هل تعود الاحتجاجات العمالية إلى الشارع من جديد؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

هل تعود الاحتجاجات العمالية إلى الشارع من جديد؟

منذ صدور قرارات السلطات القائمة في الشهر الأول من هذا العام، التي أدت إلى الإضرار بمصالح مئات الآلاف من موظفي وعمال القطاع العام، شهدت المحافظات والمدن السورية مئات الاحتجاجات والمظاهرات والوقفات العمالية، بعد أن عجزت الكتب والاعتراضات ومقابلات المسؤولين عن الوصول إلى حلول ترضي العاملين المتضررين، سواء المفصولين أو الذين لم تُجدَّد عقودهم أو الذين مُنحوا إجازات مأجورة أو الذين توقفت معاملهم الإنتاجية.

ولم يكن ذلك النشاط العمالي في الشارع إلا دليلاً على جاهزية الطبقة العاملة للدفاع عن حقوقها ورفع المظلومية التاريخية عنها، وقد وجدت في الأجواء المستجدة الفرصة للعودة إلى الحراك المطلبي الطبقي، خاصة بعد نجاح التحرك الأول الذي قام به رجال إطفاء دمشق في ساحة يوسف العظمة أمام مبنى محافظة دمشق، حيث أغلقوا الساحة بسيارات الإطفاء، وقاموا بالاحتجاج عبر هتافات ومطالب مصاحبة لصوت أبواق سياراتهم. وكان هذا بمثابة اختراق نسبي «للسد العظيم» القائم بين الطبقة العاملة والشارع، والذي تضخم بشكل تراكمي خلال حقبة السلطة المستبدة الفاسدة الساقطة. وسرعان ما تتالت المطالبات والاحتجاجات وأخذت زخماً تدريجياً، ترافق مع الاستمرار بالقرارات المجحفة الصادرة بشكل عبثي وفوضوي.
مع مرور الشهر الأول، بدأت تظهر محاولات جادة وموضوعية لتنظيم الحراك العمالي المستمر، لتأطيره ضمن برنامج واحد وجامع يعي مطالبه وشعاراته وأدوات عمله. وهذا ما أدى إلى نجاح نسبي جدد الأمل بولادة حركة عمالية وازنة وواعية، تستطيع باستمرارها الوصول إلى أهدافها بإلغاء القرارات كلها دفعة واحدة، لتضمن لها لاحقاً أجوراً عادلة ونقابات فاعلة. ورغم محاولات احتوائها تارة وتخوينها تارة أخرى، بقيت مستمرة بل تطورت من حيث النوع وازدادت من حيث الكم، وانضمت محافظات ومدن جديدة لها. وتعرضت لأكثر من مرة لمحاولة قمع اجتماعي من فئات تمتهن الترهيب، ولم يثنها ذلك عن الاستمرار، حتى جاءت أحداث الساحل وتعقد الوضع الأمني هناك، وانعكس على باقي المحافظات، فانكفأت تلك الحركات العمالية بشكل فوري وابتعدت عن الشارع الذي أصبح خطراً إلى حد ما. لتؤكد أحداث السويداء لاحقاً حقيقة هذا الانكفاء. واختلفت القوى المشاركة والمتابعة للحراك العمالي بين أمرين: هل انتهت هذه «الفورة العمالية»؟ أم أنه مجرد انكفاء مؤقت ما يلبث أن ينتهي وقته لتعود الحركة العمالية إلى الشارع؟ وإن عادت، فهل ستعود بالزخم المتواضع السابق لها، أم أنها ستكون بطور جديد أعمق طرحاً وأكثر تنظيماً وأشد عوداً؟


حتمية العودة للشارع مع استمرار الأضرار


مرت أكثر من خمسة أشهر على غياب الحركة الاحتجاجية العمالية عن الشارع، إلا بعض المحاولات المتواضعة بخصوص مؤسسة أو مديرية هنا أو هناك. وقد حصل خلالها الكثير من التطورات على مستوى ملف عمال القطاع العام، منها الزيادة على الأجور، وتجديد عقود لمئات العمال، وطي الإجازة القسرية المأجورة، ومزيدٌ من قرارات الفصل وإنهاء العقود وكف اليد والنقل والندب، وإيقاف المواصلات لبعض القطاعات، وقرارات من لجان التقييم، وعدم تشميل الإجازات القسرية بالزيادة على الأجور، وترميم الشواغر بكوادر غير كفؤة بعقود «مطرزة بالدولار»، وغيرها من القرارات، بعضها إيجابي وأغلبها سلبي، لكنها تبقى ضمن القرارات المؤثرة بشكل مباشر في هذا الملف. ولكن هناك ما هو غير مباشر لكنه مباشر للحياة الاجتماعية للسوريين عموماً، وللطبقة العاملة والكادحين بشكل خاص، أهمها انتهاء الدعم الحكومي على كافة السلع وتسعيرها بالدولار لضمان أرباح للحكومة منها، والذي انعكس بشكل كارثي على الوضع المعيشي للمعتمدين على الأجر، إضافة للتوقف الجزئي أو الكلي للمنشآت الإنتاجية في القطاع الخاص، وارتفاع معدلات البطالة والفقر. مما يجعل أغلب المتابعين للأوضاع يرون أن عودة الطبقة العاملة للشارع أمر محتوم وأكيد، خاصة مع تزايد الاحتجاجات بطبقات وفئات مجتمعية أخرى، كما حصل بالوقفات ضد المرسوم 66 وأصحاب الفروغ وأصحاب الدراجات والعاملين المدنيين في وزارتي الدفاع والداخلية المفصولين، وإضراب معلمي إدلب، وغيرها من التحركات، وآخرها بما يتعلق بسعر الكهرباء الجديد. أي أن الطبقة العاملة، كغيرها من الطبقات، قد وجدت طريقها إلى الشارع بعد طول ضياع، ولا نعتقد بأنها ستضيعه مرة أخرى، ولنا في التاريخ القريب شاهد وحكمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1251