الرأسمالية المأزومة تحتاج إلى نزاعٍ عسكريٍّ ضخم 35

غياب القوى الحية في الأمة عن البرلمان

جيوستراتيجيا: ...رغم أنّ الشعب هو الذي انتخب البرلمان؟

جان لوي إزامبير: نعم، لكنّ البرلمانات لم تعد تمثّل حقاً الشعوب في البلدان الغربية وأصبح المنتخَبون الوطنيون أكثر انقطاعاً عن المواطنين. وأنا لا أذكر حتّى حالة مجلس الشيوخ الفرنسي الذي هو عبارةٌ عن مجلسٍ مكْلفٍ لا فائدة منه ينبغي إلغاؤه بهدف تعزيز إمكانات وفعالية مجلس ممثلي الشعب. إن نظرتم في تركيبة المجلس الوطني الفرنسي، ستلاحظون أنّه من أصل 577 نائباً، لا يوجد سوى نائبٍ واحدٍ أتى من الطبقة العمالية، وهو النائب الشيوعي مكسيم غريميتز، وعاملٌ زراعيٌ واحد، هو النائب عن منطقة البيرينيه ـ الأطلسي جان لاسال، وهو تقنيٌّ زراعي. أمّا الحرفيون، "أول شركةٍ في فرنسا" وفق شعارهم، فهو لا يعدّ سوى نائبين! في المقابل، ستجدون اثنين وعشرين ممّن هم  "دون مهنةٍ معلنة"، من بينهم تسعة عشر نائباً من الاتحاد من أجل حركة شعبية، معظمهم أبناء وبنات برجوازيين صغار، خمسة عشر عنصراً سياسياً دائماً، كلّهم من الاتحاد من أجل حركة شعبية والحزب الاشتراكي، يعملون في وظيفة نائب لأنّهم لم يستطيعوا أن يصبحوا أصحاب مهنة ولم يشاركوا يوماً في القوى الحية للأمة، وثمانيةً وثلاثين محامياً، إضافةً إلى 184 موظّفاً من كل الفئات، معظمهم لا يمثّلون الوظيفة الحكومية، باستثناء المعلّمين الذين يمثّلون الجزء الأكبر من تلك الفرقة مع كبار الموظفين. وفي الوقائع، لا يمثّل هذا البرلمان الفرنسي المجتمعَ الفرنسي في تركيبته الاجتماعية المهنية. إنّ القوى الحية، وعلى رأسها الطبقة العاملة، تلك القوى التي تصنع البلاد وتعرف مشكلاتها اليومية ومآسي الحياة غائبةٌ عن المكان الذي يتمّ فيه سن القوانين! أين هم العمال والصيادون والفلاحون والمهندسون والكوادر والتقنيون؟ إنّ أولئك الذين يجعلون فرنسا تحيا ما هو أساسي وسخيٌّ وعبقريٌ خلاّقٌ يفوّضون صوتهم وسلطتهم بالجملة إلى برجوازيين صغار وسياسيين محترفين سرعان ما ينسونهم بعد انتخابهم! فضلاً عن ذلك، لا يسمح نمط التصويت بتمثيلٍ حقيقي للشعب. المجلس الوطني الفرنسي أقلّ ديمقراطيةً بكثيرٍ في تركيبته وعمله من مجلس الدوما في الاتحاد الروسي الذي يتمّ فيه تمثيل كلّ الأحزاب التي نالت حدّاً أدنى من الأصوات. في فرنسا، وفي الدور الأوّل من الانتخابات التشريعية في حزيران 2007، نسب الاتحاد من أجل حركة شعبية لنفسه 98 نائباً بـ10.28 مليون صوت في حين لزم الحزبَ الاشتراكي الحصولُ على 6.43 مليون صوت للحصول على نائبٍ واحد! أمّا الحزب الشيوعي الفرنسي والجبهة الوطنية، فلم يحصلا على أيّ نائبٍ مع حصول كلٍّ منهما على أكثر بقليلٍ من 1.11 مليون صوت! لا يتعلّق الأمر بمعرفة إن كنّا متّفقين أو غير متفقين مع السياسة التي اقترحها هذان الحزبان، بل بإدراك أنّ عالم التصويت لا يسمح بتمثيلٍ عادلٍ للتيارات الفكرية في مجتمعنا. ولم يفعل الدور الثاني من الانتخابات، بتحالفاته الانتهازية والسياسوية، سوى مفاقمة الوضع عبر إقصاء ملايين الناخبين عن خياراتهم وعن تمثيلهم الوطني. وبسبب عدم وجود نسبيةٍ متكاملة، فإن فرنسياً من كل ثلاثةٍ غير ممثَّلٍ في البرلمان.

