خطة ترامب حول أوكرانيا… هل تكون فرصة جديدة أم إقراراً بالهزيمة؟

خطة ترامب حول أوكرانيا… هل تكون فرصة جديدة أم إقراراً بالهزيمة؟

جاء الإعلان الأمريكي الأخير بخصوص إنهاء الحرب في أوكرانيا وكل ما رافقه من تسريبات في وسائل الإعلام بمثابة صدمة للبعض، فرغم أن الموقف الأمريكي كان يتأرجح في الآونة الأخيرة، ولا يخلوا من التصعيد إلا أنّ قمّة ألاسكا التي انعقدت شهر آب الماضي كانت خطوة في الطريق الوحيد! ويبدو أن الواقع يفرض نفسه مجدداً في ظل تقدم عسكري روسي لا يمكن إنكاره، ما يجعل خيارات أوكرانيا أضيق، هي والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي من خلفها.

بحسب ما جرى تداوله في وسائل إعلام متعددة، سلّم الجانب الأمريكي خطة مكونة من 28 بنداً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 20 من شهر تشرين الثاني الجاري، وسرعان ما بدأت وسائل الإعلام تنشر بنود الخطة في اليوم التالي مباشرةً، مع تأكيدات قدّمها مسؤولون أوكرانيون
وأمريكيون، ثم لم يمض وقتٌ طويل حتى خرج الرئيس ترامب بنفسه ليقطع الشائعات، ويؤكد الخطة، بل ويمهل كييف حتى يوم الخميس 27 تشرين الثاني لقبولها! وتعقد اليوم الأحد 23 تشرين الثاني مشاورات بين الترويكا الأوروبية «بريطانيا - ألمانيا - فرنسا» إلى جانب ممثل عن أوكرانيا بهدف «تقريب وجهات النظر» مع الجانب الأمريكي.


ما الذي يجري تداوله حول البنود الـ 28؟


قبل رصد التطورات الأخيرة في هذا الملف، يمكننا أن نستعرض أهم ما يجري تداوله حول خطة ترامب، ورغم وجود بعض التباينات بين وسيلة إعلام وأخرى، وفي غياب نص رسمي معلن لهذه البنود، تظهر أمامنا تأكيدات على أن العناوين العريضة للخطة تتحدث عن تسوية بخصوص الأراضي، وتنص على اعتراف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى دونيتسك ولوغانسك بوصفها أراضٍ روسية بحكم الأمر الواقع، وتجميد الوضع الحالي في خيرسون وزابوروجيا على طول خط التماس، كما تشير الخطة إلى انسحاب القوات الأوكرانية من الجزء الذي تسيطر عليه من دونيتسك لإنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح. أما في المجال العسكري فيقترح الجانب الأمريكي تحديد حجم القوات المسلّحة الأوكرانية بـ 600,000 فرد مع التزام أوكراني يُثبّت دستورياً بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، ويوافق الحلف في المقابل على عدم نشر قوات في أوكرانيا.

وهناك تضارب حول طبيعة الضمانات التي تقدمّها واشنطن لأوكرانيا في حال شنّت روسيا أي عمل عسكري جديد على أوكرانيا، فمنها ما يشير إلى أن واشنطن ستكتفي بإعادة فرض عقوبات على روسيا، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنه سيكون هناك «رد عسكري منسق وحاسم» لكن مع الإشارة إلى أن كييف ستتعهد بالمثل من جانبها، وستخسر المظلة الأمريكية في حال «أطلقت صاروخاً واحداً على موسكو أو سانت بطرسبرغ».

هناك أيضاً بنود متعلقة برفع العقوبات عن روسيا، وعودتها إلى الاقتصاد العالمي، واستعادة مقعدها في مجموعة الثماني، بالإضافة إلى ضخ 100 مليار دولار من الأموال الروسية المجمدة إلى جانب 100 مليار أخرى تقدمها الدول الأوروبية لإعادة إعمار أوكرانيا، وتتم العملية بقيادة الولايات المتحدة التي ستحصل بموجب الاتفاق المطروح على 50% من الأرباح، وهناك ذكر أيضاً لشروط مرتبطة بمحطة زاباروجيا النووية، التي من المفترض أن يتم تشغيلها من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية، وتتقاسم روسيا وأوكرانيا الكهرباء بحصصٍ متساوية.


معنى هذا الطرح الآن!


