الحكومة: اصبروا علينا حتى نكمل عليكم
ما إن أصدرت الحكومة القرار الجديد الخاص بتسعير الكهرباء، حتى عجت وسائل التواصل الاجتماعي بجملة هائلة من الدراسات المالية والمقارنات والمنشورات البحثية المكثفة التي توضح نسبة الزيادة والقسمة الافتراضية للفواتير الجديدة، ومقاطع الفيديو المتهكمة والناقدة، وبعض اللقاءات مع المسؤولين. وتصدر الموضوع أحاديث الشارع السوري، خاصة أنه ترافق مع قرار تحديد مواعيد إغلاق المحلات ورفع سعر المحروقات، والذي انعكس بالتالي على أجور المواصلات والعديد من البضائع الأخرى. وذهب العاملون بأجر لحساب هذه الزيادة انطلاقاً من أجورهم أولاً، ثم بزيادة معيشتهم بناءً على حتمية ارتفاع سعر البضائع والمنتجات بالأسواق المحلية، ليكون قرار رفع سعر الكهرباء بالنسبة لهم مشكلة كبيرة جديدة تضاف لجملة الأوضاع الكارثية على مختلف الجهات.
الأسعار الجديدة تقضم جزءاً من الأجر الذي يضني صاحبه شهراً كاملاً كي يحصل عليه، وهذا القضم يزيد من تعقيد الوضع المعيشي لصاحب الأجر أياً كانت قيمته. وسبق أن صرحت الحكومة بأن هناك زيادة جديدة على الأجور، والبداية بقطاعي الصحة والتعليم، في محاولة منها للامتصاص المسبق لرد فعل العمال ومواقفهم. فقد عودتنا السلطة القائمة منذ وصولها وذهاب الأمر لها إلى تلك التكتيكات المتتالية التي تبدأ بحملات دعائية مستمرة تتحدث عن الفضاء الاقتصادي القادم في سورية المليء بالرخاء والعيش الرغيد والوفرة، وبعودة المهجرين واللاجئين، وتسابق المغتربين للوصول لأرض الوطن والتنعم بخياراته ونشاطه الاقتصادي، وستتحقق الأحلام «السنغافورية» دفعة واحدة. وكل ما علينا فعله كطبقة عاملة وكادحين وفقراء وعاطلين عن العمل أن نحلم ونصبر بضع سنين لا أكثر! وهذا الصبر طبيعي كوننا - «كما تدعي الحكومة» - قد لمسنا خلال أشهر قليلة خيراً وفيراً نعيش به كل يوم، داعمة تصريحاتها بإنجاز القرارات وقوانين الاستثمار، وبأرقام وإحصائيات للاستثمارات والإصلاحات والانفتاح الدولي والتغيير المحوري للاقتصاد والعلاقات الدولية، والتي - وفق تصريحاتها - انعكست بشكل مباشر علينا، وهذا سلاحنا للصبر والعمل! ولا نظن إلا أن السلطة بتصريحاتها تلك إما أنها تخدعنا بجرأة غير مسبوقة، أو أنها موهومة أشد الوهم لسبب ما زلنا كطبقة عاملة نجهل مصدره. فإذا أردنا أن نصبر بناءً على ما أنجزته الحكومة بالملموس الذي ادعته، فسنتحدث بموضوعية بالغة عما لمسناه لحد الآن بمنظور أصحاب الأجور والكادحين.
