كيف يمكن زيادة الأجور دون ارتفاع الأسعار؟
مقاربة اقتصادية في ضوء قانون فائض القيمة لكارل ماركس - تَطرح مسألة زيادة الأجور غالباً في الخطاب الرسمي والاقتصادي خطراً مباشراً يؤدي حتماً إلى زيادة الأسعار والتضخم، ويستخدم هذا الطرح لتبرير الجمود في الأجور حتى في ظل تآكل القدرة الشرائية واتساع رقعة الفقر، غير أن هذا الربط بين زيادة الأجور وارتفاع الأسعار ليس قانوناً اقتصادياً مطلقاً بل خيارٌ سياسيٌّ اقتصاديٌّ معيَّن. ويقدِّم قانونُ فائض القيمة (القيمة الزائدة) الذي صاغه ماركس إطاراً تحليلياً يسمح بفهم كيف يمكن رفع الأجور دون تحميل المستهلك عبء ارتفاع الأسعار.
ماهية فائض القيمة في النظرية الماركسية
ينطلق ماركس من تحليل السلعة والعمل في النظام الرأسمالي ويعرف فائض القيمة (القيمة الزائدة) بأنه الفرق بين القيمة التي يخلقها العامل خلال يوم العمل (يمكننا وصفها بأنها قيمة عمله كاملاً) وبين قيمة ذلك الجزء «الضروري اجتماعياً» من عمل العامل (أي الضروري لتجديد قوة عمله). وما الأجر الذي يتقاضاه العامل سوى «السعر» الذي يتقاضاه مقابل قوة عمله.
فالعامل لا يدفع له مقابل كامل قيمة العمل التي ينتجها، بل مقابل جزء منها يكفي لإعادة إنتاج قوة عمله (المعيشة) بينما يستولي صاحب رأس المال على الباقي بوصفه فائض قيمة يتحول إلى ربح وفائدة وريع، أو تراكم رأسمالي.
وبذلك فإن الأجور لا تدفع من سعر السلعة بل من القيمة التي خلقها العامل بنفسه.
تفكيك مقولة أن زيادة الأجور تؤدي حتماً إلى زيادة الأسعار
وفق المنطق الرأسمالي السائد يقال إن رفع الأجور يزيد من تكاليف الإنتاج ما يدفع المنتج إلى رفع الأسعار، لكن هذا المنطق يفترض أمرين غير دقيقين:
أن هامش الربح ثابت ولا يتغير، وأن العامل لا يملك حقاً في فائض القيمة الذي ينتجه، وفي الواقع يمكن زيادة الأجور عبر إعادة توزيع فائض القيمة دون أي تغيير في أسعار السلع، وذلك من خلال تقليص جزء من الأرباح لا عبر تحميل المستهلك الكلفة.
زيادة الأجورعبر تقليص فائض القيمة النسبي
حيث يميز ماركس بين فائض القيمة المطلق الناتج عن إطالة يوم العمل وفائض القيمة النسبي الناتج عن رفع الإنتاجية وتقليل كلفة قوة العمل، في الحالة الثانية يمكن رفع إنتاجية العمل بالتكنولوجيا والتنظيم وتثبيت الأسعار، ثم زيادة حصة العامل من القيمة المنتجة، وبذلك ترتفع الأجور دون أي ضرورة اقتصادية لرفع الأسعار، لأن القيمة المنتجة لم تتغير بل تغيرت طريقة توزيعها.
الأجور والأرباح كعلاقة توزيع لا علاقة تكلفة
من منظور ماركسي الأجر والربح ليسا عنصرين مستقلين، بل طرفان في علاقة توزيع واحدة، فكل زيادة في الأجور تعني بالضرورة نقصاً في الأرباح وكل تضخم في الأرباح يكون على حساب الأجور، وبالتالي فإن السؤال الحقيقي ليس هل تؤدي زيادة الأجور إلى زيادة الأسعار، بل من يتحمل تكلفة تحسين مستوى معيشة العامل، المجتمع أم رأس المال؟!
دور الدولة في إعادة توزيع فائض القيمة
في الاقتصاد السياسي لا تترك مسألة توزيع فائض القيمة للسوق وحده، بل يمكن للدولة عبر التشريع والسياسة العامة أن تفرض حداً أدنى للأجور (يُقاس مدى العدالة أو الظلم النسبيّين للحد الأدنى للأجور، على التوالي بمدى تلبيته للحدّ الأدنى لمستوى المعيشة فما فوق، فيكون عادلاً نسبياً، أو بقائه أدنى من الحد الأدنى لمستوى المعيشة، فيعتبر ظالماً ويشتد عسفاً ووحشية كلما انحدر أكثر تحت هذا المستوى). كما يمكن للدولة أن تفرض ضرائب تصاعدية على الأرباح العالية وتضبط هوامش الربح في القطاعات الاحتكارية وتدعم الإنتاج الحقيقي وتدعم الاستهلاك الشعبي للأغلبية الطبقية في المجتمع وليس مجرد الاستهلاك الترفي الفاحش لحفنة أغنياء. وبذلك تتحقق زيادة الأجور كخيار اجتماعي لا كعبء تضخمي.
الواقع السوري وسوء استخدام حجة التضخم
في الواقع السوري تستخدم حجة الخوف من التضخم لتجميد الأجور في حين تترك هوامش ربح دون رقابة حقيقية وترفع الأسعار لأسباب احتكارية ومضاربية، ولا تربط الأجور بالإنتاجية أو سلة المعيشة، وهو ما يجعل التضخم واقعاً حتى دون زيادة أجور، ما يكشف زيف الحجة الاقتصادية المطروحة.
إن زيادة الأجور دون رفع الأسعار ليست مسألة مستحيلة اقتصادياً بل خيارٌ سياسيٌّ واجتماعيّ. ويبين قانون فائض القيمة لكارل ماركس أن الأجور يمكن زيادتها عبر إعادة توزيع القيمة المنتجة وتقليص الأرباح المفرطة وتدخُّل الدولة لضبط علاقات الإنتاج.
حين يقال إنّ زيادة الأجور تؤدي حتماً إلى زيادة الأسعار فإنّ السؤال الغائب هو لماذا يعد المساس بأرباح رأس المال محرَّماً بينما يعتبر المساس بمعيشة العامل ضرورة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258