مشاريع خليفة بوش الجمهوري «جون ماكين»: لا لروسيا.. لا لفنزويلا.. نعم لاستمرار احتلال العراق!
إنّ انتصارات السيناتور جون ماكين يوم 12 شباط في مدينة واشنطن وولايتي فرجينيا وميريلاند تضمن تقريباً أن يكون مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية يوم الرابع من تشرين الثاني القادم. لكنه ما يزال يصطدم بعداء العديد من المحافظين. غير أنّ هذه المعارضة لم تعد تمثل على ما يبدو خطراً كبيراً بالنسبة له، كما أنها لا تعني أنّ سيناتور أريزونا تقدمي. ولا حتى وسطي...
يدين السيد ماكين بجزءٍ كبير من نجاحاته إلى دعم ناخبين مستقلين أو جمهوريين معتدلين (1). فقد اتخذ سيناتور أريزونا مواقف تقطع مع تصلب حزبه حول مسألة التمويل السياسي (استفاد السيد ماكين من رشاوى قدمتها له صناديق ادخار في الثمانينات، وأصبح صلباً مذاك)، وإعادة العلاقات الطبيعية مع فيتنام، وإدانة التعذيب، ورفض خفض الضرائب الذي قرره الرئيس جورج دبليو بوش في مطلع ولايته، ولم يترافق بخفضٍ مقابلٍ للنفقات العامة. والأهم أنه عارض المغالين في حزبه بصدد ملف الهجرة وملف فرض «القيم التقليدية» لليمين الديني على الأمريكيين كافة.
لكنّ السيد ماكين لا يغار من أكثر «الصقور» هلوسةً في مجال السياسة الخارجية. والواقع أنّ السيدين رودولف جيولياني وميت رومني، وكذلك عدداً من المثقفين المحافظين الجدد قد عرضوا هذا المجال «الدبلوماسي» لتبرير دعمهم لسيناتور أريزونا. فلأنّ السيد ماكين يقدم نفسه بوصفه بشيراً لـ«أمةٍ يهودية مسيحية» في مواجهة «الإسلام الفاشي»، وينوي «الانتصار» في العراق، «الجبهة المركزية في الحرب على الإرهاب»، مقدّراً ثمن ذلك عند الضرورة، فإنه يبدو متقدماً على السيدة هيلاري كلنتون والسيد باراك أوباما.
في نصٍ نشرته في تشرين الثاني الماضي مجلة فورن أفيرز، تحدث المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية عن تفاصيل مشاريعه الدبلوماسية. تتضمن هذه المشاريع على قاعدة الليبرالية التجارية المستمرة، مواصلة الحرب في العراق، مع زيادة القوات الأمريكية المعززة؛ وزيادةً في النفقات العسكرية؛ وتشدداً واضحاً في العلاقات مع روسيا (وإبعادها من الآن فصاعداً عن اجتماعات الثماني الكبار)؛ وتأسيس «رابطة للديمقراطيات» مدعوة لتحل محل الأمم المتحدة في كل مرة ترغب فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها التدخل دون أن تعيق نفسها بإرغامات شرعة الأمم المتحدة؛ وأخيراً، مقاربة أكثر قتاليةً للعلاقات مع الصين والدول المعاندة في أمريكا اللاتينية، ولاسيما فنزويلا.
إذا ما تم انتخاب السيد ماكين ـ وإذا فرض إرادته على دول العالم الأخرى ـ، يكون أمام الإمبراطورية الأمريكية أيام جميلة. فالولايات المتحدة تعزز قدراتها العسكرية، الساحقة أصلاً، وتنزعج حين تتجرأ أمم أخرى، غير حليفة لها، على أن تقوم بما هو أقل بكثير مما تقوم به؛ سوف تستخدم التجارة كسلاحٍ دبلوماسي لكنها ستمنع أية دولةٍ أخرى من التصرف بالمثل... ليس هنالك ما يفاجئ بالتالي في أن يوضّح المرشح الجمهوري قائلاً: «نظراً للأخطار الحالية، ليس بوسع بلدنا أن يسمح لنفسه بالانفعال والانحراف والوجل الذي أعقب حرب فيتنام. يجب أن يكون الرئيس القادم مستعداً لقيادة أمريكا والعالم إلى النصر (2)».
