كتاب «انهيار الرأسمالية» منظرو الرأسمالية يعترفون بقرب حدوث الانهيار

صدر ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية أوائل العام الحالي 2010 كتاب «انهيار الرأسمالية» للمؤلف «أولريش شيفر».. يتألف الكتاب الذي ترجمه إلى العربية د.عدنان عباس علي، من اثني عشر فصلاً في 464 صفحة، ويتضمن توثيقاً مستفيضاً وقيماً لأبرز الأحداث والأفكار والوقائع الاقتصادية المعاصرة الجارية عالمياً، متخذاً من ألمانيا والولايات المتحدة نموذجين، وصولاً إلى الأزمة الراهنة التي تعصف بالرأسمالية، والتي أعادت الاعتبار للماركسية كفكر «معاد» حيث أعيدت طباعة معظم كتب ماركس مع اندلاع الأزمة المالية العالمية، وازداد الإقبال على قراءتها، ليصل إلى قناعة راسخة أن النظام الرأسمالي العالمي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.

على شفير الهاوية

يبدأ الكاتب الغوص في بحثه بإيراد خلاصة استنتجها متأخراً الاقتصادي جوزيف شتيغليتس الحاصل على جائزة نوبل: «لقد علمتنا أزمة الكساد الكبير أن السوق غير قادرة على تسوية الأمر.. هذه الحقيقة مضى عليها ثمانون عاماً، ولكن ثبت أنه ليس من السهل طمسها».. ثم يؤكد صاحب البحث أن «اللامساواة تفاقمت في بلادنا بشكل مفزع، إذ كان عدد أبناء «الطبقة الوسطى» عام 2000 يبلغ 49 مليون مواطن، فتراجع بعد سبع سنوات بمقدار 5 ملايين مواطن. واليوم ينشر الفزع من التدهور والانحطاط ظلاله في كل البلدان الصناعية، وباتت أكثرية المواطنين تطالب بضرورة زيادة الضرائب على الأغنياء وخفضها على أصحاب الدخول المنخفضة.

وكمثالين ليس إلا، نبين أن القوة الشرائية المتاحة عام 2008 للجمهور العريض في ألمانيا تراجعت عما كانت عليه في مطلع التسعينيات. وفي الولايات المتحدة الأمريكية كانت النسبة القائمة بين دخل الفرد الواحد من رؤساء الشركات الأمريكية ودخل العامل العادي في مطلع الثمانينيات تبلغ 40 إلى 1، فأصبحت 400 إلى 1 في نهاية التسعينيات. إن دخول الثلاثة عشر ألف عائلة- التي تدخل في عداد أغنى العائلات – تساوي مجموع الدخول التي يحصل عليها 20 مليون أسرة فقيرة، مع العلم أن 2،7 مليار من سكان المعمورة مجبرون على العيش بأقل من دولار أمريكي واحد في اليوم.

بلغت قيمة الثروة التي يملكها 1125 مليارديراًَ في العالم 4400 مليار دولار أمريكي عام 2008، وتساوي هذه الثروة مجموع دخول ثلاثة مليارات مواطن تقريباً، وهنالك تفاوت كبير في فرص التعليم، لأن الدولة الرأسمالية تبخل في إنفاق المال على أهم مورد مستقبلي، وهو تعليم مواطنيها.

منظرو الرأسمالية الجديدة

جسد ممثلو مدرسة شيكاغو في الثمانينيات والتسعينيات الصورة الدقيقة لليبرالية الجديدة التي لا ترفض وجود الدولة القوية فقط، بل تطالب بضرورة أن تصبح بلا أهمية أصلاً.

نشأ اقتصاد السوق المطلقة الحرية كحصيلة للسياسات والقرارات المتبناة طوال قرابة خمسة وثلاثين عاماً، دأبت خلالها البرلمانات والحكومات الرأسمالية على تحرير الاقتصاد من كل قيد، حيث تكاتف رجال المال والحكم على فتح أبواب الأسواق على مصاريعها، وتجريد النقابات العمالية من بأسها، وخفض الضرائب على الرساميل، وخصخصة الشركات الحكومية.. وهكذا انسحبت الدولة تدريجياً من التدخل في الاقتصاد تاركة الساحة للسوق وقواها الذاتية.