جيوستراتيجيا: إذا لم يكن هنالك كثيرٌ لننتظره من الأحزاب السياسية والمجالس المنتخبة، فكيف يستطيع المواطنون تعديل مجرى الأمور؟

جان لوي إزامبير: الديمقراطية هي بدايةً ما يصنعه بها المواطنون. هم يستطيعون التدخّل لدى رؤساء البلديات، التي يسهل الوصول إليها أكثر لتغيير المعطى بصدد بعض المشكلات المحلية، لكن أيضاً لدى النواب بصدد مسائل تنتمي إلى فضاء السياسة الوطنية. يستطيع المواطنون تماماً أن يتجمّعوا وينشطوا بصدد أهداف إجراء قطيعةٍ مع النظام ـ على سبيل المثال، رفض أيّ تسريحٍ في الشركات الرابحة، معارضة نقل الشركات، المطالبة ببناء مساكن جديدة، توظيف الأساتذة في المدارس، توظيف عاملين في المستشفيات وهيئات البريد، إلخ. ـ وإرغام مندوبيهم على الانخراط في مطالباتهم، على تقديم كشوف حساباتٍ حول تصويتهم في المجالس، وهو أمرٌ لم يعد يتمّ عملياً. لكن لا يزال ينبغي الاستحواذ على المسائل الأساسية في الانتقال إلى ديمقراطيةٍ سياسيةٍ متقدّمة والتحكّم بكبرى وسائل الإنتاج والتمويل والتبادل. على نحوٍ عامّ، ومن وجهة نظري، لا تزال النضالات الاجتماعية بعيدةً عن محتواها وكفاحيتها لتجابه الهجمات التي يتعرّض لها عالم العمل. لكنّ الأعمال تبقى جوهر المعارك القادمة: هناك ينبغي على العاملين بأجرٍ أن ينشطوا للحصول على حقوقٍ جديدةٍ تسمح لهم بالمشاركة في الإدارة والاستفادة من النتائج الجيدة التي يساهمون فيها. في الوقائع ومثلما يشرح هيرليه سيرييكس في كتابي، (يتعلّق الأمر بالانتقال من ’الموظف ـ الأداة) في خدمة المنظمة إلى ’المنظمة ـ الأداة‘ في خدمة الأشخاص". يتعلّق الأمر بتوجيه منظّمة شركةٍ مكرّسة لإدارة الانقياد إلى منظمةٍ تحفّز الرغبة لدى كلٍّ من أعضائها في أن يصبح فاعلاً ملتزماً. الدرب صعبٌ لكنّ الأحزاب السياسية التي تصنّف عادةً بأنها (تقدّمية) قد فشلت في أداء مهمتها. لا يكفي أن ينهار العالم الرأسمالي كي يحلّ محلّه مجتمعٌ جديد. سيكون انعتاق الشعب من فعل الشعب نفسه. وحتى اليوم، لا وجود لتيارٍ ثوريٍ مهمٍّ ينوّر المواطنين حول مقترحات القطيعة مع النظام الآيل للسقوط. نفتقر إلى الأداة للعمل على هذا التحوّل السياسي والاجتماعي. الشعب ضائع، لكنّ ذلك لا يعني أنّه لا ينتظر حلولاً لتغيير الحياة أو لا يطالب بمثل تلك الحلول.

