المحللون الأمريكيون يناقشون خطط الحرب على الصين
أثار التصريح الذي أطلقته الحكومة الصينية، في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، بما يتعلق بمنطقة الدفاع الجوي، موجةً من النقاشات في أوساط حلقة ضيقةٍ من المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين. وكان أغلب هؤلاء المحللين يعمل لدى الجيش الأمريكي، أو في مناصب حكومية متعددة في إدارتي الرئيسين، جورج بوش الابن وباراك أوباما. وقد خلُصت هذه النقاشات، كما وصفها أحد المشاركين بها، إلى النتيجة التالية:
«الحرب تلو الأخرى مع الصين».
أدت الطلعات الجوية الاستفزازية، التي نفذتها الطائرات العسكرية الأمريكية، فوق منطقة الدفاع الجوي الصينية، إلى قيام احتمال جدي بنشوب صدامات عسكرية في شرق آسيا. وقد أدى هذا الأمر إلى تجديد الانتقادات للهيمنة العسكرية الأمريكية الحالية، والمتمثلة بما يُعرف بـ «المعركة الجو/بحرية». ونشأت هذه الانتقادات على أرضية أن الأساليب والتكتيكات التي تتضمنها سياسة الهيمنة هذه، تجعل وصول التصعيد إلى مرحلة الحرب النووية افتراضاً واقعياً.
هذا وقد وصف كل من ديفيد غومبرت وتيري نسكيلي، وهما اثنان من النقاد العاملين في «مؤسسة راند للأبحاث» المعركة «الجو/بحرية» بالعبارات التالية: «ستشن القوات الأمريكية هجمات مادية وهجمات إلكترونية ضد «العدو»، بهدف تعطيل سلسلة أجهزة الاستشعار والأسلحة، إضافةً إلى تعطيل نظم القيادة والسيطرة لديه، ناهيك عن تدمير منصات إطلاق أسلحته، بما في ذلك الطائرات والسفن ومواقع الصواريخ. وكلما أسرعت القوات الأمريكية في تدمير هذه المنظومات، كانت الأضرار التي ستعاني منها أقل، والخسائر التي ستتمكن من إلحاقها بـ «العدو» أكبر.
الحصار الاقتصادي، بديل الحلول العسكرية
بالعودة إلى موضوع النقاش القائم، فليست مسألة وجوب قيام الولايات المتحدة بالتخطيط والاستعداد للحرب من عدمه هي القضية الرئيسية، حيث أن المهم، من وجهة نظر المحللين الاستراتيجيين المعنيين بهذا الأمر، هو أن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تستخدم قوتها العسكرية، للحفاظ على مركز هيمنتها الذي شغلته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في كلٍّ من آسيا والمحيط الهادئ وعلى صعيد العالم.
في السياق ذاته، يستند البديل الذي يجري الترويج له حالياً، والذي من المفترض أن يقلل احتمال حدوث «محرقة نووية»، بشكلٍ كبير، على وثيقة كتبها «توماس هاميس إكس»، في عام 2012، بعنوان «السيطرة البحرية: استراتيجية مقترحة لنزاع محتمل». بإيجاز، اقترح هاميس أن تتجنب أمريكا شن هجمات مباشرة على الأهداف التي تقع على البر الصيني، والتركيز، بدلاً من ذلك، على التحضير لفرض حصار اقتصادي على الصين.
تهدف «السيطرة البحرية»، وفق هاميس، إلى «إنهاء النزاع، وفق شروط الولايات المتحدة، عبر إنهاك الصين اقتصادياً، دون إلحاق الضرر ببنيتها التحتية، ودون اللجوء إلى تصعيد الصراع بشكل سريع، وتتضمن هذه الوثيقة إدراكاً لحقيقة أن مفهوم «النصر الحاسم» ضد بلدٍ يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية هو أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر، إن لم يكن غير مجدٍ أبداً».
هذا، ودعا هاميس الجيش الأمريكي إلى استبدال الهجمات المباشرة بـ «عملية شلل تجارة الصين الخارجية«التصدير»، والتي تشكِّل مورداً مهماً وضرورياً للاقتصاد الصيني». وتنطوي هذه العملية على إغراق أو اعتراض وإعادة السفن التجارية. بعبارة أخرى، تنفيذ «عملية قرصنة» على نطاق واسع، في فترة السلم بين البلدين. وأشار هاميس إلى أن «80% من النفط الذي تستورده الصين، يمر عبر مضيق ملقا، وإذا أمكن السيطرة على كلٍّ من ملقا ولومبوك وسوندا، وطرق شمال وجنوب أستراليا، فسيصبح بالإمكان إيقاف هذه الشحنات»، الأمر الذي سيتسبب بأزمةٍ هائلة في الطاقة. وخلص هاميس إلى أنه «بدلاً من السعي لتحقيق نصر حاسم ضد الصينيين، فإن استراتيجية «السيطرة البحرية»، تهدف لشن حرب استنزافٍ اقتصادي تؤدي لخلق حالة من الجمود وإيقاف للصراع، والعودة إلى نسخة معدلة من الوضع الراهن».
