مناكل على قدّ الراتب
فرح عمار فرح عمار

مناكل على قدّ الراتب

يتمازح العاملون فيما بينهم حين يتطرّقون لقيمة أجورهم، وما يمكن أن تؤمّن لهم من احتياجاتهم المعيشية. فالبعض يقول «راتبي يساوي 50 سندويشة شاورما أو 15 علبة فيتامين مستورد»، ولكن هذا المزاح ما هو إلّا جزء من واقعهم، وهذه التراجيديا اليومية هي واقع ملموس، فلكل سلعة سعر ولا يمكن قياس أيّ أجر إلّا بقوّته الشرائية، فالحد الأدنى من الأجور فعلياً يساوي «10 كغ مسبَّحة» لا غير أمّا مَن أجره بحدود المليون ونصف المليون ليرة فقيمته تساوي 150 كغ بطاطا، وهكذا دواليك.

تتغيّر وجبات الطعام الخاصة بالأسر العمالية بتغير الدخل الذي تجنيه العائلة، فالأجر غير الأجرين، والأجران غير الثلاثة، وأضف إلى ذلك قيمة تلك الأجور منفردةً أو مجتمعة، وكيف تحاول الأسرة العمّالية توظيفَ قيمة هذه الأجور وتخصيصها لتغطية احتياجاتها الغذائية.
لنأخذْ فرضيّةً في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الحالية: لدينا أسرة تتألّف من خمسة أفراد، ويعيل هذه الأسرة ثلاثة أفراد منها، يعملون بمهنٍ مختلفة وأجور متفاوتة (الأب خبير مهني يبلغ راتبه الشهري 2 مليون ل.س، والأم موظَّفة في القطاع العام ويبلغ راتبها 300 ألف ل.س، والشاب يعمل في الخدمات التابعة لأحد المولات ويبلغ راتبه 900 ألف ل.س).
وبالتالي، فإنّ دخل الأسرة الإجمالي يبلغ 3.2 مليون ل.س، تنفقها الأسرة على احتياجاتها المختلفة (الغذاء، السكن، الطبابة، إلخ). وبناء على مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة فإنّ نسبة الغذاء من إجمالي التكاليف المعيشية تقدر بـ 60%، وبالتالي فإنّ الجزء المقتطَع من دخل الأسرة للغذاء يبلغ 1.92 مليون ل. س، ومقسَّمة افتراضاً على ثلاث وجبات رئيسية يومياً خلال الشهر (وجبة الإفطار 30%، وجبة الغداء 40%، وجبة العشاء 30%).

وجبة الإفطار

تعتبر وجبة الإفطار وجبة رئيسية لا يمكن تجاوزها، وذلك لأهمّيتها في تأمين نظام حياة صحي سواء للكبار أو الصغار، ولا ينبغي الاستغناء عنها ولا التقنين بمحتواها الضروري من البروتينات والمعادن اللازمة التي تمدّ الجسم بالطاقة اللازمة، إلّا أنّ الأمر مختلف بالنسبة للغالبية العظمى من السوريين والمفقرين، الذين يعانون في سبيل تأمين غذائهم بشكل يساعدهم على البقاء أحياء. وبناء عليه سنقوم بتوضيح ما يمكن أن يغطّيه الجزء المقتطَع من دخل الأسرة «المفترضة» المخصص لوجبة الإفطار.
على اعتبار أنّ حصة وجبة الإفطار تشكّل 30% من إجماليّ الدخل المخصَّص للغذاء، فإنّ القيمة الإفطاريّة للعائلة تبلغ حوالي 576 ألف ل. س. شهرياً وموزَّعة على 30 يوماً؛ أي أنّ قيمة وجبة الإفطار اليومية تبلغ 19,200 ل. س، وانطلاقاً من مقولة (مناكل عقد مصريّاتنا) سنشكّل نموذجاً خاصّاً ونلوي ونقنّن وجبة الإفطار لكي تتناسَب مع الموارد المتاحة؛ فإنّ هذه الليرات تؤمّن فطورا ً للعائلة عبارة عن نصف كيلو مسبحة مع «بخة» زيت وحبّتين بندورة وخالصين.