كيف ينوي سيناتور أريزونا التصرف إذا ما أصبح يوم العشرين من كانون الثاني 2009 رئيساً للولايات المتحدة؟
- إعادة التسلح: «قواتنا المسلحة مبعثرة أكثر مما ينبغي وعددها أقل مما ينبغي. سوف آمر بزيادة عدد جنود الجيوش البرية والبحرية من 750 ألفاً إلى 900 ألف. [...] نستطيع إنفاق المزيد من الأموال على أمننا: نحن نكرس له أقل من 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا مبلغٌ أقل بكثير مما كنا ننفقه أيام الحرب الباردة (3)».
- العراق: «لقد أظهرت سنوات الإخفاق الأخيرة في العراق أنّه لم يكن يتوجب على أمريكا شن الحرب إلا بعددٍ كافٍ من الجنود وخططٍ واقعية للانتصار. لكن الحال لم تكن كذلك، ودفع بلدنا والشعب العراقي الثمن. توجب انتظار أربع سنوات كي تتبنى الولايات المتحدة، بفضل مزيدٍ من الجنود، استراتيجيةً مضادة للتمرد تقدم لنا فرصةً واقعيةً للنجاح. علينا أن ننتصر. ستكون عواقب الفشل مريعة: هزيمة ذات مدىً تاريخي ستدفع المتطرفين الإسلاميين إلى أن يعتقدوا بأنّ العالم ملكٌ لهم وبأنّ كلّ شيءٍ ممكن بعد أن هزموا الاتحاد السوفييتي في أفغانستان والولايات المتحدة في العراق؛ ستتحول دولةٌ إلى مرفأ إرهابي في قلب الشرق الأوسط؛ ويمكن أن تؤدي حربٌ أهلية إلى نزاعٍ إقليمي، لا بل إلى إبادة جماعية؛ ستعتقد إيران بأنها مدعوة للسيطرة على العراق والمنطقة».
- إيران: «تواصل إيران، العراب الرئيسي للإرهاب، محاولاتها للحصول على أسلحة نووية ووسائل استخدامها. إذا ما حصلت إيران على ترسانة نووية، ستكون أكثر قابليةً لأن تشجع وتنظم اعتداءاتٍ إرهابية ضد أي عدو أو بلدٍ تعتبره كذلك، بما في ذلك الولايات المتحدة، وتوفير أسلحة نووية لشبكتها من الزبائن الإرهابيين. سيتوجب على الرئيس المقبل مواجهة هذا التهديد مواجهةً مباشرة، بدءاً باعتماد عقوباتٍ اقتصادية وسياسية أكثر تشدداً. وإذا ما أظهرت الأمم المتحدة استعداداً ضعيفاً للفعل، فعلى الولايات المتحدة والبلدان التي تشاطرنا مخاوفنا فرض عقوباتٍ تجارية، على سبيل المثال على تصدير النفط المكرر. [...] العمل العسكري ليس خيارنا المفضل، لكن ينبغي عدم استبعاده».
- «رابطة الديمقراطيات»: «بدأ حلف شمال الأطلسي الترويج لشراكات بين التحالف وبين الديمقراطيات الكبرى في آسيا، وكذلك في أماكن أخرى. علينا المضي أبعد من ذلك عبر جمع الأمم الديمقراطية كافة في منظمة مشتركة: رابطة الديمقراطيات. ستتمكن هذه الرابطة من الفعل حين لا تقوم الأمم المتحدة بذلك: تخفيف المعاناة البشرية في دارفور (4)، مكافحة الإيدز جنوبي الصحراء الكبرى، استراتيجيات أفضل لتطويق الأزمات المرتبطة بالبيئة، نفاذٌ أكثر سهولةً إلى الأسواق بالنسبة للبلدان التي تقبل الحريات الاقتصادية والسياسية». كما ذكر السيناتور ماكين فرضية تدخل هذه الرابطة (التي سيستدعي أعضاءها إلى قمة في العام الذي تبدأ فيه ولايته) في زمبابواي وبورما (ضد الأنظمة القائمة) وصربيا وأوكرانيا (كمساندة لـ«الديمقراطيات المتعثرة»).
