وجيشها ووزارة خارجيتها؟ هذا ما يشير إليه موقع البيت الأبيض:
«سلطة الهيئة التنفيذية من اختصاص رئيس الولايات المتحدة، الذي يمثّل أيضاً رأس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة.. [...] تلعب وزارة الخارجية دوراً قيادياً في تطوير سياسة الرئيس الخارجية وتنفيذها. وتتمثل مسؤولياتها الرئيسية في تمثيل الولايات المتحدة في الخارج وتقديم المساعدة الخارجية وبرامج التدريب العسكري الخارجية».
أما دستور الولايات المتحدة الأمريكية في مادته الثانية ـ القسم الثاني:فينص:
«يكون الرئيس قائداً عاماً لجيش وأسطول الولايات المتحدة»..
في التاسع والعشرين من حزيران 2009، كتب المحلل السياسي تييري ميسان تحت عنوان: «قيادة الجنوب تستولي على السلطة في بلدٍ عضوٍ في الألبا»..
«.. تقوم الولايات المتحدة بتجهيز وتدريب وتأطير جيش هندوراس الصغير كلياً. صحيحٌ أنّ هذا الجيش يمتثل لأوامر قائده رئيس الجمهورية، ثم لرئيس أركانه. لكنه في الممارسة، يخضع لسيطرة قيادة الجنوب من سوتو كانو ومن ميامي. يوم الثلاثاء (25 حزيران 2009)، عيّن البنتاغون على عجلٍ قائداً جديداً لقيادة الجنوب هو الجنرال دوغلاس فريزر لمتابعة الانقلاب..
يقع مقر قيادة الجنوب في ميامي، لكنه يمتلك أيضاً مقراً في سوتو كونو (هندوراس) ومواقع أمامية في كومالابا (السلفادور) ومانتا (الإكوادور) وفي جزيرتي أروبا وكوراساو (الأنتيل الهولندية)».
هكذا، على الرئيس أوباما أن يتحمل مسؤولياته. هل يترك وزارة الخارجية لتقوم بالعمل القذر نيابةً عنه في حين يبقي نفسه بعيداً نسيباً، محاولاً بيأس التمسّك بصورة «تغييرٍ» يميّز إدارته؟ صحيفة إل هيرالدو المؤيدة للانقلاب في هندوراس، كما ذكر آنفاً، لاحظت في 19 كانون الثاني 2009 أنّ اليمين المتطرف في هندوراس وأمريكا الجنوبية والولايات المتحدة يواصل الضغط: «يعلم [أوباما] أنه لا يملك الحق في تخييب آمال مناصريه... «يبدو أنّ أوباما يتنازعه من جانبٍ (أنصاره)، أي جمهور ناخبيه وقسمٌ من الدوائر الحاكمة التي أيّدت إيصاله إلى الرئاسة، ومن جانبٍ آخر دعواته الانتخابية للتغيير والتي يمكن أن تفسّر بوصفها نواياه الحسنة. هل سينضم لعرض السيرك البهلواني؟ هل أصبح جزءاً من العرض؟
إسرائيل في هندوراس!
كانت إل هيرالدو محقّةً حين لاحظت منذ ستة شهورٍ بالضبط التناقض بين أقوال أوباما وأفعاله، وكيف أنّه يتوجب على اليمين أن يناور في هذه الحالة. أظهرت استطلاعات الرأي أنّ أوباما يخسر كثيرين من «أنصاره».
في الثاني والعشرين من تموز، كان عنوان نتائج استطلاع إي بي ـ جي إف كي: «الآمال الكبيرة المتصلة بأوباما تتلاشى في الواقع».. وفي النص نفسه: «كم كان ذلك سريعاً. الأمل والتفاؤل اللذان غمرا البلاد في الشهور الأولى لرئاسة باراك أوباما أخليا الدرب للوقائع القاسية [...]؛ الثقة بسحب القوات من العراق وزيادة احترام الولايات المتحدة في أنحاء العالم، في انخفاضٍ بمعدل 15 نقطة»..
في السادس من آب، أجرت شبكة سي إن إن الإخبارية استطلاعاً أظهر أنّ 41 بالمائة فقط من الأمريكيين يحبّذون الحرب في أفغانستان، ما يمثّل انخفاضاً بمعدل 9 نقاط منذ شهر أيار.
هل يدرك أوباما ما يحدث؟ يبدو أنّ جولاته الخارجية في أوروبا وروسيا والقاهرة وإفريقيا قد ملأت رأسه بالأوهام. في 23 تموز، ذكرت صحيفة شيكاغو تريبيون أنّ أوباما كان يزور شيكاغو في ذلك اليوم لحضور حفلتين لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي (15200 دولار للشخص، والهدف جمع 2 مليون دولار في ليلةٍ واحدة). أجاب الرئيس على سؤال صحافيٍّ حول هيبة إدارته في المسرح الدولي. ففي حين كان شعب هندوراس الباسل يواصل حينذاك مواجهة الجيش (الذي تدعمه الولايات المتحدة) للأسبوع الرابع على التوالي، أكّد أوباما أنّ «النزعة المعادية لأمريكا لم تعد دُرجَة»، كما ذكرت الصحيفة.
