أكوام النقد..  الشركات العالمية تحتكر 15 ترليون دولار!

أكوام النقد.. الشركات العالمية تحتكر 15 ترليون دولار!

يتباطأ الاقتصاد العالمي، في القارات الخمس، حيث بدأت حروب العملات في عام 2013 عن طريق سياسات التيسير الكمي في اليابان، وتكثفت في عام 2015، عبر سياسات التيسير الكمي الأوروبية. لتتفاقم أكثر فأكثر، مع قيام حرب أسعار النفط، بمشاركة السعودية، التي قامت- إلى جانب شركات النفط الصخري الأمريكية- بدفع اقتصادات الأسواق الناشئة، كالبرازيل وجنوب إفريقيا وإندونيسيا وغيرها إلى عقبات مؤقتة.

إعداد: Telesurtv

ترجمة: قاسيون

 

 أدت الإجراءات الأمريكية والأوروبية واليابانية والسعودية خلال الأشهر الـ18 الماضية إلى خفض أسعار صرف العملات، في محاولات يائسة لتعزيز الاقتصادات الضعيفة لهذه البلدان، عبر الاستحواذ على حصة أكبر من كعكة التصدير العالمي المتباطئ، الذي نما في عام 2008، ليصل إلى معدل 12% سنوياً. أما اليوم، في عام 2015، تبدو هذه الكعكة أقرب إلى أن تكون مستوية وثابتة. 

حروب الأموال، وحروب الأسعار، وحروب العملات، جميعها مؤشرات تعكس المنافسة المكثفة بين «الاقتصادات المتقدمة» في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، في وقت يبدي فيه الاقتصاد العالمي كله، نمواً أضعف وأكثر تباطؤاً- ما يمكن تشبيهه بـ«قتال اقتصادي شرس بين القطط». 

تصدير الركود إلى الأسواق الناشئة

تملك معركة القطط هذه تأثيراً شديداً على اقتصادات السوق الناشئة، عبر تصاعد هروب رؤوس الأموال، وانهيار الأصول المالية (الأسهم، والسندات.. إلخ)، وتباطؤ الإيرادات الآتية من الصادرات، وتضخم الاستيراد، وتراجع الاستثمار وفرص العمل، وارتفاع الديون الحقيقية. وفي الرد على ذلك، أثار البعض أسعار الفائدة عبر رفعها، في محاولة للحد من تسرب الخارجي لرأس المال، وجذب المزيد من التدفقات وبالتالي التضخم البطيء. لكن ذلك لم يؤد إلا إلى إبطاء اقتصاداتهم بشكل أكبر.

حاولت أسواق ناشئة أخرى، أن تنافس الاقتصادات الأمريكية واليابانية والأوروبية والسعودية، للحصول على حصة التصدير، عبر خفض أجور العمال، وتطبيق سياسات التقشف، لتجعل مدفوعات العمال أكثر تباطؤاً. لكن ذلك أيضاً كان بمثابة استجابة ميتة مسبقاً، إذ يكمن المنطق الزائف هنا، في أن التقشف سيظهر مستثمري هذه الاقتصادات على أنهم «جادين» في فرض الانضباط الاقتصادي في الأسواق الناشئة، مما يساهم، بطريقة أو بأخرى، بإقناع المستثمرين بإرسال أموالهم إلى هذه الأسواق الناشئة مرة أخرى.

لكن التقشف يخفض دخل الأجور فقط، ويبطئ النمو أكثر، ولا يفلح حتى في إعادة جذب رأس المال الأجنبي الذي لن يقوم، بطبيعة الأحوال، بإرسال رؤوس أمواله نحو الاقتصادات التي تعاني من الركود أو شيء منه.

رفع أسعار الفائدة، و/أو اعتماد التقشف، كلاهما ردان اقتصاديان ميتان على الأزمة المتفاقمة، التي تحمل سمات واضحة مفادها: «صنع في طوكيو، وفرانكفورت، والرياض، وبطبيعة الحال، واشنطن» التي قامت برفع أسعار الفائدة، بهدف تسريع دورة رأس المال خارج الاقتصادات الناشئة أكثر فأكثر.

ورغم فرض سياسات التقشف على القوى العاملة والناس في كل مكان، لا تنفك نخب الشركات التابعة للبلدان المسببة للأزمات بالشكوى من الاقتصاد العالمي المتدهور على أيديها. صحيح، تسير الظروف الاقتصادية في أنحاء العالم جميعها من سيء إلى أسوأ، إذ أن أجور العمال، والفوائد، والدخل، جميعها قد انخفضت، منذ عام 2009 فيما سمي بـ«الانتعاش»، الذي دفع ثمنه غالياً.