اعتبر زيلينسكي أن اللحظات الحالية هي «أصعب لحظات في التاريخ الأوكراني» وقال: إنهم أمام خيارين؛ إما «فقدان الكرامة أو فقدان حليفٍ رئيسي»، ثم صرّح الرئيس الأمريكي وقال للصحفيين في البيت الأبيض في ردّه على احتمال رفض أوكرانيا للخطة: «يمكنه أن يقاتل حتى ينفطر قلبه الصغير» وذكرت مصادر أمريكية، أن الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على كييف شديدة، ويهددون بوقف كل أشكال المساعدات العسكرية والاستخباراتية، ما يعني أن أوكرانيا لن تكون قادرة على تحقيق أي إنجازات ملموسة على جبهات القتال، بل ستواجه انكسارات حتمية في خطوط دفاعها.

أما من الجانب الأوروبي، فرغم أن الموقف السلبي لا يمكن إخفاؤه، إلا أن مجموعة من الدول الغربية أصدرت بياناً على هامش اجتماع مجموعة العشرين، اعتبرت فيه المسودة الأمريكية «أساساً يتطلب عملاً إضافياً» وهو ما يفترض أن يكون على جدول أعمال لقاء جنيف، لكن وبعيداً عن التصريحات الدبلوماسية المنمقة، تظهر- مجدداً من خلال الخطة- محاولة أمريكية للخروج «بأقل الخسائر» بل وبتسويق هذه الخطة بوصفها «انتصار أمريكي» كما لو أنّ واشنطن لم تكن طرفاً في هذه الحرب، فخطة ترامب هي ببساطة إعلان استسلام مع محاولة لتحقيق مكاسب ثانوية، فبنود ترامب من حيث الجوهر هي رضوخ للمطالب الروسية.

التوجه الأمريكي هذا ليس جديداً، بل ينسجم فعلياً مع تأكيدات متكررة قدمها الرئيس ترامب بخصوص هذا الملف، وكانت آخر الطروحات المشابهة متزامنة مع قمة ألاسكا، ولكن هذا التيار الذي يعبر عنه ترامب اليوم لم يكن التيار الوحيد، بل بات واضحاً أن ترامب لم يكن قادراً على فرض هذا التوجه بعد قمة ألاسكا، وشهدنا بعدها مناورة واسعة، لم يحقق الأوروبيون والأمريكيون خلالها سوى هزائم جديدة على الجبهة، والخيار الوحيد المتبقي هو الخروج بالخسائر الحالية، لأن تأخير هذا الحل سيعني حتماً خسائر إضافية. خصوصاً في ظل استنزاف كل الخيارات التقليدية لتغيير موازين القوى على الجبهة، يبقى السؤال المطروح حول الدافع الأمريكي الحقيقي، فإذا افترضنا أن الدول الأوروبية وأوكرانيا سيرفضون المقترح، فسيجدون أنفسهم أمام واقع صعب لا يهدد بحسم الصراع عسكرياً وفرض هزيمة مذلة فحسب، بل أيضاً سيراهنون بذلك على استقرار دولهم التي باتت أكثر هشاشة من أيّ وقتٍ مضى، ويبدو من خلال التصريحات الأوكرانية والأوروبية أننا نتجه بالفعل نحو قبول الخطة من حيث المبدأ.

بعض التحليلات تحاول تقييم الموقف على أنّه محاولة أمريكية لرفع الضغط عن موسكو، واستمالتها إلى الجانب الغربي في المواجهة مع الصين، عبر تقديم مغريات، مثل: رفع العقوبات وإعادة دمجها في المنظومة الاقتصادية الغربية وإنهاء الحرب، لكن الواقع يقول غير ذلك تماماً، فهزيمة أوكرانيا هي في الواقع هزيمة للغرب مجتمعاً، ولحلف الناتو، وستكون سابقة تاريخية، وستنتج عنها ارتدادات لا يمكن احتواؤها، فإنهاء الحرب وفق خطة ترامب يعني تغيير خريطة أوروبا السياسية والعسكرية، وفرض توازن جديد حاول الغرب خلال أكثر من عقدٍ مضى تجاهله، وإن كان إنهاء الحرب يعني تفرغ الولايات المتحدة لجبهة الصين، إلا أن الوضع على تلك الجبهة لم يعد كما كان في بداية الألفية، فروسيا لن تكون مستعدة لإعادة تموضعها كما يعتقد البعض، وخصوصاً بعد أن تعرضت للخداع سابقاً، وهي وإن كانت مضطرة لتحصيل مكاسب محتملة، فهذا لن يكون على حساب علاقات استراتيجية بنتها موسكو مع بكين، ما يعني أننا أمام واقع جديد لا في أوروبا وحدها، بل في العالم، واقع يواجه فيه الغرب هزيمة عسكرية في أوروبا وأخرى اقتصادية على المستوى العالمي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1253
آخر تعديل على الأحد, 23 تشرين2/نوفمبر 2025 19:01