بصدد أولى إجراءات حكومةٍ ثورية

جيوستراتيجيا: ما هي برأيك أولى الإجراءات التي ينبغي أن تتّخذها حكومةٌ ثورية؟

جان لوي إزامبير: يجب على السلطة أن توقف فوراً كلّ الصفقات المالية الدولية حتّى تتمكّن من القيام بتأميمٍ فوري لبنك فرنسا والقطاعين المصرفي والمالي، باستثناء الشركات التعاونية المصرفية التي تمثّل في مبادئها معايير إدارةٍ ديمقراطية. أحد أوائل أهداف السلطة الجديدة ينبغي أن يتمثّل أيضاً في منح حقوقٍ جديدةٍ للشركات التعاونية، وبخاصةٍ كي يمتلك المساهمون فيها الوسائل الحقيقية لإلزام المديرين باحترام مبادئ الإدارة حين لا يفعلون ذلك. المصارف والتمويل هي في قلب النشاط الاقتصادي وهنا بدايةً ينبغي اتخاذ إجراءاتٍ وطنيةٍ وجذرية قبل التفكير لاحقاً بتقديم اقتراحٍ أكثر أهمّيةً على المستويين الأوروبي والدولي، في الأمم المتحدة على سبيل المثال أو في منظماتٍ دوليةٍ أخرى. كذلك، ينبغي أن تصاغ لاحقاً مقترحاتٌ لتغيير أدوات الرأسمالية العجوزة تلك (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، إلخ.) بصدد هذه النقاط، ربّما تسمح حكومة فلاديمير بوتين في الاتحاد الروسي بالتقدّم بسرعةٍ لأنها جاهزةٌ أصلاً للفعل، للاقتراح ولعرض الحلول للنقاش. ينبغي ألا نغفل عن أنّ الإجراءات التي قد تسمح بالتفكير في مستقبلٍ أفضل صالحةٌ أيضاً لكل الشعوب. إن التحدّث عن (تنظيم الحياة الاقتصادية) أو عن (وضع أنظمةٍ للأسواق المالية) مثلما فعل الرئيس الفرنسي ونظراؤه الغربيون، مع إغفال تأميم القطاع المصرفي والمالي أو الإدارة الديمقراطية للشركات وعدم مهاجمة القوى المالية، يعني خداع الناس عبر التحدّث عن وعودٍ قرّرنا سلفاً عدم الالتزام بها. كيف يمكن أن نزعم أنّنا نتحكّم بالاقتصاد وننظّمه من دون التحكّم بالمصارف وتنظيمها، وهي قلب الحياة الاقتصادية، ومن دون توحيد (المحاسبة المالية) في الدولة؟!

جيوستراتيجيا: لكنّ التأميم الديمقراطي للمصارف عمليةٌ صعبةٌ ستستغرق وقتاً؟

جان لوي إزامبير: إنّها الفكرة التي يسرّبها أصحاب المليارات إلى الرأي العام، بوسائل إعلامهم، فهم يخشون قبل كلّ شيء من فقدان السيطرة على الاقتصاد وفقدان امتيازاتهم. أمّا في الوقائع، فإنّ هذه العملية التي لا تمثّل صعوبةً كبيرةً على الصعيد التقني يمكن أن تمضي بسرعةٍ كبيرة. سوف يحتفظ من يمتلك 1500 يورو في دفتر توفيره ومن يمتلك 15 مليون يورو على شكل أسهمٍ أو سنداتٍ أو غيرها بما يملكه بعد التأميم. وأولئك الذين ينشرون الفكرة المعاكسة لا يدفعهم إلى ذلك سوى خلطهم بين التأميم ومصادرة الممتلكات الخاصة، كي يحموا امتيازاتهم. في البداية، سيكون على السلطة الجديدة أن تقوم بالتصويت على القوانين التي تسهّل قيام الديمقراطية في الشركات عبر حقوقٍ جديدةٍ للإدارة وانتخاب مديرين على أساس تأهيلهم وكفاءتهم وخبرتهم. ستصبح الشركات التعاونية أدواتٍ ثمينةً لبث الديمقراطية في الاقتصاد. وكما قرأتم في الكتاب، أنا أُبرِز المساهمة المهمّة التي تقدمها الشركات التعاونية للحركة الهادفة لإقامة إدارةٍ ديمقراطية للشركات عبر مقارنة مبادئ الإدارة فيها وما تعيشه مع معايير الشركات التقليدية أو الرأسمالية إن كنتم تفضّلون. إنها ورشةٌ هائلةٌ وشائكةٌ ومشوّقة.

