بانتظار تثبيت العقود... لا بديل عن قرار شامل
تناقل ناشطون على مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ومجموعات «واتس أب» خاصة أنباءً عن نية الحكومة إصدارَ قرار يتضمَّن شروط تثبيت عمال وموظفي القطاع العام بعد الانتهاء من دراسته. لكن ذلك بقي ضمن إطار التداول غير الرسمي، في حين أكد تصريح الرئيس المؤقت للاتحاد العام لنقابات العمال فواز الأسعد لصحيفة الوطن أنّ «الاتحاد بالتعاون مع الفريق الحكومي يبذل جهوداً للمطالبة بتثبيت العاملين بعقود والذين أكملوا خمس سنوات من الخدمة والذين يشكلون 20% من إجمالي العاملين بالدولة» - انتهى الاقتباس. وكالعادة فإن هذا التصريح لم يأتِ من فراغ، ويؤكد أنّ قراراً بخصوص موظفي العقود قيد الصدور أو قيد الدراسة على أقل تقدير، وفي حال صدر خلال الأسابيع القادمة يُفترَض أن يكون قراراً إيجابياً يضاف لجملة قرارات سابقة لكنه قد يحمل عيوبها أيضاً.
ما إنْ تمّ تداول الخبر حتى انقسم المتداولون بين مرحِّبٍ ومشكِّكٍ وحَذِرٍ ومعترِض. وهذا طبيعي في ظل محتواه المشابه لغيره من القرارات الإيجابية السابقة التي بجملتها انتقائية وجزئية ويغيب عنها شمولية العلاجات، كما حصل في تجديد العقود هنا وعدم تجديدها هناك، وإنهاء الإجازات القسرية السابقة دون إجراءات تنفيذية ملزمة، مما جعل الجهات الحكومية تتعامل معها بطرق ملتوية لا تؤدي لاستعادة الحقوق المصادرة سابقاً، فمن المفترض إذا ما صدر القرار ألَّا يكتفي بشمل السنين الخمس ولا الموجودين على رأس عملهم ولا من ترتأي مؤسسته أو مديريته أو وزارته أنها محتاجة له فقط، بل أنْ يكون قراراً شاملاً لا يستثني أحداً إلا بمعايير متفق عليها بين مختلف الأطراف، وذلك يتم من خلال حوار مفتوح واسع يشمل القوى المجتمعية والنقابية والسياسية المعنية، خاصة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد، سواء من ناحية الاستقرار الأهلي الاجتماعي أو من خلال الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور لمستويات غير مسبوقة. وبالنسبة للحكومة وبمنظورها كربّ عمل ستبحث عن مصلحتها دونما تقيُّد بمصالح الموظفين والعمّال وبالتالي سيخرج القرار «مخصْوَر» مفصَّلاً على قياسها وأقرب للانتقائية والتفرد والتخدير.
ما مصير من أنهى القرارُ السابقُ عقدَه؟
إن خرج القرار بمحتواه كما جاء في تصريح رئيس المنظمة فإننا لا نعلم إن كان سيشمل جميع من مرَّ على عقده خمس سنين أمْ سيكون خاصاً بالقائم على رأس عمله؟ فهنالك آلافٌ من عمال العقود الذين يملكون أكثر من خمس سنين عمل، ويصل بعضهم لخمسة عشرة سنة، لكن عقودهم لم تجدد تطبيقاً لقرارات الحكومة. فماذا عنهم؟ ويبرز استفسار آخر: هل سيكون قراراً ملزماً لجميع الجهات الحكومية أم سيكون القرار وفق حاجة الوزارات والهيئات؟ فالنسبة التي ذكرها رئيس المنظمة بأنها 20% من مجموع العاملين ستصبح بأحسن الأحوال 5% إذا ما تمت إضافة شرط «وفق الحاجة». ومن خلال متابعة التعليقات والمداخلات على مواقع التواصل الاجتماعي وفي التجمعات العمالية تم السؤال عما إذا كان القرار سيشمل الموظفين الذين توظفوا بمسابقة «المسرَّحين وذوي الشهداء» أم سيجري استثنائهم كما حصل سابقاً؟
الحوار والمشاركة طريق المعالجات جذرية
من الجيد جداً أن يخرج القرار مركزياً شاملاً، ودون استثناءات نهائياً، فهو بذلك يعالج جزءاً مهماً من تداعيات القرارات المجحفة والفوضوية السابقة، ولكن الأكثر إنجازاً أنْ يشمل جميع العاملين وفق منظومة العقود، ويعيد العمال والموظفين الذين انتهت عقودهم بناء على ما سبق من قرارات، وهذا لا ينفي ضرورة معالجات لاحقة بأطر علمية ومهنية تتيح دراسة كامل ملف العاملين في الدولة واجتثاث حالات الفساد أو العمالة الوهمية غيرها من الظواهر التي لا ينكرها أي عاقل وعالِم بالقطاع العام وأمراضه المزمنة. لكن ذلك يحتاج لوضع معايير نزيهة وعلمية تضمن قرارات موضوعية أكثر عدلاً تحل المشاكل من جذورها، عبر حل أسبابها لا نتائجها، فأكبر وهم قد يصيبنا هو اعتقادنا بأن علاج بعض النتائج يزيل الأسباب، بل على العكس سيزيد الترهل ترهلاً والفساد فساداً وستدخل واسطة مكان أخرى ومحسوبية ستزيح محسوبية غيرها، وستتكاثر الأمراض الإدارية حتى لا يقوى أحد على علاجها. وللوقاية من ذلك لا بدَّ من مشاركة جميع القوى في معالجة تلك القضايا، فالعقل الجمعي خير من الفردي، وإرادة التغيير تحتاج للوحدة، ولا سبيل إلى ذلك إلّا بالاعتراف بخطأ القرارات التي خرجت وفتح الحوار والمشاركة والبدء من جديد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1244