تولى اقتصاديان يتصفان بنزعة وعقيدة محافظة على نحو شديد، تبيان الاتجاه الذي ينبغي على الحكومات أن تسلكه لتضمن لشعوبها «المزيد من النمو الاقتصادي في الحد من التدخل الحكومي الذي شل اقتصادياتكم الوطنية»، هما «ميلتون فريدمان» الأمريكي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1976، و«فريدريش أوغوست هايك» النمساوي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1974، وقد أزاح الاثنان من الساحة الاقتصادية ليبرالياً بنيت نظريته على الدولة القوية القادرة على توجيه الاقتصاد وهو «جون ماينارد كينز». يقول فريدمان: «ليست السوق العدو الحقيقي، بل دولة الرعاية الاجتماعية.. ينبغي على الدولة أن تفرض ضريبة لا تتعدى 10% أو 15% في أقصى الحالات، فالكنيسة كانت تجبي العشر فقط، وهذه النسب الضريبية تكفي لتمويل الجيش والشرطة  والنظام القضائي والمهمات الحكومية. ولا يحتاج المجتمع إلى مصرف مركزي، فالحاسوب قادر على تزويد الاقتصاد بما يحتاج إليه من سيولة».

«ثورة» تحرير اقتصاد السوق من القيود فرضتها الحكومات على المجتمعات في مطلع السبيعينات، وبدأت في الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، ثم في بريطانيا وبقية أوروبا والاقتصادات النامية.

في 15/8/1971 تدارس رتشارد نيكسون مع مساعديه لأيام الخطوات اللازمة لوقف انهيار الاقتصاد الأمريكي، فالأسعار في ارتفاع مستمر وجماهير العاطلين عن العمل في تزايد دائم، والبورصات تترنح بلا انقطاع، والدولار الأمريكي -العملة التي كانت مفخرة الأمة الأمريكية- أشرفت على الهاوية. تخلى نيكسون عن تعهد الولايات المتحدة الأمريكية عن تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب لغير المقيمين، فقوض أركان نظام الصرف الثابت، ومهد لاندلاع تطور غير ملامح الاقتصاد العالمي في الـ35 سنة التالية، إذ تركت الدولة السوق تعمل بمطلق حريتها، ولم تضع قواعد أو تخلق المؤسسات الضرورية القادرة على فرض رقابة معقولة على عملها. حتى مطلع السبيعينات كانت المشاريع الإنتاجية هي التي تهيمن على الاقتصاد، وكان دور المصارف خدمياً لا غير، ويخضع لرقابة صارمة من الدولة، وحتى معدلات الفائدة ما كان يجوز للمصارف  تحديد مستواها، لكن بعد «صدمة نيكسون» تخلت الدولة عن الرقابة المفروضة على تدفقات رأس المال، وألغت القواعد الصارمة في البورصات.

ازدهار اقتصاد الوهم

نتيجة هذه الانعطافة الكبرى، أصبحت البورصات بالتدرج السريع حلبة يتم التعامل فيها بأكثر من 3 تريليونات دولار أمريكي في اليوم الواحد، أي نحو 90 ضعفاً لحجم التجارة العالمية، وتحولت أسواق المال إلى بؤرة للجشع ومكان لتحقيق الربح بأقصى سرعة، ومنذ السبعينيات انتشر التعامل بما يسمى «المشتقات»، وهي بضائع مالية تشتق قيمتها من التطور الذي يطرأ على قيمة أوراق مالية أخرى، ولم تكن في مطلع نزولها أكثر من معاملات آجلة يتفق فيها طرفان على بيع سهم أو برميل نفط أو طن من القمح بعد بضعة أسابيع بسعر متفق عليه في اليوم الحاضر، ثم ظهرت في الأسواق منذ الثمانينات بضائع مالية أخرى أكثر تعقيداً سميت بـ«المبادلات»، أي الأدوات الجديدة. كما دأبت المصارف على تصدير أوراق مالية مكفولة بقروض عالية المخاطر، ووصلت قيمة المشتقات عام 2007 إلى 592 تريليون دولار، أي أنها بلغت 10 أضعاف قيمة السلع والخدمات التي ينتجها سكان المعمورة، وستة أضعاف القيمة التي كانت المشتقات قد بلغتها قبل 7 أعوام. خلقت هذه «الثورة» عشرات الآلاف من المؤسسات الجديدة الناشطة في أسواق المال مثل صناديق الاستثمار وصناديق المعاشات التقاعدية وصناديق المخاطر. فمثلاً يدير الصندوق الأمريكي المختص بالإشراف على المعاشات التقاعدية الخاصة بالمعلمين وموظفي جهاز الشرطة في كاليفورنيا ثروة تبلغ قيمتها 250 مليار دولار أمريكي. وتستحوذ صناديق المعاشات التقاعدية على أكثر من 50% من أسهم ألف شركة تندرج ضمن كبرى الشركات الأمريكية.. وهكذا تحولت أسواق المال إلى خطر يتهدد الاقتصاد الحقيقي، الاقتصاد الإنتاجي. تحولت إلى ناد للقمار.