لم تكن النزعة المعادية لأمريكا يوماً دُرجةً في دوائر الحزب الديمقراطي العليا. ربما يجد أوباما، أو يريد الاعتقاد أنّه وجد، حلفاء على مستوى العالم، لكن اسألوا شعب هندوراس عن رأيه الذي أعلنه صراحةً في وجه أوباما «لدينا نحن أيضاً حلمنا!». اسألوا شعوب أمريكا الجنوبية، اسألوا الغالبية العظمى من حكومات أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي عن رأيها في هيمنة الولايات المتحدة، وتدخلها وسيطرتها على أمريكا التي تخصهم؟ تتواصل الأزمة في هندوراس، لكن يبدو أنّ واشنطن، أو على الأقل فئاتٍ بعينها من طغمة اليمين الحاكمة، تواصل سياساتٍ تستثير «النزعة المضادة لأمريكا». وعلى سبيل المثال، في الرابع من آب، ذكر صحافي سويدي مقيمٌ في أمريكا الجنوبية أنه وفقاً لناشطي حقوق الإنسان في هندوراس، فإنّ قواتٍ خاصة إسرائيلية تقوم الآن بتدريب جيش هندوراس ورجال الشرطة فيها على أعمال القمع.
يذكّرنا هذا الوضع بالدور الذي تجيده إسرائيل على أكمل وجه: الجمع بين محادثات السلام والحوار وغصن الزيتون من جانب، وبين استخدام السيف في أبشع أشكاله وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين من جانبٍ آخر. لذلك، وحين يمدّ أحدٌ غصن زيتونٍ لحكومات وشعوب أمريكا الجنوبية والكاريبي، فيتوجب عليها توخي الحذر.
ضد فنزيلا وضد صعود اليسار
في الرابع من آب، ذُكر أيضاً أنّ واشنطن وكولومبيا توصلتا إلى اتفاقيةٍ لتأسيس سبع قواعد عسكرية في كولومبيا. تمّ التحضير لذلك منذ بعض الوقت. إذا ربطنا الحدثين، الانقلاب العسكري في هندوراس والقرار الكولومبي الأخير بتقديم قواعد عسكرية، ندرك أنّهما يشكّلان عدواناً جديداً على الهيبة المتصاعدة لكوبا وفنزويلا وبقية البلدان الأعضاء في الألبا (والتي انضمت إليها هندوراس في عهد زيلايا)، وكذلك لباقي بلدان وغالبية حكومات أمريكا اللاتينية والكاريبي.
تبذل دوائر الولايات المتحدة الحاكمة كلّ ما في وسعها لإلحاق الهزيمة بالانتفاضة الشعبية في هندوراس، ومن بين الوسائل التي تستخدمها، الإرهاب الإعلامي. وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة مثل سي إن إن، توفّر بدورها بالتنسيق مع وزارة الخارجية كل الأعذار للانقلاب، سواءٌ على نحوٍ مباشرٍ أم غير مباشر. تساهم سي إن إن بعدم ذكر كلمةٍ واحدةٍ عن مقاومة شعب هندوراس للقمع العنيف، في محاولةٍ لإضعاف معنوياته. تحاول هذه الشبكة أن تعطي لسكان هندوراس انطباعاً بأنّ العالم لا يعرف شيئاً عمّا يحدث في بلادهم. هكذا تستطيع الولايات المتحدة، بسهولةٍ أكبر، مواصلة سياستها في هندوراس بل وقمع الشعب على نحوٍ أشد. حالات الصمت الإعلامي عديدة. ففي الخامس من آب، على سبيل المثال، غطّى العديد من وكالات الأنباء (وكالة الأنباء الفرنسية نموذجاً) مظاهرةً شارك فيها أكثر من ثلاثة آلاف طالب تنديداً بالانقلاب في الجامعة الوطنية المستقلة في هندوراس، تيغوسيغالبا، والقمع الذي واجهها.
مع ذلك، لم تنقل سي إن إن شيئاً عن هندوراس في تلك الفترة، وكان تقريرها الوحيد حول أمريكا الجنوبية يتعلق بانتقاد شافيز رئيس فنزويلا لاتهامات كولومبيا له بأنّه يزوّد عناصر فارك المتمردة بالأسلحة. انتهت المقالة بتضليلٍ إعلاميٍّ حول هذه المسألة.
«في العاشر من آب، أعلن أكثر من 10 آلاف مؤيد لرئيس هندوراس المخلوع مانويل زيلايا معارضتهم لحكومة الأمر الواقع، وحذّروا من أنهم سيعمّقون احتجاجاتهم على الانقلاب ومن أجل عودة الرئيس [...]. كانت تلك أكبر مظاهرةٍ تطالب بعودة زيلايا منذ 5 تموز قرب مطار تونكونتين في تيغوسيغالبا، حين حاول الرئيس المخلوع الهبوط بطائرةٍ فنزويلية؛ لكن حكومة الأمر الواقع منعت هبوط الطائرة بنصب عوائق فوق مدرج المطار. تعززت المسيرة بوصول حشودٍ من مناطق البلاد الشمالية والشرقية وطابورٍ جاء من الجنوب. آخرون مضوا نحو سان بيدرو سولا»..
