لقاء استخباراتي لمناقشة الأزمة السورية
اجتمع قادة أجهزة التجسس والاستخبارات العربية والغربية الداعمة للمعارضة السورية المسلحة، في لقاء استراتيجي استمر ليومين في العاصمة الأمريكية واشنطن مؤخراً، فيما بدا أنه إشارة إلى قيام محاولات حثيثة لدعم المسلحين
لقد هيأ هذا الاجتماع لظهور الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية، الذي سيتولى الإشراف على برنامج العمل السري السعودي بعد أن تم تعيينه خلفا للأمير بندر بن سلطان رئيس الاستخبارات السعودية الذي يعاني من آلام في الظهر والذي أدت قيادته للعمليات إلى نتائج غير مرضية.
لا للحظر الجوي.. بل مزيد من التسليح!
اجتمعت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي مع الأمير محمد لمناقشة الإستراتيجية، إلا أن بعض المصادر تحذر من أن الرئيس أوباما ما يزال قلقاً من أن أي تصعيد كبير في سورية من الممكن أن يورط قوات الولايات المتحدة مباشرة. تعارض الولايات المتحدة الأمريكية مناطق حظر جوي، على سبيل المثال، بالرغم من أن مطالبة الإدارة بممرات آمنة لتقديم المساعدات «الإنسانية» من الممكن أن تؤدي إلى فرض «مناطق آمنة» كأمر واقع إذا لم توافق الأمم المتحدة على خطة رسمية.
إن الدور الإشرافي الجديد للأمير محمد يعكس القلق المتزايد لدى المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الجوار من تنامي قوة القاعدة داخل المعارضة السورية. وانطلاقاً من موقعه كوزير للداخلية، فإن من مهمة الأمير محمد أن يقوم بتنسيق سياسة المملكة في محاربة الإرهاب، الأمر الذي يمنحه روابط وثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وغيرها من أجهزة الاستخبارات الغربية.
كما حضر اجتماع واشنطن كل من رؤساء أجهزة التجسس لدى كل من تركيا وقطر والأردن وغيرها من القوى الإقليمية الرئيسية الداعمة للمسلحين. وقد ذكرت المصادر بأن تلك الدول أجمعت على تنسيق تقديم مساعداتها لتصل مباشرة للمقاتلين «المعتدلين» بدلاً من أن تتسرب إلى أيدي متطرفي جبهة النصرة المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
من السابق جداً لأوانه القول ما إذا كان هذا التحول أمراً شكلياً أو يحمل دلالات باتجاه حدوث تغييرات حقيقية في ساحة المعركة. إلا أنها محاولة لتقوية صفوف المعارضة «المعتدلة» التي تعاني من ضعف مزمن والتي خسرت مواقعها خلال العام الماضي في مقابل كل من القوات الحكومية من جهة والمقاتلين الجهاديين المقربين من القاعدة من جهة أخرى.
يرتدي تنسيق المساعدات بين مختلف «الجهات المانحة» أهمية خاصة، حيث تمت عرقلة تدفق «المعونات» في السابق نتيجة الخلاف السياسي بين تركيا وقطر من ناحية، وبين السعودية والأردن من ناحية أخرى. وكان الوضع عبارة عن حالة من الفوضى الكاملة خصوصاً في شمالي سورية جنوب الحدود التركية، حيث استغل مقاتلو القاعدة تلك الفوضى لمصلحتهم.
كما ناقش رؤساء الاستخبارات مسألة تزويد المسلحين بأسلحة أكثر تطوراً، مثل الصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للطائرات. فالسعودية تملك مخازين كبيرة من تلك الأسلحة وهي على استعداد لإرسالها، إلا أنها تريد دعماً من إدارة أوباما المترددة لغاية الآن في إعطاء موافقة رسمية.
هيكلية جديدة للقيادة العسكرية للمسلحين!
أخذت الاستخبارات المركزية الأمريكية على عاتقها عبء التدريب، حيث تقع حالياً معظم معسكرات التدريب في الأردن، والتي بوسعها أن تتولى تدريب 250 مقاتلاً في الشهر تقريباً، حيث تجاوز عدد من خضعوا وتجاوزوا برنامج التدريب (الأمريكي) 1000 مقاتل.
