بصراحة .. بشو بدنا ندفّي ولادنا وما في باليد حيلة؟
الفقراء في أسوأ حالاتهم، يعيشون قهراً مزمناً بسبب أشياء كثيرة ومنها الوضع المعيشي المتدنّي جدّاً، والذي يسوء يوماً بعد يوم، فالجميع واقعٌ في حيرةٍ من أمره، كيف سيتدبّر معيشة يومه، سواء كان يعمل بأجر أو حِرفيّاً أو عاطلاً عن العمل. والأخير وضعه لا يحسد عليه!
الأحاديث التي تدور بين الفقراء في هذه الازدحامات اليومية كثيرةٌ ومتنوّعة، وسنعرض بعض المشاهدات اليومية التي تُسمَع وتُرى.
امرأةٌ في العقد الرابع من عمرها تعمل بائعة خبز عند أحد الأفران، تتحدّث عن الأوضاع المعيشية التي تعانيها، وبعد قليلٍ من تبادل الحديث معها تصرخ المرأة والغضب يتصاعد من عينَيها وتقول بأعلى صوتها: «الشتوية الماضية دفّيت الأولاد بإشعال الكراتين والبلاستيك والشحّاطات التي جمعناها من الحاويات والشوارع، بس هي السنة بشو بدنا ندفّيهم؟ منين بدنا نلاقي كرتون وشحّطات؟ غلّولنا المازوت وصار كل يوم له سعر حسب سعر الدولار».
عاملٌ يعمل في مهنة الكهرباء المنزلية، وفي تركيب وتمديد ألواح الطاقة التي أصبحت واسعة الانتشار بسبب وضع الكهرباء الذي يعرفه الجميع. وهذا العامل أو المهنيّ يبحث عن عمل في مجال اختصاصه؛ أحياناً يجد ومرّات لا يجد عملاً، ولكن الحظّ ابتسمَ له كما قال ووجد عملاً في شركة خاصة، اختصاصها تركيب وتشغيل ألواح الطاقة، فكانت سعادته كبيرة لأنّ هذه الشركة ستدفع له أجراً شهرياً، ولكن سعادة هذا المهنيّ لم تكتمل عند مراجعته لمقر الشركة ليتفق معهم، وكانت هناك شروط للعمل مجحفةٌ جداً ومخالفةٌ لقانون العمل؛ فطُلِب منه أنْ يوقّع على خمسة سندات أمانة فارغة، وطُلِب منه أن يوقعّ أيضاً على استقالةٍ مسبَقة مع عقد العمل، وبهذا يكون قد خسر المهنيّ فرصة عمله التي بنى عليها جزءاً من إمكانية تأمين ما يلزمه وعائلته من حاجات ضرورية.
عاملُ قطاع خاص يعمل في شركة، أجرُه اليوميّ 100 ألف ليرة سورية، بوصفهِ مهنيّاً جيداً في مكان عمله، ويَدفع ربّ العمل غلاء معيشة: 200 ألف ليرة سورية. ماذا سيفعل بهذه المبالغ الزهيدة لإطعام أسرته فقط؟ فما بالك ببقية الاحتياجات.
القاسم المشترك بينهم هو أزماتهم المستعصية على الحلول منذ أمد بعيد، والتي يجري تعميقها وتوسيع دائرتها لتشمل كلّ شيء. فإلى متى؟ وما يزيد الطين بلّة، أو بشكل أدقّ ما يشعل الغضب أكثر، ويرفع مستوى التذمر وعدم الرضا الكلّي عند أغلبية الشعب السوري المكتوي بالنار الحارقة التي يعيشها، هو سلوك السلطة تجاه ما يحتاجه الناس من مواد حيث ترتفع الأسعار دون حسيب أو رقيب.
ما نودُّ قولَه: إنّ الحكومات المتعاقبة جميعها، السابقة والحالية، لا حلول لديها تُقدّمها للناس، وهَمُّها الأساس هو جمعُ مواردها بأشكال مختلفة عبر المراسيم والقرارات التي تُحمّل الفقراء المزيد من الظلم وتقهرهم أكثر، حيث تُنهَب تلك الموارد بأشكال متنوعة من جيوب الفقراء، مهما اختلفت المسمّيات، بينما في الطرف الآخر العزيزون على قلبها يعيثون فساداً في لقمة الفقراء، عبر الاحتكار والنهب والفساد!
فهل يبقى الفقراء على حالهم أم سيغيّرون واقعَهم؟ إنّ غداً لناظِره لقريب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1244