- روسيا: «منذ خمسة عشر عاماً، أطاح الشعب الروسي بالاستبداد الشيوعي وبدا مصمماً على بناء ديمقراطية وسوق والانضمام للغرب. اليوم، نرى أنّ الحريات السياسية مهددة، وأنّ الزعامة [الروسية] يسيطر عليها عناصر قدماء من الأجهزة السرية، وأنّ محاولات إخافة الحلفاء السابقين، مثل جورجيا، تتزايد، وكذلك التلاعب باعتماد أوروبا على روسيا في النفط والغاز. في مواجهة روسيا انتقامية، يتوجب على الغرب تبني مقاربة مشتركة. علينا البدء عبر اتخاذ قرار بأن تعود مجموعة البلدان الثمانية الأكثر تصنيعاً لتكون مجموعة ديمقراطيات السوق. وهذا يعني أن تنضم إليها البرازيل والهند ـ وتستبعد منها روسيا».
- الصين: «ليس حتمياً أن تكون الصين والولايات المتحدة خصمين. [...] حين تبني الصين غواصاتٍ وطائرات مقاتلة جديدة وتحدث ترسانتها الباليستية وتختبر أسلحةً مضادة للأقمار الصناعية، فمن حقنا التساؤل حول معنى هذه التصرفات التحريضية».
- فنزويلا: «علينا الوقوف في وجه دعاية الديماغوجيين الذين يهددون أمن الأمريكيتين وازدهارهما. لقد عمل هوغو شافيز على تفكيك الديمقراطية عبر إضعاف البرلمان والمحاكم ووسائل الإعلام والنقابات الحرة والشركات الخاصة، ويحصل نظامه على أسلحة متطورة. وهو يحاول بناء محور مضاد لأمريكا. ستعمل إدارتي على إعاقة نفوذ ضار كهذا».
والحملة ما تزال في بدايتها...
هوامش
(1) في الولايات المتحدة، حين يسجل ناخب على القوائم الانتخابية، يشير إلى الحزب الذي يفضله ـ ديمقراطي، جمهوري، مستقل، غيره ـ، وهذا يحدد في عددٍ من الولايات الانتخابات الأولية التي يمكن أن يشارك فيها: لا يمكن عموماً لناخبٍ سجل نفسه كديمقراطي (كل ولاية تحدد قواعدها الخاصة) التصويت في الانتخابات الأولية الجمهورية. لكن كثيراً ما يستطيع ناخب «مستقل» (وهم في هذه الحالة أكثر من أربعين مليون ناخب) أن يختار التصويت في الانتخابات الأولية الجمهورية أو في الانتخابات الأولية الديمقراطية (هذه هي الحال على سبيل المثال في نيوجرسي، لكن ليس في نيويورك، حيث تقتصر الانتخابات الأولية الديمقراطية على الديمقراطيين). حتى الآن، معظم الناخبين «المستقلين» الذين صوتوا في الانتخابات الأولية الديمقراطية اختاروا السيد باراك أوباما؛ أما المستقلون الذين صوتوا في الانتخابات الأولية الجمهورية، فقد اختار معظمهم السيد ماكين.
(2) جون ماكين، «An Enduring Peace Built on Freedom»، فورن أفيرز، تشرين الثاني ـ كانون الأول 2007. الاستشهادات التالية مستقاة من النص نفسه.
(3) تنص آخر ميزانية اقترحتها إدارة بوش في كانون الثاني 2008 على زيادةٍ في النفقات العسكرية، بحيث تبلغ 515 مليار دولار في العام الضريبي 2008 (من الأول من تشرين الأول 2007 إلى 30 أيلول 2008) و585 مليار دولار في العام الضريبي 2009، أي 4.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
(4) في حالة دارفور، «تتطلب الإبادة الجماعية القيادةَ الأمريكية. ستنظر إدارتي في استخدام كل أدوات القوة الأمريكية لوضع حدٍ لأفعال التدمير غير المقبولة الجارية».