النتائج الحقيقية لما لمسه العمال
منذ الأسابيع الأولى وتولي السلطة لأجهزة الدولة، بدأت بالإجهاز على الجانب الإنتاجي في القطاع العام، فتوقفت نسبة كبيرة جداً من معامله «المُخسَّرة»، وجرى إعادة هيكلة إدارية له بالتزامن مع انفلات الحدود وغرق السوق المحلي بالبضائع الأجنبية، مما انعكس أيضاً على القطاع الخاص بمجمل قطاعاته الزراعية والصناعية والتجارية أيضاً. وبدأت عمليات التسريح والفصل والإجازات المأجورة وفسخ العقود أو عدم تجديدها للعاملين في الجهات الحكومية المدنية، وللعاملين المدنيين التابعين للمؤسسات غير المدنية كوزارة الدفاع والداخلية. وتتالت القرارات الحكومية المتعلقة بعمال القطاع العام، والذين انضموا لأخوتهم وأبناء طبقتهم في القطاع الخاص الذين توقفت ورشهم ومعاملهم التي يعملون بها عن العمل، لتتوسع دائرة المعطلين عن العمل، حيث سبقهم جميع العسكريين المتطوعين منهم والإجباريين ومن في حكمهم. وجرى كل ذلك مع انتهاء الدعم الحكومي على الخبز والمحروقات والمواصلات العامة، فارتفعت أسعارها بنسب مضاعفة، في حين انخفضت أسعار السلع الغذائية مع انخفاض سعر صرف الدولار المصاحب لارتفاع حجم العرض نتيجة إغراق السوق بالمنتجات العابرة للحدود. وتكاملت النتائج مع بعضها، ومع مرور الأشهر واستمرار القرارات ذاتها، تعقد الوضع المعيشي وأخذ الانهيار بالتسارع، فالبدائل غير متوفرة، وفرص العمل تضيق أكثر فأكثر، والأجور في القطاع الخاص تتراجع بسبب العرض والطلب ووهم انخفاض المعيشة، وعمت الفوضى بمؤسسات القطاع العام. ولم تستطع بعض القرارات الجزئية التي أعادت قلة من المفصولين وجددت بعض المتعاقدين من تخفيف أثر النتائج على العمل والعمال معاً.
الاستمرار رغم وضوح الأضرار
ثم جاءت الزيادة على الأجور، ولم تنجح هذه الزيادة في التأثير الواسع على الطبقة العاملة، فمئات الآلاف أصبحوا خارج أعمالهم أصلاً، والمعامل بقيت متوقفة، وأسعار المواد الأساسية التي انخفضت مؤقتاً عاودت الصعود من جديد، وارتفعت كلفة الاتصالات والمواصلات مرة أخرى، فابتلعت كل الزيادة وأكثر، خاصة مع تراجع خدمات القطاع الصحي الحكومي. وازدادت الفوضى والبطالة والفقر دون أي أفق للحل. وبعد قرار طي الإجازات المأجورة، استفادت قلة قليلة منها، كون الأغلبية جرى تعجيزهم وتطفيشهم بوسائل مختلفة، بعضها النقل والندب لجهات غير الجهات العاملين بها والبعيدة عن أماكن سكنهم، ومنها إيقاف ميزة النقل تحت ذريعة تقليل النفقات، وكذلك جرى مطالبة العمال الذين توقفت معاملهم بالدوام دون تأمين أي مواصلات لهم، مما جعل العمل غير مجدٍ. وهكذا بدأت الاستقالات بالزيادة يوماً بعد يوم. وبدلاً من أن تعود الحكومة عن قرارات الفصل، فضلت مواجهة نتائجها بالتعالي والردع تارة، وبالاحتواء والوعود والتسويف تارة أخرى. وتراكمت نتائج الأداء الحكومي حتى جاءت الجملة الأخيرة من القرارات الموجعة.
أيتها السلطة «لوين آخدينا»
خلال الأيام القليلة الماضية، ارتفعت أسعار المحروقات بشكل عام نتيجة اعتماد الحكومة للتسعير بالدولار، وكذلك رفع سعر ربطة الخبز، وزيادة هائلة بسعر الكهرباء، والتي تضاف لسلسلة القرارات السابقة. فإن كانت القرارات السابقة أدت لكل ذلك، فكيف بالقرارات الجديدة؟ فالسلطة منذ توليها الأمر أنتجت جيوشاً من العاطلين عن العمل، أضافت عليهم مئات الآلاف من المفصولين، وتوقفاً شبه كامل لمعامل القطاع العام وآلاف المنشآت الإنتاجية في القطاع الخاص، وارتفاع بالمعيشة من الخبز مروراً بالمحروقات وانتهاءً بالمواصلات والاتصالات، مع انخفاض واضح بالقوة الشرائية للأجور، مع عدم ضبطها لسعر الصرف. لتأتي القرارات الأخيرة وتدق المسمار الأخير بنعش الحياة الكريمة للطبقة العاملة والكادحين وصغار المنتجين والشرائح الأخرى المتضررة. فارتدادات القرارات ستأتي تباعاً، وعلى رأسها ارتفاع جديد بالمواد الأساسية المحلية الغذائية والدوائية ومواد التنظيف وغيرها، مما سيزيد من الفجوة الكبيرة بين الأجر وضرورات الحياة، وبالتالي غياب الأمن الاجتماعي المتهالك أصلاً. وهذا المسار الذي نحن فيه تعلم الطبقة العاملة إلى أين يذهب بنا؟ فإلى أين يا حكومة؟ «لوين آخدينا»؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1250
هاشم اليعقوبي