إشكالية الموظفين بعقود سنوية وموسمية في سوريا
تعد الوظيفة العامة أحد أعمدة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتقوم في جوهرها على مبدأي الاستقرار الوظيفي والمساواة في الحقوق والواجبات، غير أن الواقع الإداري في سوريا أفرز خلال العقود الأخيرة فئة واسعة من العاملين في القطاع العام خارج إطار التثبيت الوظيفي تحت مسميات العقود السنوية والموسمية، وقد تحولت هذه الصيغة التي أقرت أصلاً كحل استثنائي ومؤقت إلى نمط تشغيل دائم مقنَّع أفرز ظلماً قانونياً وإنسانياً متراكماً يتجدد كل عام مع صدور قرار تجديد العقود. فيما يلي دراسة قانونية إدارية في غياب العدالة الوظيفية والاستقرار المهني.
الإطار القانوني لعقود السنوية والموسمية
يستند تشغيل العاملين بعقود سنوية أو موسمية إلى أحكام متفرقة في قانون العاملين الأساسي بالدولة رقم /50/ لعام 2004 وتعديلاته إضافة إلى قرارات وتعليمات تنفيذية، وقد شرع هذا النوع من التعاقد لتغطية:
حاجات مؤقتة أو موسمية أو نقص طارئ في الكادر أو أعمال لا تستدعي التعيين الدائم. إلا أن التطبيق العملي أفرغ هذا التنظيم من مضمونه حيث استخدم التعاقد المؤقت لتغطية وظائف دائمة وأساسية في المرفق العام.
التجديد السنوي وعبارة «حسب الحاجة كإشكالية قانونية»
من أخطر أوجه الظلم الواقع على هؤلاء العاملين هو ربط تجديد عقودهم سنوياً بعبارة «حسب الحاجة»، فهذه العبارة تفتقر إلى تعريف قانوني واضح ولا تستند إلى معايير موضوعية قابلة للقياس، ولا تربط بخطط موارد بشرية أو توصيفات وظيفية معتمدة، وبذلك تتحول من أداة تنظيمية إلى سلطة تقديرية مطلقة بيد الإدارة تجعل مصير العامل معلقاً بتقدير غير معلن وغير قابل للمساءلة.
قرار التجديد كأداة ضغط إداري ونفسي
عملياً لا ينظر إلى قرار تجديد العقد كإجراء إداري عادي، بل كوسيلة ضغط سنوية تمارس على العامل، حيث يعيش طوال العام في حالة ترقُّب وخوف من عقد التجديد ويجبر على القبول بأي ظروف عمل خشية فقدان مصدر رزقه، ويمتنع عليه المطالبة بحقوقه أو إبداء رأيه. وهكذا يتحول التجديد من ضمان للاستمرارية إلى سيف مسلط على رقبة العامل يقوِّض كرامته المهنية.
الاستمرارية دون تثبيت والتحايل على القانون
من أبلغ صور الظلم أن يجدد عقد العامل لسنوات طويلة متتالية ويؤدي خلالها عملاً دائماً وجوهرياً ثم يعامل قانونياً معاملة المؤقت بلا أي حق مكتسب، فالإدارة من جهة تعترف بالحاجة الفعلية عبر التجديد المستمر، ومن جهة أخرى تنكر هذه الحاجة قانونياً للتهرُّب من التثبيت والضمانات الوظيفية والالتزامات المالية، وهو ما يشكل تحايلاً على القانون ومخالفة لمبدأ حسن النية في العلاقات التعاقدية الإدارية.
غياب الحماية القضائية والضمانات القانونية
بسبب توصيف إنهاء العقود على أنه انتهاء مدة، يحرم العامل من حق الطعن الفعلي بقرار عدم التجديد وإلزام الإدارة بتسبيب قراراها، ويحرم العامل من أي رقابة قضائية حقيقية على تعسف السلطة في قراراتها، فيتحول العامل إلى طرف ضعيف مجرد من أدوات الدفاع، في إخلال واضح بمبدأ المشروعية.
التمييز في الحقوق ومخالفة مبدأ المساواة
يؤدي هذا النمط من التشغيل إلى تمييز غير مشروع داخل المرفق العام، حيث يعمل المتعاقد جنباً إلى جنب مع الموظَّف المثبت، ويؤدي الواجبات نفسها، لكنه يحرم من العلاوات والترفيعات والتعويضات والتدريب والاستقرار المهني، وهو ما يخالف مبدأ الأجر المتساوي عن العمل المتساوي ومبدأ المساواة أمام القانون.
هشاشة الوضع الاجتماعي والنفسي
لا تقتصر آثار هذه السياسة على الجانب القانوني بل تمتد إلى البعد الإنساني فهناك قلق دائم يتكرر سنوياً وعجز عن تخطيط للحياة الشخصية (زواج، سكن، قروض) وشعور الموظف بالظلم والتهميش.
تحويل الاستثناء إلى قاعدة وتشويه الوظيفة العامة
الأصل أن يكون التعاقد المؤقت استثناءً محدوداً بزمن وحاجة طارئة، لكن التوسع في التجديد السنوي حوَّل الاستثناء إلى قاعدة، وفرَّغ مبدأ المسابقة من مضمونه، وشوَّه مفهومَ الوظيفة العامة والاستقرار المؤسسي.
إن الظلم الذي يتعرض له الموظفون بعقود سنوية وموسمية، ولا سيما قرارات التجديد السنوي حسب الحاجة، هو ظلم مركب، لأنه قانونياً يعني غياب المعايير والضمانات وإنسانياً هو إبقاء العامل رهينة القلق السنوي ومؤسسياً تشويه للوظيفة العامة، ولا يمكن لأي إصلاح إداري حقيقي أو لأي مشروع قانون خدمة مدنية جديد أن ينجح دون معالجة جذرية وعادلة لهذه الإشكالية.
إن الموظف الذي يجدد عقده سنوياً بحجة الحاجة هو موظف دائم في الواقع، مؤقت في القانون، يدفع ثمن هذا التناقض من أمنه وكرامته ومستقبله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258
ميلاد شوقي