حصّة الغداء

يلجأ المواطن السوري إلى الخضراوات باعتبارها أرخصَ ثمناً من اللّحوم، مع المحاكاة غير المنطقية لأهمّية البروتينات النباتية وبأنّها تغني عن البروتينات الحيوانية، مع أنّه مدركٌ كلّ الإدراك لعدم وجود أيّ أساس ومنطلق علمي ومنطقي لهذه المحاكاة، بل يستخدم هذه الدعابة من باب المواساة لا أكثر.
تشكّل حصّة الغَداء 40% من إجمالي الغذاء أيْ 768 ألف ل.س شهرياً، أي أنّ حصة وجبة الغداء يومياً ما لا يزيد عن 25,600 ل. س. واستكمالاً لبناء النموذج فإنّ المتاح لهذه العائلة هو تناول «طبخة مفرّكة بطاطا» موزَّعة بين 1 كغ بطاطا (10,000 ليرة)، وبيضة عدد 5 (10,000 ليرة)، والليرات الـ 5,600 المتبقية بين مكعب ماجي و«رشة» زيت.

حصة العشاء

أسرتنا المفترضة ليست مضطرّة أنْ تفكر بتناول عشاء خفيف يقيها من بعض الأعراض المزعجة مثل الشعور بالتخمة، وعدم انتظام النوم، واحتمال زيادة الوزن، وغيرها من المشاكل المرتبطة بتناول عشاء دسم، فما تبقّى لهذه العائلة من إمكانيات وموارد تساعدها لإتمام نظامِها الغذائي –وبالأحرى «اللّاغذائي»- كفيلٌ بأن يجبرها على الالتزام القسري بنظام «دايت» إجباري رغماً عن كل أفرادها.
انطلاقاً من مقولة «تعشّى وتمشّى» وحرصاً على صحة المواطن من الرياضة المسائيّة التي تسبّب الجلطات الدماغية، وبعيداً عن الوضع المعيشي، نحاول إتمام نموذجنا البائس لكيفية تقنين الغذاء اليومي وجعله متناسباً مع الموارد لا الاحتياجات. وعلى ذلك فإنّ الحصّة اليومية لوجبة العشاء والتي قدّرناها بـ 30% من التكاليف الغذائية تقدَّر بـ 567 ألف ليرة شهرياً، وبالتالي فإنّ وجبة العشاء اليومية مخصَّصٌ لها 19,200 ل. س، موزَّعة على الشكل التالي:
(بيض عدد 5 بقيمة 10,000 ل. س – لبنة 200 غ بقيمة 6,000 ل.س – وشويّة زيت وحبّتين بندورة كمان).

من رضي جاع

إنّ استغناء العائلات عن أهم العناصر الرئيسية، ومنها البروتين، أدّى إلى نقصٍ بالتغذية لدى الأطفال وتخلّف عقلي وتأخّر بالنمو، بالإضافة إلى التأثير في مستوى الأداء للعاملين الذين أصبحوا غير قادرين على تجديد قوّة عملهم بالحدّ الأدنى. إنّ التخصيص للوجبات الغذائية أصبحَ في أعلى مستويات التقنين، أي أنّ الوجبة لـ 5 أشخاص من المفترض أنْ تكون لشخصٍ واحد، ولن تنفع مقولة «من رضي عاش» بل «من رضي جاع».
تستمر الحكومات المتعاقبة بتجاهلها لمواد الدستور التي نصّت على حقّ العامل بأجر يعادل الحدّ الأدنى للمعيشة كما ورد في المادة الدستورية رقم 40 كغيرها من المواد الأخرى، وهذا ما أدّى لاستمرار تدهور الواقع المعيشي والإنساني للطبقة العاملة، وحطَّم دوائر أمنها الاجتماعي وعلى رأسها الأمن الغذائي، الذي أصبح حلماً ترقبه الطبقة مع جملة آمالها بتغييرٍ يجعلها في مساحة من الأمان على قاعدة العدالة الاجتماعية.
ربما تستفيق الحركة النقابية وتبادر بكلِّ ما أعطاها القانون من وسائل وأدوات أنْ تخوضَ معارك طبقيّة تساهم باستعادة الحقوق الطبقية للطبقة العاملة، وعلى رأسها الأجر العادل الذي يسمح لجميع العمال «يناموا شبعانين».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1203