البيان الوزاري والعمّال

البيان الوزاري والعمّال

قدمت رئاسة مجلس الوزراء بيانَها الوزاري المُقَرّ بالمرسوم رقم /232/ لعام 2024 أمام مجلس الشعب يوم 20/10 في أعمال جلسته السادسة من الدورة العادية الأولى للدور التشريعي الرابع. وحاول بيانها الوزاري أنْ يغطّي الكثير من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...إلخ. إلّا أنّنا لن نأتي في هذه المادة على كل ما جاء في هذا البيان الحكومي، ولكن ما يهمّنا في هذا المقام هو ما يتعلّق بالطبقة العاملة وعموم العاملين بأجر.

ما هي الاستحقاقات التي يجب أن تحصل عليها الطبقة العاملة من الحكومة في بيانها هذا، من حقوق مختلفة تشريعية ومعيشية مرتبطة بالرواتب والأجور، وغيرها من الحقوق المشرَّعة دستورياً ودوليّاً -وهي ما زالت منقوصة- أو التي فقدتْها خلال تعاقب الحكومات السابقة بعد تبنّي ما أسموه اقتصاد السوق «الاجتماعي» مطبِّقين من خلاله وصفات صندوق البنك الدولي.
مِن الملاحَظ أنَّ البيان الحكومي ممتلئ بالعموميات، دون الإشارة إلى خاصّية الواقع السوري اليوم وضرورة الخروج من الأزمة عبر الحل السياسي. وبالتالي ظهر البيان على شكل عرض استعرض فيه أغلب المجالات وذلك دون أن يحدد ما سيقدم أو ما سينجَز، وما هي الآجال الزمنية لتحقيق أيّ مهمّة قادمة. وهو خالٍ أيضاً من أية أرقام استدلالية تشير إلى عمل الحكومة القادم من خلال برنامجها هذا، وذلك لمعرفة الفجوة في الوضع القائم وما يجب أن يكون عليه الوضع، بعد فترة محددة من الزمن. ولم يتطرق لأيّ من المؤشرات الإحصائية والمعايير المختلفة، ويبدو ذلك هروباً من أي مسؤولية لاحقة للحكومة.
وإذا كانت الخطط والبرامج التي سوف يتم وضعها بناءً على الإمكانيات والموارد المتاحة بحسب البيان، فمن المؤكد أنّ هناك الكثير من الضرورات الملحّة التي تتطلب أعمالاً وحلولاً. ولكن ما يهم العمال في هذه المرحلة هو المستوى المعيشي ومتطلباته الضرورية والحفاظ على القوة الشرائية لِلَيرتِهم وسدّ الفجوة الكبيرة بين الرواتب وأجور العاملين، التي تمضي من سيِّئ إلى أسوأ. يقول البيان: «ثمة محدوديةٌ واضحةٌ في الموارد المالية للدولة، تترافق مع تنامي عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستويات غير مسبوقة... في ظل هذا الواقع، لن يكون أمام الحكومة مساحةٌ واسعةٌ لخلق الموارد الإضافية لتمويل مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على وضعها الراهن. فلن يكون هناك قدرةٌ على مضاعفة الرواتب والأجور أو زيادتِها إلى مستوياتٍ تلبي رغبات المواطنين ورغباتِنا العاطفيةِ والنفسيةِ» وفق تعبير البيان الحكومي، الذي يتابع: «فالتمويل بالعجز ليس مصدراً آمناً ومستداماً لتمويل التنمية في مثل حالتنا، ما لم يترافق بنموٍّ ملموسٍ في معدلات الاستثمار والإنتاج، بل إنه سيؤدي إلى نتائجَ عكسيةٍ سنكون حريصين على عدم الانجرار إليها تحت أي ظرفٍ كان».
وهل تلبية أدنى متطلبات المعيشة للعمال، هي رغبات «عاطفية ونفسية»، أم ضرورة وطنية واجتماعية، تساهم في استقرار المجتمع، وواجب دستوري يجب على الحكومة تحقيقه؟!
إذا لم يتم ربط أجور العمال مع تطور متطلبات الوضع المعيشي، لا يمكن أن تتحسن هذه الأجور. أما إعادة توزيع الثروة المنتَجة بشكل عادل فهذه ليست من مهام البيان الحكومي، وبالتالي لم يرَ العمال منه أيَّ بصيص ضوء قد يؤدي إلى تحسين الوضع المعيشي لهم. كما لم يلحظ البيان الحكومي أية إشارة حقيقة لتطوير القوانين والتشريعات العمّالية بما يضمن حقوق العمّال في ضمان العمل وحقوقهم الديمقراطية. وأشار البيان إلى أنّ توجُّهات الحكومة تسعى إلى:
«تنمية النشاطِ الاقتصاديِّ الوطنيِّ ورفع مستوى الدخلِ الوطنيِّ والاعتماد على المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة كمرتكز لتحقيق النمو الاقتصادي. حوكمة الجهاز الحكومي، وتطوير مؤسساته وتعزيز موارده البشرية ومراجعة سياسة الوظيفة العامة بما يحقق الكفاءةَ والفاعليةَ».
والسؤال هنا؛ هذه المشاريع الصغيرة والمتناهية في الصغر كم ستوفر لسوق العمل من فرص لطالبي العمل؟ أما تعبيرات الصغيرة والمتناهية في الصغر أو المتوسطة، فهي تعبيرات مبهمة ومطّاطة، إذا ما قورنت بحجم المشاريع التي تعتبر كبيرة، ففي بعض البلدان تعتبر ضمن المشاريع الصغيرة بعض المشاريع التي يمكن أن يعمل فيها 500 عامل أو أكثر. أما الاعتماد الرَّئيسيّ على المشاريع الأسريّة والمشاريع الصغيرة فهي لا يمكن أن تبني اقتصاداً قويّاً وأن تعطي قيمة مضافةً حقيقية للدخل الوطني، فهي غير قادرة على تلبية حاجات طالبي العمل في سوق العمل. البيان الحكومي لا يختلف عن بيانات الحكومات السابقة منذ تبني ما سمّي «اقتصاد السوق الاجتماعي» -أيْ الليبرالية الجديدة- وهو لا يرقى لمستوى الوضع المعيشي المتدنّي الذي تعيشه الطبقة العاملة، والحديث يطول.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1198
آخر تعديل على الأحد, 27 تشرين1/أكتوير 2024 20:10