الإجازات وصحة العمال
الإجازة ليست مِنَّةً أو مكافأة يقدّمها أرباب العمل للعامل، بل هي ضرورة وحقّ يجب أن يحصل عليها العامل، ضمنتها التشريعات الدولية والوطنية. وبحسب الكثير من الأعمال البحثية في نطاقات متعددة الإجازة ليست مجرَّد فرصة للاستمتاع فحسب، بل لها تأثير على إنتاجية العامل وقدرته على الاستمرار في أداء عمله.
تؤكد الدراسات والأبحاث المختلفة المتعلّقة بالعمل والعمّال أنّ فترة الإجازة توثِّر إيجابياً على الصحة العامّة للعامل، الجسدية والنفسية بما فيها المهنية، فقد توصّلتْ إحدى الدراسات التي أُجرِيت استناداً إلى عيّنة لأكثر من 3000 عاملٍ وعاملة تراوحت أعمارهم بين 45–52 عاماً، إلى أن مقابل كل عشرة أيام إجازة مدفوعة الأجر انخفض اكتئاب العمال في المتوسط بنسبة 29%.
وكانت النتائج الأبرز على النساء الحاضنات، فقد وصلت نِسَبُ انخفاض الاكتئاب لدى هؤلاء النساء إلى 38% لكل 10 أيام إضافية لإجازات الأمومة مدفوعة الأجر. كما بيَّنت دراسةٌ أخرى، أجريتْ على عيّنة أخرى ضمّت عدداً من المدراء رجالاً ونساءً، أنّ إجازة واحدة متوسطة المدّة وبعيدة عن أجواء العمل، مفيدة لصحة العامل الجسدية، وتحسين الأداء الذهني في العمل وأنّ لها تأثيراتٌ كبيرة وإيجابية وفورية للتغلب على الشعور بالإجهاد، والتوتر، والشعور بالتعافي، وتحقيق السلامة النفسية، وهذه التأثيرات الإيجابية يمكن أنْ تستمرّ لمدّة 45 يوماً بعد الإجازة. وقد أجازت قوانين العمل النافذة في البلاد للعاملين إجازةً مدفوعة الأجر بحدّها الأعلى 30 يوماً وأدناها 14 يوماً، مرتبطة بسنوات خدمة العامل سواء في القطاع الخاص أو قطاع الدولة. ومنح المرأة العاملة إجازة أمومة مدفوعة الأجر بين 75 يوماً و120 يوماً كحدٍّ أعلى على الشكل التالي: 120 يوماً عن الولادة اﻷوﻟﻰ، و90 يوماً عن اﻟوﻻدة اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ، و75 يوماً عن الولادة اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ فقط. هذا إضافة إلى العطل الرسمية والأعياد المقررة. أمّا في إسبانيا على سبيل المثال، فالحد الأدنى للإجازات مدفوعة الأجر هو 25 يوماً، بالإضافة إلى العطل الرسمية التي تصل إلى 14 يوماً.
وأفادت الدراسات أنّ الحصول على إجازات قصيرة خلال منتصف العمر يؤدي إلى تدهور الصحة العامة للعامل في سن الشيخوخة، والأسوأ من ذلك أنّه قد ارتبطت فترات الإجازة السنوية الأقصر بمستويات أعلى للوفيّات، كما أثبتت هذه الدراسات أن الإجازات المنتظمة يمكن أن تُقلِّل من مخاطر حوادث العمل وخاصة في المهن الشاقة. ولاحظت دراسة نرويجيّة أُجريتْ على أكثر من 2700 شخصٍ أنّ فترات الإجازة الأقصر ارتبطت سلبيّاً بـ«مؤشر كتلة الجسم» للعامل (الوزن بالكيلوغرام مقسوماً على الطول بالمتر المربع. ويتم استخدام هذه القيمة على نطاق واسع لمعرفة فيما إذا كان الشخص يتمتع بوزن صحي بالنسبة لطوله). وارتبطتْ الإجازات الأقصر أيضاً بمستويات أعلى من استهلاك المنّبهات مثل الشاي والقهوة وغيرها، وتدهور صحة العامل. ومن جهتها أدرجتْ منظمة الصحة العالمية (WHO) «الإنهاك وفقدان الأعصاب» ضمن التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) بوصفه «ظاهرة مُتعلِّقة بالعمل».
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن الإنهاك هو متلازمة ناتجة عن ضغوطات مُزمنة أثناء العمل، وربطتْ منظمة الصحة العالمية الإنهاك (فقدان الأعصاب) بثلاثة أمور: 1- الشعور بفقدان الطاقة والإرهاق الشديد. 2- تشتت الذهن والتفكير بعيداً عن العمل. 3- شعور العامل بالسلبية أو السخرية تجاه مكان عمله، إضافة إلى التقليل من كفاءته المهنية، وأنّ الإجازات تؤدّي أيضاً دوراً رئيسياً في منع وقوع العامل فريسة للإرهاق أو فقدان الأعصاب في مكان العمل. كما أفادت إحدى الدراسات التي اعتمدت على آراء أكثر من 1100 طبيب أنّ انخفاض أيام الإجازة يؤدي إلى ارتفاع معدَّلات الإرهاق وانخفاض الرِّضا في نفوس العاملين تجاه مكان عملهم، وأنّ الحصول على إجازات هو أمرٌ بالغ الأهمية، لأنّه يُعيد شحن طاقة العامل ليصبح أكثر إنتاجية عند عودته إلى العمل، مع التأكيد على ضرورة الانفصال عن العمل كلياً أثناء الإجازة. لذا لا بد من تشجيع العاملين على أخذ إجازات تُمكِّنهم من الانفصال عن عالم العمل والاسترخاء. حيث إنّ فوائد الإجازات تتضاءل حينما يبقى تفكيرُ العامل مشغولاً بمكان العمل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1193