وتزامن ذلك مع انعطافات اجتماعية خطيرة، فقد تصدت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا للنقابات العمالية بهدف تجريدها من سلطانها، فعملت على إلغاء الدعم المالي وتقليص مدفوعات الرعاية الاجتماعية وخفض معدلات الفائدة وسعت للانتقام من النقابات العمالية وإذلالها. وفي عام 1979 باعت تاتشر عشرات المشروعات الحكومية مثل مصانع الغاز وشركة الخطوط الجوية البريطانية ومصانع بريتش لاند لإنتاج السيارات ومؤسسة السكك الحديدية والشركة الوطنية للبترول، وأعلنت عزمها على إغلاق 20 منجماً للفحم، فاحتدمت الإضرابات العينفة واعتقل 9000 عامل من المضربين وأصيب 1400 عامل وشرطي بجروح. أصرت تاتشر أن النصر سيكون لرأس المال في كل صراع يحتدم بينه وبين العمال. انخفض التضخم من 18% في مطلع تسلمها حكم البلاد، لكن البلاد عادت إلى كبوتها في نهاية الثمانينيات، وارتفعت الأسعار وتدهورت الصناعة المفخرة التي يعتز بها البريطانيون، وأغلقت مصانع الصلب والحديد أبوابها، وأخذت الصناعة المعدنية تعلن الإفلاس، وعرضت صناعة السيارات والدراجات البخارية للبيع، وتدهورت المدن، وانتشرت البطالة والفقر. 

تفشّي الجنون

مع استمرار هذا الجنون، أمست قيمة بعض شركات الانترنيت بين ليلة وضحاها، أكثر من قيمة بعض الشركات الصناعية العملاقة، رغم أنها كانت غاية في التواضع من حيث الحجم، وبدا وكأن أسواق المال باتت تخلق مليارات ومليارات من اليورو أو الدولار من لا شيء.

شيئاً فشيئاً أصبحت مسيرة الحياة الاقتصادية لا تتحدد من خلال المصانع ذات التاريخ الحافل بالأمجاد، بل من خلال الشركات الفتية المتخذة من مرآب السيارات ورشة للعمل. كان يعمل في شركة «ياهو» 46 مستخدماً عند انطلاقتها، وتحولت بعد 4 أعوام إلى شركة تشغل 1200 مستخدم، وذات قيمة تقدر بـ97 مليار يورو. فجأة صار ملايين الألمان يعتقدون أنه بالإمكان تحقيق الثراء بلا عمل. بدت لهم أسهم الشركات وكأنها ذهب العصر الجديد. حقق «جاك ويلش» رئيس شركة «جنرال الكتريك» أرباحاً ضخمة، وبلغت قيمة شركته المتخصصة في إنتاج مصانع توليد الكهرباء ومحركات الطائرات والتوربينات والمالكة لشبكة التلفزيون NBC إلى أغلى شركة على مستوى العالم، فقد بلغت قيمتها في البورصة 400 مليار دولار أمريكي، وبلغ دخل ويلش السنوي 30 مليون دولار، ما يعادل  700 ضعف دخل العامل في الشركة نفسها. خفض عدد مجالات العمل التي تنشط فيها الشركة من 350 إلى 12 مجالاً، وسرح نصف الـ400 ألف عامل الذي كانوا يعملون في الشركة. وبات ويلش عنوانا لنظرية تكن كل الاحتقار للمشاعر الإنسانية.