جيوستراتيجيا: ما الذي سيتغيّر في حال تمّ تطبيق إجراءٍ كهذا؟

جان لوي إزامبير: فلنقل إنّنا سنفتح باب القطيعة مع الرأسمالية عبر منح الفاعلين في الاقتصاد، وعلى رأسهم الطبقة العاملة وحلفاؤها الذين سيجعلون رأس المال يثمر بعملهم، العمال والورشات والمحللين الماليين، وسائل تحديد خطوة الشركات التي يتشاركون معها والتحكّم بها، وإمكانية الاهتمام بمنظّمتهم، والتدّخل للمساهمة في تحويلها. ستكون تلك بداية حركةٍ كبيرةٍ من الانعتاق والدعوة إلى العقول وامتلاك الاقتصاد بالنسبة إلى جميع فاعليه من أجل المصلحة العامة. على سبيل المثال، في ما يخصّ المصارف، وكما برهنتُ على ذلك في كتابي مع مداخلة اختصاصيي المحاسبة في الشركات الكبيرة، لا يمكن حالياً إجراء أيّ مراقبةٍ فعّالةٍ لتلك المؤسسات طالما أنّ الرأسماليين يلعبون على إجراءاتٍ دقيقةٍ شديدة التعقيد لوضع حساباتها الختامية، وجعلها (تراقَب)، وتأسيس هياكل في ما وراء البحار، وتجنّب الضرائب، والمضاربة بمخاطر عالية بمنتجاتٍ ماليةٍ شديدة التعقيد. لماذا يكون لدينا كلّ هذه المصارف التي تقدّم المنتجات المالية نفسهاحين يسمح توحيدها في مصرف واحد ـ باستثناء المصارف التعاونية حيث تكمن مبادئ إدارةٍ ديمقراطية أصيلة ـ، بترك ما يملكه كل شخص له، بالمراقبة الحقيقية لحركة رؤوس الأموال من أجل المصلحة العامة؟ إنّ هذا التأميم الديمقراطي المترافق بدمقرطة التعاونيات سيسمح للدولة بمعرفة أين وكيف تجول رؤوس الأموال ولمصلحة من، وبإعادتها إلى الاقتصاد الحقيقي تحت الرقابة الشعبية. سيكون ذلك أشبه برئةٍ للمجتمع بأكمله حين نعرف أنّ العوائد الضريبية التي تخسرها حكومات العالم سنوياً والمتأتّية من التهرّب الضريبي وحده ـ من دون التزوير والتبييض ـ تقدّر بأكثر من 255 مليار دولار.

جيوستراتيجيا: لقد تم سابقاً تأميم المصارف وبعض الشركات عابرة القومية. لكن لم تتغير أمورٌ كثيرة آنذاك؟

جان لوي إزامبير: هذا صحيح، وهذا هو السبب في تأكيدي على المظهر الديمقراطي الذي ينبغي أن تتمتّع به التأميمات. الأمر لا يتعلق بإحلال قادةٍ يساريين محل قادةٍ يمينيين على رأس تلك الشركات كي يديروا بأسلوبٍ مطابق، مثل (أولئك الذين يعدّون حبّات البازلاء)، على أساس معايير ماليةٍ فقط من الربح الأقصى الفوري مع تراتبياتٍ مصفّحة من (مناطق النفوذ) وانتهاكاتٍ متكرّرةٍ للحرّيات الديمقراطية وعدم وضوحٍ في الإدارة وتزييفٍ للحسابات لا تتواءم مع الديمقراطية. سيكون على المديرين أن يطبّقوا على الفور المراسيم والقوانين التي تصدرها السلطة الثورية والتي تمنح حقوقاً جديدةً للعاملين بأجرٍ كي يتمكّنوا من التدخّل في الإدارة تدخلاً كاملاً ويضعوا حدّاً لاختلاس جزءٍ من الأرباح على يد المديرين الحاليين لشركات قطاعاتٍ رئيسيةٍ في الاقتصاد، ويحلّوا الديمقراطية في كلّ الوظائف وصولاً إلى تغيير الأعمال، ويعملوا على أن يكون قطاع الأعمال أداةً في خدمة فاعليه ومحيطه لا العكس كما هي الحال اليوم. إنّها مرحلةٌ حاسمةٌ تقتضي ارتقاءً كمياً ونوعياً في وعي فاعليها وكذلك في بيئة المهنيين المرافقين لها في ابتكارها وتطوّرها: مفوضي الحسابات والمدققين وخبراء المحاسبة، إلخ. من دون ذلك، ستبقى التأميمات حبراً على ورقٍ وتصبح، كما رأينا، (تحويلاً إلى ملكية الدولة). وهذا هو السبب في وجوب أن تترافق تلك التوجّهات الكبيرة في السلطة للمضي نحو ديمقراطيةٍ متقدّمةٍ مع ما يدعوه بيير هنري لوروا، مؤسس ومدير شركة بروكسانفست، وهي الشركة الرئيسة في مجال تقديم النصح للمساهمين، (الخطوات الصغيرة). ومثلما يشرح هو، لا بدّ من البدء في إصلاحاتٍ أكثر تواضعاً ومحليةً تمضي في الاتجاه الصحيح.

