تحالفات قوى صاعدة: أبعد من الطاقة
ميشيل ميدان ميشيل ميدان

تحالفات قوى صاعدة: أبعد من الطاقة

من بين العديد من التحليلات السياسية التي تحاول أن ترصد واقع التحالفات الاستراتيجية ومستقبلها بين الدول الصاعدة عالمياً، تفرد هذه المقالة للمحللة السياسية في «معهد استشارات أوراسيا»، ميشيل ميدان، مساحةً لنقاش العلاقات بين الصين، كقوة دولية صاعدة عالمياً، وإيران، كدولة صاعدة على المستوى الإقليمي.

 

إعداد وترجمة: لجين بركات

في أيلول الماضي، رست سفن البحرية الصينية في ميناء بندر عباس الإيراني، بهدف القيام بتدريبات عسكرية مشتركة، الأولى من نوعها. هذه المناورات البحرية، التي جرت قبل شهرين من المفاوضات بين إيران ودول السداسية الكبرى حول البرنامج النووي الإيراني، هي دلالة على الأهمية الاستراتيجية التي تعلقها الصين على طهران.


يبدو الحديث اليوم عن العلاقات الثنائية الصينية- الإيرانية كما لو أنها تدور- في مجملها- حول الطاقة فقط. غير أن الصين- التي تعد أكبر مستورد للنفط في العالم، وأكبر مستهلك للغاز الطبيعي- تعتمد على إيران بأكثر من 10% من مستورداتها النفطية، فيما تشكِّل إيران رابع أكبر احتياطي للنفط في العالم، وثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي عالمياً. ومنذ التسعينيات، عملت الشركات الصينية على الاستثمار في قطاع النفط الإيراني، والاستحواذ على جزء هام من السوق.
ونظراً للقيود الغربية المفروضة على إيران جراء ملفها النووي، وللحواجز القانونية التي تضعها إيران نفسها على الملكية الأجنبية- الغربية منها على وجه الخصوص- سُمِح للشركات الصينية بملء الفراغ والفجوة الحاصلة في هذا المجال

 

«التوجه غرباً» وحزام الأمان الاقتصادي

الصين، الصاعدة بالمعنى الدولي، تعتبر أن إيران قوة صاعدة في الشرق الأوسط، وتراها كاستثمار استراتيجي في وجه الولايات المتحدة. كذلك، يعزز التاريخ الطويل للدولتين، والثقافات القديمة المشتركة بينهما، من علاقتهما الثنائية. على هذا الأساس، تعتبر إيران جزءاً أساسياً من استراتيجية «التوجه غرباً» الصينية. هذه الاستراتيجية التي كان قد صاغها في عام 2012 عميد كلية الدراسات الداخلية في جامعة «رنمين» ببكين، وانغ جي سي، والذي قصد فيها آنذاك ضرورة أن تنظر الصين نحو الغرب، نحو آسيا الوسطى وجنوب آسيا والشرق الأوسط، وتوسيع نطاق وجودها هناك بهدف تأمين مصالحها الجيوستراتيجية والاقتصادية والأمنية.
في موازاة ذلك، تتركز الأولويات الجديدة للقيادة الصينية على تطوير حزام الأمان الاقتصادي لـ«طريق الحرير» البحري، وزيادة المساحات البرية في ذلك الطريق. وكل ذلك يأتي كأصداء لاستراتيجية «التوجه غرباً».


الاهتزازات والعراقيل المحتملة

على الرغم من التاريخ الطويل من العلاقات وعمق الارتباطات التجارية، فإن العلاقات الثنائية الصينية- الإيرانية لا تخلو من تحديات. فإن بكين، وإن كانت غير راغبة أبداً بالانضمام إلى جوقة العقوبات التي تقودها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، إلا أنها لا تزال تمشي على «خطٍ رفيع» من الالتزام بها، كخفض واردات النفط، والتحكم بمنسوب الاستثمارات الصينية المتوجهة نحو إيران في حين يوجد بلا شك بعض التجار الإيرانيين الذين ينظرون، بقلقٍ متزايد، إلى زيادة التجارة مع الصين بسبب انعكاسها على مصالحهم بالتوازي مع وجود رغبة لدى بعض المعنيين في إيران بإقامة علاقات مع الشركات الغربية، وليس الصينية. وحتى أن بعض كبار التجار الإيرانيين يقدمون تعهدات للغرب بتغيير الإطار التعاقدي الذي عرقل مشاريع كثيرة في الماضي معه.
عوامل الضغط هذه، إن لم تذهب لتستقر سريعاً، فإنها ربما ستؤدي إلى قيام إيران بتنويع المستثمرين الدوليين في حال التوصل إلى اتفاق مع مجموعة «5+1». إلا أن كل تلك العوامل، ولو لم تحلّ، سوف لن تقوِّض الأسس المتينة للعلاقات الصينية الإيرانية، وعلى بكين أن تستجيب للفكرة القائلة بأن إيران لا تزال شريكاً قابلاً للتعويل عليه.


إيران و«الاستثمارات في البنى التحتية»

في مطلع الشهر الماضي، وافقت الدول الأعضاء على اعتبار إيران طرفاً مؤسساً في البنك الآسيوي للاستثمارات في البنى التحتية الذي تقوده الصين. هذه الخطوة، وإن كانت تعبِّر حالياً عن القرار الإيراني بالالتحاق في ركب المؤسسات الدولية الخارجة عن الهيمنة الأمريكية، غير أنها تصدم بالسقوف الموضوعية للاقتصاد الإيراني في ظلّ العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. بناءً على ذلك، ستتجلى إحدى الانعكاسات لنجاح المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني في تخلص إيران من تلك القيود الاقتصادية بالتدريج، بما يؤمن لها انتقالاً سلساً باتجاه المؤسسات الاقتصادية الجديدة ذات الطابع العالمي.

استرجاع طريق الحرير

إيران هي جزء أساسي من صعود الصين غرباً، حيث أن «طريق الحرير»، وفقاً لوكالة «أنباء الصين- شينخوا»، سيمر من جنوب غرب آسيا الوسطى إلى شمال إيران، قبل أن يتوجه غرباً عبر العراق وسورية وتركيا، إلى أوروبا، لينتهي في مدينة فينيسيا (إيطاليا).
وعلى هذا النحو، فإن التركيز على تشييد البنية التحتية على طول «طريق الحرير»، والتصميم على النمو التجاري الصيني، وربما الوجود الاستراتيجي، هي عوامل من شأنها أن تولد النمو الاقتصادي في الصين من جهة، وفي البلدان التي سيمر هذا الطريق على أراضيها من جهة أخرى، إلا أن ذلك سيتطلب أيضاً شراكات متينة بين تلك الدول ومعها.
لذلك، من غير المستغرب سعي بكين لتكثيف مشاركتها البحرية مع إيران، وبشكلٍ أوسع، في الخليج العربي، حيث إن نصف وارداتها النفطية من تلك المنطقة، وعدد متزايد من استثماراتها موجود هناك، في الوقت الذي تقلِّل فيه الولايات المتحدة الأمريكية من اعتمادها على الواردات الخليجية، كنتيجة لـ«ثورة» الصخر الزيتي والغاز الأمريكي. وعليه، فمن الطبيعي لبكين أن تعزز وجودها هناك، بما يعكس بصورة جلية واضحة وطبيعية التزايد في ثقلها ووزنها الدوليين ونفوذها البحري.

 

عن «ChinaUsFocus» بتصرف..

آخر تعديل على الثلاثاء, 12 أيار 2015 12:50