طمأنة سريعة عن الاقتصاد الفنزويلي
لقد وضع العدالة الاقتصادية ــــ الاجتماعية والسياسية في المقدمة، وها هي واشنطن، وبقية قوى الظلام تكرهه من أجل ذلك، هم يريدون استبداله، يريدونه ميتاً ربما، لذا فقد استهدفوا الاقتصاد الفنزويلي منذ تسلم شافيز لسدة الرئاسة، في شباط 1999، ولم يتوقفوا منذ ذلك الحين. ولكنهم لم ينجحوا أبداً، لقد راهنوا على معركة خاسرة، فالفنزويليون يثمنون غالياً نمط العدالة البوليفارية، وسيدافعون عن الأشياء الثمينة التي يجب ألا تضيع.
بروباغندا الغرب وأرقام فنزويلا
تعكس «ماري أوغرايدي»، محررة أحد أعمدة جرائد «وول ستريت»، أسوأ نمط من أنماط الصحافة الاقتصادية، فهي تتخصص في إعادة اختراع التاريخ. لقد عنونت إحدى مقالاتها، في الثاني من كانون الأول، بـ: «بابا الفاتيكان، الدولة، وفنزويلا»، وصفت، من خلالها الرجل بأنه: «ناقد شديد لسياسات السوق الحرة» ووصفت سياساته بـ: «طغيان الدولة»، وادَّعت بأن الفنزويليين «يغرقون في الفقر، بسبب سياساته المعادية لاقتصاد السوق» و«يحتاج الأمر لمعجزة». كما دعت فنزويلا بـ: «الدليل الأول، إنها دليل التعليمات الخاص بزيادة شقاء الجنس البشري» وأتَّبعت ذلك بالكثير من الأكاذيب. على كل حال، إن الاقتصاد الفنزويلي بعيد كل البعد عن المشاكل، ولا تتوقع من هذه الصحفية أن تشرح هذه التحريفات والمغالطات حول هذا الموضوع.
لقد بينت نتائج عام 2013 الأخيرة نتائج لم تكن بقوة التنبؤات السابقة، ولكنها بقيت إيجابية للغاية، فقد سجل الربع الثالث معدل نمو قارب 1.1 بالمائة. وقد كانت تلك النتائج الربعية الإيجابية الثانية عشرة على التوالي، وبالاستناد إلى تقرير بنك فنزويلا المركزي في الربع الثالث، يسجل قطاع النفط نمواً بمقدار 0.7 بالمائة. وسجلت قطاعات أخرى نمواً بمقدار 1.7 بالمائة. ووصل معدل النمو 1.4 بالمائة إلى الآن، وسجل الربع الثاني أقوى المعدلات بـ 2.6 بالمائة.
وهاهي واشنطن تزور المعطيات الاقتصادية من جديد، بقصد إخفاء مدى سوء الأمور لديها، لاشيء يوحي بالتفاؤل للملايين من الأمريكيين في المستقبل. أما الفنزويليون، فهم بحال أفضل بكثير، والفوائد البوليفارية تتضمن ما لا يقدر الأمريكيون على تخيله. فالفنزويليون يتنعمون بديمقراطية تشاركية، رعاية صحية عالية النوعية دون أي كلفة، وتعليم مجاني حتى المراحل العليا، والكثير الكثير من المزايا الأخرى. وهاهو شافيز يقلِّص من نسبة الفقر من 60 بالمائة إلى 26 بالمائة، وتناقص معدل الفقر المدقع من 16 بالمائة إلى 7 بالمائة فقط، مع الحفاظ على معدل نمو مثير للإعجاب منذ سنين وإلى الآن، ففي عام 2011 كانت نسبته 4.8%، وفي عام 2012 وصل إلى 5.6%.
خلق شافيز فرصاً للعمل، مما خفض البطالة بشكل كبير. والحد الأدنى للأجور هو الأعلى لدى الفنزويليين في أمريكا اللاتينية. يحصل ذوو الاحتياجات الخاصة والنساء، دون دخل على 60%، من دعم الحد الأدنى للأجور. سحب تشافيز فنزويلا من عمل السخرة الخاص بديون الصندوق الدولي.
وفقاً لأحدث بيانات الإحصاء في المعهد الوطني، فقد انخفضت البطالة من 7.8% في أيلول، إلى 7.6%. وهي تقييمات دقيقة لمعدل البطالة، وليست وهمية مثل الحال في أمريكا، حيث أن السجلات تشير إلى أن معدل البطالة هو 7.3% بينما هو في الحقيقة 23.5%، وذلك لأنها تقوم على أساس نموذج عام 1980 للإحصاء.
«عذراً كارهي فنزويلا»
يمتلك الفنزويليون اليوم أكبر احتياطي للنفط في العالم. ملايين من الفدانات من المساحات الزراعية تمت إعادتها إلى أصحابها، مما جعل عشرات الآلاف من المزارعين يمتلكون أراضيهم الخاصة للمرة الأولى. تم التخلص من الأمية بشكل كامل، والديمقراطية الفنزويلية اليوم هي الأفضل، لا نظير لها، انتخاباتها مفتوحة وحرة وعادلة، على النقيض من الحالة الأمريكية المزيفة، وهاهم الناس العاديون يتمتعون بما يريدون من الديمقراطية.
أظهرت بيانات البنك المركزي الفنزويلي أن فائض الحكومة ارتفع بنسبة 82.5% سنة بعد سنة، وأن الفائض التجاري إيجابي، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على رأس المال الأجنبي. ويبقى التضخم مرتفعاً بصورة غير مقبولة، حيث تقوم قوى الظلام بالتلاعب بالأسعار واحتكار المواد.