حصار الصين المنتجة ليس سهلاً
في السياق ذاته، وتحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قام مارك موريس من «كلية الحرب الوطنية»، وأحد الداعمين لخطة «السيطرة البحرية» بتفصيل السيناريو المترقّب كما يلي: «تبدأ الحرب، وتبدأ معها الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها، بعملية «السيطرة البحرية»، ويتم بالتالي تخفيض الواردات والصادرات الصينية المنقولة بحراً بشكل كبير، الأمر الذي يؤدي لانخفاض إنتاج المصانع، وتسريح الملايين من العمال، وترتفع أعداد العمال المسرحين إلى عشرات، وربما مئات الملايين، خلال مدة قصيرة، وعندما لا يعثر هؤلاء العمال على وظائف فسيحتجون. عندها، سيجد الحزب الشيوعي الصيني نفسه في مواجهة عشرات الملايين من المحتجين العاطلين عن العمل، وسيحاول الحزب إلقاء اللوم على عدو لا يمكن رؤيته. ومن ثم سينمو سخط المحتجين، الذين لا يصدّقون الحزب الحاكم، وستزداد الاحتجاجات وتتعاظم. يأمر الحزب الشيوعي الصيني«جيش التحرير الشعبي الصيني» بكسر الحصار، ولكن سلاح «البحرية الشعبية»، التابعة لجيش التحرير، يرد بأن الصين لا تملك النوع المناسب من القوات البحرية القادرة على تنفيذ هذه المهمة، وهو بالتالي غير قادر على الامتثال لهذه الأوامر. تتسع الاحتجاجات وتصبح أكثر إثارةً لقلق قادة الحزب، فيعلن الحزب الشيوعي الصيني بأنه قام بتلقين «الكلب الغربي» درساً، ويسعى بعدها لعقد مؤتمر سلام في جنيف».
تقول إحدى الافتراضات التي وضعها هاميس بأنه «من المحتمل جداً أن يكون الصراع مع الصين عبارةً عن حربٍ طويلة»، والتي من شأنها أن «تؤدي لأضرار جسيمة في الاقتصاد العالمي». بلغةٍ مبسطة، فإن الحصار المفروض على بلاد تنتج أكثر من 15%من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتي تُعدّ أكبر شريك تجاري لـ 77 دولة أخرى على الأقل، سوف يحطّم شبكات التمويل والإنتاج والتجارة العالمية، ومن شأن هذا أن يؤدي إلى كسادٍ اقتصادي، ومحو تريليونات الدولارات من الأصول المالية، إضافةً لإضاعة عشرات الملايين من فرص العمل.
إلى جانب ما سبق، فقد قدّم هاميس اقتراحاً غريباً، ينصُّ على أنه في وسط هذه الكارثة الاجتماعية- الاقتصادية، فإن «الجغرافيا البحرية ستسمح لبقية العالم بإعادة بناء شبكات التداول من دون الصين».
ويشرح هاميس مجموعة الردود العسكرية والدبلوماسية، التي كان من المرجح أن تقوم بها الصين، والتي تشمل تنفيذ هجمات محتملة على اليابان وكوريا الجنوبية، وتنفيذ غزو واسع النطاق لتايوان، وتحدي لـ «شرعية الحصار»، وبذل جهود لـ «حث الدول الأوروبية على الضغط على الولايات المتحدة لإيقاف تدخلها في التجارة».
تعطي الوثائق التي يصدرها المحللون الأمريكيون فكرة مذهلة عن عقلية مجموعة الأفراد ،المحللين، الذين تؤثر وجهات نظرهم الاستراتيجية على قرارات الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل كبير. إنهم يناقشون بهدوء كيفية القتال في الحرب العالمية الثالثة، وإغراق شعوب العالم في الهاوية. وفي الوقت الذي يعلنون فيه، بحماس، بأنهم لا يريدون حرباً نووية، فإنهم على استعداد للمخاطرة بإثارة حرب من هذا النوع. حيث أنهم يعتبرون، في التحليل النهائي، بأن هذا يُعتبر نتيجةً أفضل من فقدان الإمبريالية الأمريكية لهيمنتها العالمية.
عن موقع «جلوبال ريسيرتش Globalresearch.ca» بتصرف