وعلى الرغم مما يقال من أن من يشرف على تلك المعسكرات هم ضباط ميدانيون شبه عسكريين تابعون للاستخبارات الأمريكية فإن هذا العمل يضم أيضاً ممثلين عن أجهزة الاستخبارات الأخرى. ولقد طالبت الدول العربية الولايات المتحدة بمضاعفة «الإمكانيات التدريبية»، إلا أن المسؤولين الأمريكيين يريدون أن يتيقنوا من إمكانية دمج هؤلاء المقاتلين الإضافيين في صفوف «المسلحين».
قام المقاتلون السوريون بتعديل بنيتهم القيادية التي ينبغي أن تكون أكثر تلاؤماً مع التحالفات الاستخباراتية الجديدة، حيث تم استبعاد «اللواء سليم إدريس» من منصبه رئيساً لهيئة أركان الجيش السوري الحر، وهو الذي كان مدعوماً من المسؤولين الأمريكيين لأنه كان المرشح المفوّه للحفاظ على الجيش السوري وبنية الدولة، إلا أنه لم يكن يملك إلا تأييداً محدوداً في صفوف المسلحين.
وفي إشارة واضحة على الانقسام المستمر بين المقاتلين على الأرض، فإن بعض داعمي إدريس أصدروا بياناً احتجوا فيه على إقالته بوصفه قائداً «منتخباً». ولقد ابتلي المسلحون بهذا النوع من الاقتتال الداخلي في الماضي، وإذا لم يتم حل هذا الأمر فمن الممكن أن يقوض تركيبة القيادة الجديدة. أما القائد الجديد للجيش الحر فهو اللواء عبد الله البشير، الذي انشق عن الجيش السوري العام الماضي ويتخذ من محافظة القنيطرة، على الحدود السورية الجنوبية مقراً له. ولقد فقد أحد أبنائه في القتال ضد القوات الحكومية، الأمر الذي أعطاه مصداقية بين المقاتلين. بينما سيشغل منصب نائبه «العقيد هيثم عفيسة من محافظة إدلب في الشمال. ويحظى عفيسة بثقة «المراقبين» الأمريكيين لقيادته هجمات أبعدت مقاتلي «داعش» عن بلدته الأم. ومن المأمول أن وجود البشير في الجنوب وعفيسة في الشمال سيفضي إلى قيام تنسيق أفضل بين الجبهتين.
ويقال إن القيادات الجديدة التي تم تعيينها هي أكثر تقارباً في عملها مع «جبهة الثوار السوريين»، وهي مجموعة «معتدلة» يرأسها جمال معروف، الذي التقى مؤخراً داخل الأراضي السورية بأحمد الجربا رئيس الائتلاف السوري المعارض المدعوم من السعودية. وتحاجج بعض المصادر العربية بأن رعاية المملكة العربية السعودية لكل من الجناح العسكري والسياسي في المعارضة هو إشارة إيجابية أخرى، بعد أشهر عديدة من الخلاف.
وإن ما يبرز هذه التغييرات التكتيكية هي حقيقة أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية عادتا للعمل سوية حيال سياستهما تجاه سورية بعد عام من الخلافات المريرة المتزايدة. إن التحالف السعودي الأمريكي المعاد إحياؤه لن يطيح بالأسد إلا أنه سيخفف من حدة ما أصبح توتراً إقليمياً خطيراً.
تعقيب من المحرر
تنشر قاسيون هذه المقالة بعد ترجمتها وهي المنشورة بالانكليزية في قسم الآراء على موقع «واشنطن بوست» بتاريخ 19 شباط 2014، في محاولة منها للإضاءة على بعض القراءات الأمريكية التي تؤكد حدوث تغيرات تكتيكية في الموقف الأمريكي حيال قضية التدخل العسكري المباشر، ومحاولتها إعادة الإمساك بزمام المبادرة الدولية بعد أن وضعت روسيا الإدارة الأمريكية على محك الحل السياسي. إن التغييرات التكتيكية في أدوات التدخل الأمريكي الغربي العربي المعادي لسورية تعكس تناقضات جدية داخل جسم الإدارة الأمريكية وماهي إلا مقدمات من الاستراتيجية الأمريكية القائمة على فكرة تنظيم التراجع الأمريكي بأقل الخسائر إلى حين نضج بدائل تؤمن لها الوصول إلى الأهداف ذاتها، وإن بأدوات مختلفة.