السورية للاتصالات تمدد إجازات المهدَّدين بالفصل بدلاً من إعادتهم لعملهم
شهدت قضية موظَّفي الاتصالات تطوراً جديداً، حيث تم تمديد الإخطار الوارد سابقاً حتى تاريخ 31/12/2025. وكنا قد أوردنا قضيتهم في العدد 1247 من «قاسيون» بتاريخ 13 تشرين الأول تحت عنوان «موظفو الاتصالات: لحّقونا قبل ما يسرحونا»، بناءً على أن القرار الصادر عن الشركة السورية للاتصالات رقم 584/1 بمادته الثانية نص على تكليف الإدارة التنفيذية بإخطار العاملين الممنوحين إجازات مأجورة بموجب المادة الأولى بأنه سيتم إنهاء عقودهم مع نهاية الإجازة. هذا الأمر دفع العاملين المتضررين للمسارعة بمناشدة المعنيين والمسؤولين بضرورة اللحاق بهم قبل «وقوع الفأس بالرأس».
مع صدور التمديد الجديد حتى نهاية السنة، تنفّس العاملون الصعداء مؤقّتاً، علّهم يستفيدون من هذه المهلة لمواصلة محاولاتهم لطي القرار والعودة إلى وظائفهم، التي يحتاجونها كما تحتاجهم، كونهم من الخبرات والكفاءات العلمية والعملية.
للحقيقة، لم يتوقع العاملون المعنيون بالإخطار والمهددون بإنهاء عملهم صدور قرار التمديد رقم 763/1 الصادر عن الشركة السورية للاتصالات بتاريخ 30-10-2025، رغم محاولاتهم العديدة عبر المراجعات والكتب والمراسلات ورسائل التظلُّم والمناشدات. لكن قرار التمديد أشعل مجدداً بارقة الأمل لديهم، معتبرين إياه مؤشراً على اعتدال الميزان الحكومي بشكل عام وإدارة شركتهم بشكل خاص. فهم، منذ صدور القرارات الخاصة بهم، يطرحون عشرات الاقتراحات والحلول التي تساعد على تصويب أي قرار، سواء من خلال فتح تحقيقات نزيهة ومحايدة بقضايا الفساد، أو تشكيل لجان تقييم مهنية للكفاءات، وهم من كانوا أول المطالبين باجتثاث الفساد وإنهاء المحسوبيات وردع المتلاعبين أو «الموظفين الوهميّين» وغيرها من الظواهر الفاسدة والشاذة المضرة بمسار العمل والعدالة الوظيفية معاً.
عودة البعض لا تُغني عن الكل
إنّ الإيجابية التي تلقَّى بها الموظفون القرار الجديد، ومتابعتهم للموضوع بحرص وإصرارهم على عدالة هذا الملف، تستدعي من الجهات الحكومية والإدارات المعنية العودة عن قرار الإخطار والتمديد وغيرهما، وطي القرار الأصل، وإعادة الموظفين إلى أماكن عملهم - «ويا دار ما دخلك شر» - مع جبر الضرر وتعويضهم عمّا فاتهم من حقوق مالية. هذا يأتي أسوة بقوائم الموظفين التي صدرت بإعادة عشرات موظفي الاتصالات إلى أعمالهم، وهي خطوة تُثلج الصدر رغم غياب المعايير الواضحة لعودة أولئك واستثناء هؤلاء.
فغياب المعايير، والاكتفاء بمقولات مثل «المصلحة العامة» و«الحاجة الوظيفية» وغيرها من المفردات العامة غير المفصّلة والموضحة، يجعل من هذا القرار الاستثنائي موضوعاً مبهماً لا يمكن التعاطي معه بتسليم مطلق. بل على العكس، يترك انطباعاً سلبياً ويطلق العنان للتكهنات والهمهمات. وسيستمر المعنيّون بمحاولة فهم الطرق والمعايير التي اختارت تلك الأسماء دوناً عن غيرها، حتى يصلوا للحقيقة، ليس من باب الفضول وحب الاستطلاع، بل لأنهم المعنيون المباشرون والمتضررون الوحيدون الذين يبتلعون مرارة الظلم وشقاء العيش مع انهيار الأمن الوظيفي، وبالتالي الاجتماعي، دفعة واحدة.
تعنُّتٌ حكومي وتعالٍ إداري
يبقى ملفُّ عمّال الاتصالات واحداً من مئات الملفات العالقة التي لم تُعالج، ولا يمكن تلمُّس نية حقيقية لحلها من قبل المتسبّبين بها. ورغم كل المتابعات والشكاوى والنشاط «الفيسبوكي» للمتضرّرين، وإصرار الإعلام النقابي العمالي والقوى المجتمعية والسياسية الحية على عدم السماح بسقوط المطالب بالتقادم، ما زالت السلطات المعنية تتعالى عن نقاش الحلول وتمضي في إجراءاتها دون أن يرف لها جفن، وكأنها غير معنية بعشرات الآلاف من العمال الخاسرين لوظائفهم وقوت يومهم وكرامتهم الاجتماعية.
هذا التخلّي عن مسؤوليات السلطة ودورها يتّسم بالفظاظة والوضوح، وكأنها لا تشعر بمدى تراكم الاحتقان لدى عموم الطبقة العاملة بشكل عام، والمطرودين من وظائفهم بشكل خاص. واستمرار هذا الانفصال عن الواقع سيؤدّي بالضرورة إلى تراكمات لا يتجاهلها إلا غَشيمٌ أو سَليط. وهذا ما يجعل من جملة الملفات الوظيفية والمعيشية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية حزمةً واحدة تثقل كاهل الأغلبية الطبقية السورية والطبقات المنتجة الأخرى، مما يعقّد الوضع العام للبلاد فوق تعقيده الحالي، ويجعل من الضرورة الوطنية السير باتجاه تغيير جذري وشامل، يكون كفيلاً بالحفاظ على كرامة الوطن وكرامة أبنائه ومستقبله.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1253
هاشم اليعقوبي