أما شبكة سي إن إن، فلم تقل شيئاً.
صاحب الكلمة الأخيرة
شعوب العالم، من وجهة نظري، عليها أن تواصل أيضاً الضغط على أوباما وإدارته. حين يرى نتائج الاستطلاعات، لابدّ أن يدرك ما يجري. إذا أثّرت قضية هندوراس عكسياً عليه، كما هو مرجح، وغذّت «النزعة المعادية لأمريكا»، فكيف ستبدو سياسته الخارجية بالنسبة لسكان الولايات المتحدة ـ وحتى لأولئك الذين دفعوا 15200 دولار لقاء وجبةٍ لجمع التبرعات؟ لم يستثمر الأخيرون هذه الأموال لافتتاح حقبةٍ أخرى تشبه حقبة بوش تنتشر فيها المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم. لكن ينبغي أن يفكّر أوباما أيضاً في الانتخابات الرئاسية التالية في العام 2012 التي يبدو أنه يسعى منذ الآن لملء صناديق اقتراعها. ألا يريد أن تكون الطغمة اليمينية إلى جانبه أيضاً بهدف ضمان فوزه في العام 2012؟
يبدو أنّ دوامة سياسات الولايات المتحدة ستدفع أوباما حتماً إلى لعب دور البهلوان. أتمنى ألا يكون الوضع كذلك. فقد صمم شعب هندوراس وشعوب أمريكا الجنوبية وحكوماتها على دفعه لاتخاذ موقف. بأية وسيلة؟ هاكم بعض ما يمكن أن يفعله أوباما: اتخاذ إجراءاتٍ حاسمة وفرض عقوباتٍ على النظام المختبئ خلف الانقلاب (ليس عروضاً من قبيل إلغاء تأشيرات أعضاء نظام الأمر الواقع). مساندة الرئيس زيلايا في عودته إلى منصبه على نحوٍ ملموسٍ وغير مشروط. يجب على أوباما أيضاً، بوصفه محامياً، أن يكون قادراً على التعامل مع بيروقراطية حكومة الولايات المتحدة (إن كانت تلك هي المشكلة، وأنا أشك في ذلك)، التي لم تستطع أن تقرر بعد ستة أسابيع من الانقلاب كيفية تصنيفه قانونياً!
يثير تطور الوضع السياسي للإدارة الأمريكية الجديدة أسئلةً حول نموذج الولايات المتحدة الديمقراطي والانتخابي وكيفية عمله في الولايات المتحدة. يعطي هذا البلد نظرياً (من خلال الدبلوماسية والقوة العسكرية) دروساً لشعوب العالم. إن تبيّن أنّ ذلك يمثّل تغييراً لا يمكن للناس أن يصدّقوه، فربما يتساءل البعض عن معنى الديمقراطية والانتخابات في الولايات المتحدة. يتوجب على أوباما أن يقبل فكرة الاحترام المتبادل بين مختلف البلدان وتجاه أنظمتها السياسية.
أوباما وكلينتون وإدارتهما بمجملها على وشك الخضوع للمحاكمة. «.. شعب هندوراس هو صاحب الكلمة الأخيرة»، كما تنبأ فيدل كاسترو في 21 تموز وسط أكثر الحالات التي تواجه الشعب تعقيداً: وساطة أرياس المدعومة من الولايات المتحدة، تتزامن متحدةً مع قمع الشرطة والجيش للمقاومة.
بينما الوضع يتطور، تثبت نبوءة فيدل كاسترو (وثقته بالشعب) صحتها. في الواقع، يبدو أنه لا يمكن منعها من التحقق، على الرغم من التقلبات. أحد قادة المقاومة في هندوراس نائب في الكونغرس الهندوراسي، أبدى أعمق ملاحظةٍ لمراسل برينسا لاتينا رايموندو لوبيز الذي يواصل بشجاعةٍ ودون كللٍ أو ملل متابعته من أرض هندوراس المحتلة عسكرياً. في 18 تموز أبلغ الناشط الهندوراسي سيزار لام المراسل في مقابلة أجراها معه: «هنالك هندوراس قبل الانقلاب، وهندوراس أخرى بعد الانقلاب».
يعكس هذا التصريح حركة مقاومة مجمل القوى السياسية والاجتماعية في هندوراس.
حتى أكثر البهلوانات خبرةً قد تهتز به الأرض بعزيمة إرادة الشعب في التغيير. هكذا سيكون من الأفضل للرئيس أوباما أن يتخذ موقفاً يحابي العدالة.
* أرنولد أوغست: محاضر وصحافي وكاتب مقيم في مونريال ومختص في الشؤون الكوبية.