اجتاح بلدان الاقتصاديات الناشئة آلاف المستشارين يبشرون باقتصاد السوق المحررة من القيود.. خبراء يعملون لمصلحة منظمات دولية كانوا مصرفيين شباباً واستشاريين من طينة «جفري ساكس» المقيم في شيكاغو أصبحوا هم المنظرين والسادة. قال «جفري ساكس» عن نفسه إنه «اقتصادي مختص بعلاج اقتصاديات دب المرض في أحشائها»، وكانت نصيحته: ينبغي عليكم استقطاب رأس المال الأجنبي، افتحوا أذرعكم للترحيب بالمشروعات الأجنبية بأن تحرروا الأسعار من القيود، وأن تخفضوا معدلات الضرائب، وتضبطوا حالة الموازنة الحكومية، وتمتنعوا عن التدخل في الشأن الاقتصادي. جاء ساكس إلى بولندا فأعد خطة نالت شهرة واسعة من جملتها عدم التدخل في التحولات التي ستطرأ على الأسعار، وجمع تبرعات من العالم الغربي بلغت مليار دولار أمريكي في 1/1/1990 لضمان تسهيل متطلبات الخطة. وبعد بضعة أسابيع ارتفعت الأسعار إلى 5 أضعاف ما كانت عليه في السابق.

ثم تحول ساكس إلى روسيا فاصطفاه يلتسين مستشارا له.. ادعت خطته أنها ستحول ملكية المشروعات من ملكية حكومية إلى ملكية موزعة على الشعب، حيث حصل كل مواطن روسي على سند يخوله شراء حصة في المشروعات الحكومية بقيمة  10 آلاف روبل، لكن الروس لم يحيطوا بمغزى هذا الإجراء، فراحوا يقايضون السندات التي حصلوا عليها بالمواد الغذائية، أو تنازلوا عنها لمصلحة رؤسائهم في العمل، فتمكنت حفنة صغيرة ذات سلطان عظيم في الحكومة، من الاستحواذ على هذه المستندات واستخدامها للاستيلاء على المصانع الحكومية بأبخس الأثمان..

تشكلت شركات صناديق استثمار أشبه بنواد للمقامرة تجمع أموالها من الخواص والمصارف وشركات التأمين للحصول على أعلى معدلات الربح في أقصر زمن، فراحت تستدين من المصارف أموالاً تصل إلى أضعاف الأموال تجمعها من المستثمرين المساهمين، وبهذا النحو تستطيع هذه الصناديق رفع قيمة الأموال التي تغامر بها في كازينو المال العالمية إلى 10 أضعاف، بل إلى 20 ضعفاً مقارنة بحجم الأموال المشاركة في الصندوق المعني. في نهاية الثمانينيات لم يتجاوز عدد نوادي القمار هذه المائة، بيد أنها أصبحت نحو 10 آلاف عام  2008. وكان صندوق «أل تي سي أم» قد فاق كل الصناديق الأخرى من حيث وحشية ما انتهج من أساليب. في عام 1998 استقطب هذا الصندوق ودائع بقيمة 4،7 مليار دولار أمريكي وتحصل على قروض بقيمة 120 مليار دولار أمريكي، واستثمر هذه المبالغ الهائلة في أدوات مالية ليست عالية المخاطر فقط، بل وتتعلق بها من ناحية أخرى أوراق مالية تصل قيمتها إلى 1،5 تريليون دولار أمريكي. إنه كان أكبر صندوق مخاطر في العالم. وقد دفعهم جشعهم إلى المضاربة إلى أقصى حد، فورطوا أنفسهم في صفقات لا يمكن السيطرة على مخاطرها أبدا، فكانت خطرا يهدد دولا برمتها ومصارف مختلفة والنظام المالي العالمي. 