جيوستراتيجيا: على سبيل المثال؟

جان لوي إزامبير: على سبيل المثال ينبغي أوّلاً إضعاف الجماعية وتشجيع تنوّع الآراء في السوق عبر وضع حدٍّ لنزاع المصالح في المؤسّسات المالية الخاصة بالشركات أثناء إجراء عمليات السوق. ومثلما يشير إليه بيير هنري لوروا، (يفرض ذلك الأمر اللجوء إلى خبراء مستقلّين حقّاً، لا يدفع لهم ويعينهم المعنيّون مثلما هي الحال اليوم. لا بدّ من تعريفٍ دقيق لنزاع المصالح والمنع والعقوبات). أو إلغاء القوانين التي تثقل على ازدهار الاقتصاد لصالح المصلحة العامة، وهو أمرٌ أسهل تصوّراً بدءاً من اللحظة التي تصبح بين يدي فاعليه وسائل قانونية وثقافية تسهّل تدخّلهم.

المخرج السلمي الوحيد للأزمة: ثورةٌ وطنيةٌ وجذرية

جيوستراتيجيا: لكن بما أنّ الاقتصادات لا تزال وثيقة الارتباط من بلدٍ إلى آخر مع العولمة الرأسمالية، هل تعتقد أنّه يمكن الوقوف في وجه الترتيبات الأوروبية والقواعد الدولية والضغوط التي لا بدّ أن تمارَس على أمّةٍ واحدةٍ تنخرط في درب القطيعة هذا؟
جان لوي إزامبير: يتطرّق سؤالك إلى مسألةٍ أساسية: دعم الشعب لإصلاحاتٍ جذرية. لا يمكن أن يكون تغيرٌ اجتماعيٌ له مثل هذا المدى من فعل طليعةٍ واحدة، مهما بلغت تنويريّتها. ولئن كانت مثل تلك الطليعة ضروريةً لصياغة مقترحاتٍ ورفع مستوى الوعي إلى مرتبة الإجراءات التي لا بدّ منها، وفتح باب النقاش حول المسائل الأساسية، فوحده الدعم الشعبي الكبير الذي تحظى به تلك المسائل يمكن أن يسمح بالقطيعة مع الوضع الحالي، أيّاً كان درب الانتقال الذي يختاره الشعب، انتخابياً أو غيره. إنّ انتقال جمهورية فنزويلا من دولةٍ تخضع للهيمنة الأمريكية إلى دولةٍ ديمقراطيةٍ مستقلةٍ وتقدميةٍ هو أحد أهم الأمثلة التي ينبغي دراستها في عصرنا. ولم تستطع كلّ التهديدات ضد الحكومة الثورية في فنزويلا ـ من الداخل على يد كبار أرباب الأعمال والعناصر المحافظة في الكنيسة الكاثوليكية ومن الخارج عبر الولايات المتحدة وبلدانٍ أخرى مع بعض الاتحادات المتفاوتة في ارتباطها بالأجهزة الأمريكية ـ أن تمنع عملية القطيعة من الاستمرار. اليوم، ينخرط البلد في بناء مجتمعٍ اشتراكيٍ عبر التدرّب على ديمقراطيةٍ مباشرةٍ أصيلة. لقد تمّ تأميم القطاعات الرئيسية في الاقتصاد، وأصبحت رؤوس الأموال التي كانت تصدَّر في جيوب كبار المساهمين الأمريكيين تحقَن في عملية تحديث الشركات والمناطق، كما تأسّست عشرات الألوف من التعاونيات في كلّ قطاعات النشاط الاقتصادي وأخذ البلد يتعصرن لمصلحة مواطنيه. وما كان يبدو أمراً لا بدّ منه بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الشعب يتحقق اليوم بدعمه الفعّال. كيف أمكن ذلك على الرغم من الاتفاقات الإقليمية والأنظمة الدولية وشتّى أنواع الضغوط، وصولاً إلى محاولات انقلابٍ نظّمتها الولايات المتحدة؟ لأنّ الشعب عرف كيف يشكّل طليعةً ثوريةً مثاليةً في مجالاتٍ عديدة، ويتجمّع، ويتحشّد ويثبت على تحشّده بصدد أهدافه الرئيسية في التحوّل السياسي والاجتماعي الجذري. وهذا يجعلنا نفهم لماذا تغيب فنزويلا الثورية عملياً بكلّ نجاحاتها عن وسائل الإعلام الغربية. كان ينبغي أن تتذكّر الحكومة الفرنسية أنّها تحتاج إلى فنزويلا أكثر ممّا تحتاج فنزويلا إلى فرنسا.