في السابع من نوفمبر، عنون الاقتصادي «مارك ويزبروت»، العامل في مركز البحوث السياسية والاقتصادية مقالة بعنوان «عذراً كارهي فنزويلا»، هذا ليس اقتصاد اليونان في أمريكا الجنوبية. في الواقع إنه ليس كذلك، بل على النقيض تماماً. سنة بعد سنة يتوقع كارهو البوليفارية زوال فنزويلا. هم يدعون أن اقتصادها ينهار، ويرون انهيارها الاقتصادي قاب قوسين أو أدنى. ومازالوا ينتظرون، منذ عام 1999 شهدت فنزويلا حالتي ركود. دبرت واشنطن إضراب إدارة النفط في 2002-2003 وتسببت في إضراب عام واحد. أضرت الأزمة الاقتصادية في العامين 2008-2009 بمعظم الاقتصادات العالمية ومن ضمنها فنزويلا، ومنذ عام 2003 بلغ متوسط النمو السنوي 2.7% . لقد انخفض معدل الفقر بنسبة تزيد على النصف، وتم تسجيل معدلات توظيف مبشرة وواعدة وتحسنت أمور الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد والتعليم على نحو ملحوظ. وها هي فنزويلا اليوم تواجه مشاكل اقتصادية، فهل «ستتحقق أحلام المبشرين بخرابها أخيراً؟»، يسأل ويزبروت.
هذا غير مرجح، لقد كانوا مخطئين من قبل وهم مخطئون الآن أكثر من أي وقت مضى، «كيف يمكن لحكومة تملك تسعين ملياراً من أرباح النفط أن تعاني من أزمة التوازن في الأجور؟». لن تفرغ صناديق هذه الحكومة من الدولارات، حيث يرى محللو «بنك أميركا» في السندات الفنزويلية الاستثمار الجيد.
يملك البنك المركزي الفنزويلي 21.7 مليار من الاحتياطي النقدي، ويدلي الاقتصاديون المعارضون برأيهم: «تستطيع الوكالات الحكومية الأخرى أن تحتفظ بـ 15 مليار دولار إضافي أيضاً». تعكس هذه المعطيات، وغيرها أيضاً، مدى سلامة الاقتصاد، ويقول ويزبروت أن فنزويلا تملك القدرة على أن تستدين المزيد من الأموال دولياً عند الحاجة.
إن معدلات زيادة التضخم تبقى «محدودة جداً»، فقد بلغت 2.9 بالمائة شهرياً فقط في عام 2012، وهو من المعدلات التي تراها فنزويلا مرتفعة اليوم. ويتابع ويزبروت شارحاً: «تستطيع فنزويلا، وعلى الرغم من مشاكلها، تأمين معدل نمو ممتاز، والحد من التضخم في الوقت نفسه».
استكمال النهج البوليفاري
سيصوت الفنزويليون في الثامن من تشرين الثاني، لاختيار المحافظين ورؤساء البلديات في البلاد، أي أن هناك ما يقارب من 2800 منطقة ستتأثر بذلك.
تتجمع قوى المعارضة الظلامية لتجعل من هذا اليوم رمزاً لمعاداة نهج الرئيس مادورو، لكن رصداً سريعاً للآراء الشعبية أظهر أن 6% فقط سيصوتون ضد مادورو. بالاستناد إلى أقوال رئيس الحملة الحكومية الانتخابية «فرانشيسكو أميلياتش»: «إن المهمة الكبرى لمرشحي الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا تتلخص في حشد الناس لدعم الرئيس مادورو ونهجه الاقتصادي».
أعلن مادورو يوم الثامن من تشرين الثاني يوم الوفاء والإخلاص لهوغو شافيز، إنه اليوم الموافق لذكرى خطابه الأخير إلى العامة، لقد طلب من الناس انتخاب مادورو في غيابه، و «في الثامن من تشرين الثاني، لن يخذل الشعب القائد شافيز»، كما يقول مادورو.
تشير الإحصائيات الشعبية الأخيرة إلى زيادة في شعبيته، وربما ستعكس نتائج الانتخابات البلدية ذلك، وحل المشكلات الاقتصادية يعتمد جزئياً على حل المشكلات السياسية المتعلقة بها. تريد القوى السوداء تدمير العدالة الاجتماعية، تريد استبدالها بظلم وحشي، يتم استخدام تكتيكات قذرة تثبت تدخل واشنطن في كل التفاصيل. لقد حذر مادورو من حقيقة قيام قوى المعارضة بالهجوم على الشبكة الكهربائية الفنزويلية قرابة الانتخابات البلدية، لقد فعلوها من قبل، وسيفعلونها مجدداً، وأكثر من ذلك، وبعد إعادة التيار الكهربائي المقطوع عن كاراكاس، ظهر مادورو مباشرة على التلفاز قائلاً: «كن قوياً ضد هذه الحرب الكهربائية التي أعلنها الفاشيون ضد شعبنا».
قد يخرج الكثيرون لتدمير العدالة البوليفارية، إنهم يريدون استبدالها بقساوة الليبرالية الجديدة، إنهم يريدون ما سماه سيمون بوليفار بـ«اللعنة الإمبريالية»، «جلب البؤس والشقاء لأمريكا اللاتينية باسم الحرية»، إنهم يريدون ما لا يطيق معظم الفنزويليين تحمله، إن النهج البوليفاري أغلى من أن يتم خسارته بهذه الطريقة.
ترجمة: جيهان الذياب