تواطؤ معلن

وهكذا فإن أسواق المال ما عادت لها علاقة بتطور الاقتصاد الحقيقي، أي الاقتصاد الإنتاجي، بل أصبحت تهيمن على الاقتصاد العالمي وتجبر المشاريع على تنفيذ التغيرات التي تفرضها عليها. لقد انهار اقتصاد التكنولوجيا الحديثة قبل أن يرى بزوغ شمس الازدهار المنشود، فكيف حدث ذلك؟. تبرع كينيث لاي بأكثر من 0،55 مليون دولار لتمكين بوش من أن يصبح حاكم ولاية تكساس أولاً، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً. كما تبرع كل من كيبيث لاي ورئيس شركة إنرون بمائة ألف دولار في تكاليف الاحتفالات بتنصيب بوش رئيساً للولايات المتحدة، وبعد عشرة أشهر أفلست شركة إنرون التي كانت قد زورت حساباتها وأعلنت أرباحاً ما كان لها وجود، وأحالت ديوناً مستحقة إلى عالم من نسج الخيال في موازنتها المعلنة رسمياً.. منذ العام 1990 تبرعت هذه الشركة بنحو 6 ملايين من الدولارات الأمريكية.. فقد حصل نصف أعضاء مجلس النواب وثلاثة أرباع مجلس الشيوخ على دعم مالي من الشركة. وقد أسس خبراء الشركة المتخصصون بالتحايل المالي أكثر من 4000 شركة ما كان لها أي وجود في الحسابات الختامية. هنالك نحو 8000 صندوق من صناديق المخاطر من أصل 10000 صندوق مسجلة في جزيرة الكيمن! أما من الناحية العملية لا وجود لصناديق المخاطر هذه في جزر الكيمن، إذ يقتصر وجودها هناك على امتلاك صندوق للبريد. ارتفع حجم المتاجرة بالمشتقات التقليدية، أي حجم المقامرة على معدلات الفائدة ومؤشرات البورصة بين عام 1986 و2004 بنحو 80 ضعفاً، ارتفع من 614 مليار دولار أمريكي إلى 46،6 تريليون دولار أمريكي. خلال بضعة أسابيع بعد هجمات أيلول/2001 تبددت  الثروات المستثمرة في الأسهم بما قيمته 2 تريليون دولار أمريكي، وارتفعت مديونية الحكومة الأمريكية من نحو 3 تريليون إلى أكثر من 6،2 تريليون دولار أمريكي أثناء سنوات حكم  بوش  الثماني. وقد راكم الرئيس الثالث والأربعون ديوناً جديدة بلغت قيمتها مجمل الدين العام الذي تراكم في عهد الواحد والأربعين الذين حكموا البلاد  قبله. وقد برر بوش التزايد الهائل في الدين العام بالكفاح ضد الإرهاب وبالحربين على أفغانستان والعراق.

وما يجري في ألمانيا يكمل الصورة، إذ يمتلك الألمان ثروة مقدارها 5،4 تريليون يورو، ويعادل هذا المبلغ قيمة كل ما ينتجه المجتمع الألماني على مدى عامين. ويستحوذ 10% من السكان على نحو 60% من قيمة هذه الثروة، ويستحوذ 1% من السكان على 20% من هذه الثروة. من ناحية أخرى فواحد من كل ثمانية مواطنين هو في عداد الفقراء، ولولا المساعدات الاجتماعية لكان 25% من المواطنين في عداد الفقراء، إذ انخفض دخل الألماني بالأسعار الحقيقية بنحو 11% بين 1995 و2004، بينما ارتفعت رواتب المدراء بشكل خيالي، فقد حصل مدير صندوق المخاطر جون باولسون على دخل بلغ 3،7 مليار دولار أمريكي.

في الولايات المتحدة الأمريكية استحوذ عام 2005  مثلا 1% من السكان على أكثر من خمس كل الدخول المتحققة، وفيما كانت المعدلات الضريبية التي تصل إلى نحو 70% تتكفل بإعادة توزيع الدخول المفرطة في الارتفاع، تغيرت الحال في الثمانينيات من القرن الماضي، فقد خفض الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان المعدل الضريبي الأقصى إلى 28%، وحرر كثيراً من القطاعات الاقتصادية ومنها المصارف و«وول ستريت» من الضوابط الحكومية.

الانهيار بات وشيكاً

الأزمة الناشئة اليوم ما تزال محصورة في القطاع المالي بشكل يوشك على الانفجار، فماذا سيحدث لو طالت الاقتصاد الحقيقي، أي العيني أيضاً؟ تصر مؤسسات المال العملاقة حتى الآن أن تعيش في عالم من نسج الخيال، تريد أن تستحوذ لنفسها على المليارات من الأرباح، وأن يتكفل المجتمع العالمي بتحمل الخسائر المالية التي تمنى بها.

لكن.. ستلي الأزمة الحالية أزمة أخرى بكل تأكيد.. إن اقتصاد السوق معرض للانهيار والاختفاء من الوجود. 

■  د. نزار عبد الله