الانتخابات النقابية والمهمّة الملحّة

الانتخابات النقابية والمهمّة الملحّة

أزمات كثيرة وظروف سيّئة مرّت بها جميعُ فئات المجتمع، وخاصة الطبقة العاملة في سورية خلال سنوات الأزمة، فمن جهة تحمّل الجميع نتائج الحلول العسكرية لذلك الشقّ من الأزمة الذي كان يمكن تجنّبه بحلول سياسية بين السوريين، بدلاً من القتل والتهجير والنزوح وتدمير منازلهم التي احتاجوا سنين طويلة من التعب والجهد لبنائها، وهجرة البقية منهم خارج الوطن، تارةً بسبب الحرب والهروب من الموت، وتارةً بسبب الفقر وتدنّي مستوى الأجور والرواتب وللبحث عن مستقبل أفضل. ومن جهة أخرى السياسات الحكومية التي عملت على استنزاف جيوب الفقراء لمصلحة طبقة أثرياء الحرب والتجار.

وفي إطار السياسات الحكومية تم تخفيض أجور الطبقة العاملة ونهب حصتهم من الدخل الوطني، ناهيك عن التعدي على حقوقهم القانونية المشروعة التي اكتسبوها خلال عقود طويلة من النضال منذ أيام مقاومة المستعمر الفرنسي وحتى تاريخه.

تأمين البيئة التشريعية لقوى الفساد

لقد جرى تعطيل تطبيق الدستور السوري الصادر عام 2012 والذي أقرّ للطبقة العاملة بعض الحقوق الأساسية، مثل حق الإضراب وتطبيق حدّ أدنى لمستوى الرواتب والأجور يضمن تأمين متطلبات المعيشة وحماية قوة العمل وضمان استقلالية النقابات والمنظمات الشعبية. وقد كانت مكتسبات دستورية تم التوصل إليها بمساعدة القوى الوطنية التي شاركت في إعداد الدستور، ولكن على أرض الواقع كانت لقوى الفساد اليد الطُّولى في تعطيل تطبيق الدستور وتجميد المواد التي تنصف الطبقة العاملة، حيث أصرت تلك القوى، بحجة الأزمة والمؤامرة الكونية وبالاستفادة من قوة العطالة التي نتجت عن اتباع الحلول الأمنية والعسكرية وتعطيل التوجه نحو الحلول السياسية، على السير على نهج الدستور السابق، خاصّة المادة الثامنة القديمة التي أعلن عن وفاتها ولكن لم تُدفَن بعد، والتي ما تزال تنفخ الحكومة فيها الروح من خلال الإصرار على تطبيقها والالتفاف على تطبيق الدستور الجديد، في محاولة يائسة إلى إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل عام 2011، وضمان إعادة المارد إلى داخل القمقم، وسحق أيّ مطالبة شعبية بالتغيير، وهو ما أدّى عمليّاً إلى زيادة في أزمات الوطن وإدخاله في مرحلة الانهيار والسقوط الحرّ وعلى جميع المستويات.

الفساد بات يهدد وجود الوطن

إنّ السياسات الحكومية، خاصةً الاقتصادية، تعمّدت إفقار جميع فئات المجتمع وتدمير مؤسساته ومصانع القطاع العام تحت بند الخصخصة وإعادة الهيكلة، وأدخلت جميع المرافق الحكومية غرفةَ الإنعاش، حتى الخدمية منها مثل التعليم والصحة والكهرباء، وكانت السبب الرئيسي، إذا لم يكن الوحيد، في فقدان القطاع العام للعمّال نتيجةَ الأجور الضعيفة. وجرى كلُّ ذلك تنفيذاً حرفياً لتعليمات صندوق النقد الدولي، التي ترافقت مع فرض مزيد من السيطرة على مختلف المؤسسات الشعبية، خاصة النقابات المهنية منها والعمالية، خوفاً من تحوّل الغضب والاحتقان الشعبي الناتج عن سياسة الإفقار المتعمَّد إلى عاملِ احتجاجٍ قد يهدّد مصالح قوى الفساد وسيطرتها على جهاز الدولة، التي تسيِّره لمصلحتها الطبقية والضيّقة وتأميناً لمصالح الغرب في تدمير سورية من الداخل عبر هذه القوى، والإبقاء عليها ضمن دائرة الاستنزاف والتقسيم، لذلك ما زالت قوى الفساد مصرّةً على السير بالسياسات نفسها التي أدّت إلى انفجار الأزمة عام 2011، والتي قد تؤدي اليوم إلى انفجار من نوع آخر قد يستحيل معه إنقاذ البلاد والعباد.

النقابات باب لتجميع قوى المجتمع

وبسبب ذلك يُلقى على عاتق الاتحاد العام لنقابات العمّال، ومختلف النقابات المهنية التي تشهد جميعها تقريباً انتخابات في هذه الفترة، مهمّة تجميع قواها وطاقاتها والتعاون مع الأحزاب والقوى الوطنية للدفع نحو الحل السياسي والتغيير الجذري والشامل على أساس تطبيق القرار 2254، الذي أصبح ضرورة ومهمّة ملحّة لإنقاذ الوطن وأبنائه، وذلك من خلال حشد الطاقات والدفاع عن مصالح أعضائها وفتح مواجهة مع قوى الفساد على جميع الجبهات. خاصة وأنّ النقابات موجودةٌ في أغلب قطاعات جهاز الدولة، وتُعَدُّ نقابات العمّال خطَّ الدفاع الأساسي ضد السياسات الليبرالية الحكومية، وخط المواجهة الأول في الحفاظ على مؤسسات القطاع العام ومصانعه ومنشآته، فهي تمثل شريحة عريضة وكبيرة في المجتمع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك نقابة المحامين التي تحتكّ مباشرةً مع المواطنين من جهة ومع مؤسسة القضاء ووزارة العدل من جهة أخرى، وهي خط دفاع حقوقي ورئيسي في تأمين قضاء عادل ومستقل وتطبيق مبدأ فصل السلطات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1193