إن سماع نحيب الشركات وأنينها، يدفع للاعتقاد بأن أرباحها تتآكل وتتدهور. غير أن الحقائق تقول ما هو عكس ذلك..! 

7.3 ترليون دولار.. تراكمات نقدية للشركات

تشير الدراسات والتقارير المختلفة، إلى أن الشركات، الأوروبية واليابانية تحديداً، لاتزال تراكم الأموال في ميزانياتها. فوفقاً لتقرير «بنك اليابان» في شهر حزيران، تكتنز الشركات اليابانية سيولة تبلغ بمجموعها 2.4 ترليون دولار. وبطريقة ما، يمكن القول أن هذه الشركات قد راكمت تلك الأموال، رغم تعرض اليابان إلى أربع فترات ركود منذ شهر 9/2008.

ماذا عن أوروبا؟ ارتفعت مدخرات الشركات الأوروبية نحو 40% منذ عام 2008، أي ما مقداره 1.1 ترليون دولار، رغم الركود المزدوج على مدار 18 شهراً منذ 2011، والذي كان أسوأ من الركود الذي حدث في شهر 9/2008، وكذلك رغم ركود منطقة اليورو منذ 2013.

والولايات المتحدة؟ تقدر تحليلات وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، أن مدخرات الشركات غير المالية في الولايات المتحدة وصلت اليوم إلى 1.73 ترليون دولار، إضافة إلى 1 ترليون دولار أخرى هي الاحتياطات التي تحتفظ بها البنوك. وتشير تقديرات الوكالة ذاتها، إلى أن الشركات الأمريكية متعددة الجنسية تواصل اكتناز حد أدنى إضافي في فروعها بالخارج، يصل إلى 1.1 ترليون دولار، مجمدة في الخارج، للتهرب من دفع الضرائب المستحقة على هذا المبلغ. وهذا ما يدفعنا للاستنتاج بأن 3.8 ترليون دولار من الأموال، مكدسة في شركات الولايات المتحدة فقط..!

في المجموع، تقف شركات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان اليوم على كومة من النقد، لا تقل في حدها الأدنى عن 7.3 ترليون دولار..! وقد يصل الرقم إلى 10 ترليون دولار، فيما لو حسبنا أموال الشركات المودعة لدى بنوك في سويسرا ولوكسمبورغ وسنغافورة.

8 ترليون: أسهم مشتراة مجدداً.. وتوزيعات وفوائد

يمثل رقم 7.3 ترليون دولار أمريكي، الموجود لدى هذه الشركات، ما خلفته الترليونات الأكبر التي حققها المستثمرون منذ عام 2008. حيث وزع، في الولايات المتحدة وحدها، ومنذ عام 2009، ما يزيد عن 4.5 ترليون دولار في عمليات إعادة شراء الأسهم وتوزيعات الأرباح، عن طريق أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة.

ماذا عن اليابان وأوروبا؟ في حين أن إعادة شراء الأوراق المالية لا تشكل عادة قديمة في اليابان وأوروبا، خلافاً للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها تسجل اليوم ارتفاعاً سريعاً. حيث كانت توزيعات الأرباح «أكثر سخاءً» بالمقارنة مع الولايات المتحدة، لتسجل ارتفعاً وصل إلى حدود 15% في أوروبا عام 2014، بينما سجل ارتفاعاً بقدر 16.8% في اليابان، كما أفادت أحدث التقديرات، ما يعني احتمال إضافة من 1 إلى 2 ترليون دولار إلى مدخرات الشركات.

على الرغم من هذه الكومة التي لا تصدق من الترليونات الموزعة وغير الموزعة منذ عام 2009، إلا أن هذه الأرقام الخيالية ليست كافية ربما للنخب الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان لحماية وتنمية هذه الأكوام للصالح العام.

لقد تحولت السياسات الاقتصادية لهذه البلدان، منذ عام 2013، نحو «تصدير الركود» إلى الأسواق الناشئة، من جهة، وإلى مزيد من الضغط على العاملين في هذه الشركات من جهة أخرى. فيما لا يزال يطلق على النسخة الحديثة من ويلات التقشف تسمية «إصلاحات سوق العمل»، التي قد يجري تصديرها هي أيضاً إلى الأسواق الناشئة في أوقات أخرى.