المنتدى الثالث عشر لنقابات العمال في دول البريكس... ما له وما عليه
عقد المنتدى الثالث عشر لنقابات عمال الدول المنضوية في مجموعة بريكس في مدينة سوتشي الروسية بدعوة من النقابات العمالية الروسية المستقلة. وناقش المنتدى مجموعة من القضايا النقابية والعمالية والسياسية والاقتصادية. ولم ينشر شيء عن البيان الختامي للاجتماع باللغة العربية، وكذلك لم يحظَ الاجتماع بتغطية إعلامية تعكس أهميته السياسية والنقابية سوى الرسالة التي وجَّهها الرئيس الروسي بوتين، وكذلك توجهاته للمرحلة المقبلة ودوره السياسي والاقتصادي على ضوء المواجهة الواسعة التي تخوضها دول البريكس مع الغرب وأمريكا دفاعاً المصالح الوطنية، وكذلك دفاعاً عن الأوطان التي يهدِّدها الغرب وأمريكا بالتفتيت والتجزئة، وبالتالي فإن دور النقابات العمالية كبير في عملية المواجهة الدائرة رحاها الآن سواء عسكرياً أم اقتصادياً.
سبق لجريدة قاسيون أن تطرّقت لاجتماعات سابقة للنقابات العمالية لدول البريكس؛ جاء ذلك عام 2015 في العدد الصادر بتاريخ 11 تموز تحت عنوان «نقابات بريكس»: السياسات الاقتصادية الكلية يجب أن تخلق فرص عملٍ لائقة.
استعرضت «قاسيون» آنذاك بعض ما جاء في البيان الختامي وهو تأكيد النقابات على أن السياسات الاقتصادية الكلية في دول البريكس، والإصلاحات، يجب أن تفضي إلى خلق فرص عمل لائقة ومصادر دخل للعاملين، خاصة في ظل إمعان النموذج النيوليبرالي المعولَم بتدمير فرص العمل والبيئة على حدٍّ سواء، وتقويض الديمقراطية وتهديد المجتمع وفق تعبير البيان.
كما شدّد البيان على رفض المجتمعين جعلَ تدابير التقشف وسيلةً للخروج من الأزمة، وهي التي فشلت في أوروبا والولايات المتحدة وفقاً للبيان. كما شدَّد البيان على ضرورة الاستثمار في قطاعات الإنتاج الحقيقية ومشاريع البنية التحتية والصحة والعلوم والتكنولوجيا والبحث والتطوير والتدريب المهني، وذلك للخروج من الأزمة كنهج بديل، كما شدّدوا على ضرورة أن تكون الاستثمارات قادرة على خلق فرص عمل لائقة وأجور أعلى. هذا وقد حسم البيان بأن ظاهرة «عدم المساواة المزمنة والمتفاقمة هي نتيجة طبيعية للقوانين الاقتصادية القائمة»، وهي نتيجة للسياسات المطبَّقة، والتي ينبغي تغييرُها لمصلحة الأغلبية الساحقة من المواطنين.
تابعت «قاسيون» تغطيتها للمنتدى في العدد الذي صدر في 7 كانون الأول عام 2020 حيث أشار وأكد المنتدى بإعلانه على عدة عوامل أثّرت سلباً على وضع العمال في الدول المنضوية فيه، وتحديداً في ظل فترة وباء كورونا، وما سبّبه من إغلاقات وفقدان عمل وإفلاسات لعديد من الشركات والقطاعات، مما زاد من نسبة البطالة وخفض مستوى الدخل.
وقد أكد المنتدى آنذاك على ضرورة توسيع دول «البريكس» للاستثمارات العامة، لما لها من دور في خلق فرص العمل، وإلى إنشاء آليات وقائية لمنع حدوث انخفاض في الأجور، وضرورة إيجاد آلية لزيادة عادلة للضريبة على الأرباح الكبرى، وإعفاء الدخل المتدني من الضرائب، بالإضافة إلى الحماية من التغييرات التعسفية في العمل، وتحديداً بالظرف الحالي عبر «العمل عن بعد» وحظر العمالة غير الرسمية، وإدراج «كوفيد-19» في قائمة الأمراض المهنية رسمياً.
العمال المحرّك الأول والأخير لتطور بريكس
إنّ هذا المنتدى، رغم تواضع التغطية حوله، ورغم تواضع حجمه -شكلاً- بالمقارنة مع اجتماعات دول «بريكس» الرئيسة، إلا أنه الأكثر أهميةً لا بالنسبة للمتابعين الخارجيين عن المجموعة، بل تحديداً لأعضائها أنفسهم، فالجانب العمّالي هنا، بظروفه وشروطه وتطوره، يكون محركاً ومحدداً رئيساً لمستقبل هذه الدول، واقتصاداتها واستقرارها، حيث يجب أن تتلاقى مصالح معظم حكومات البريكس مع مصالح العمال في بلادهم، تحديداً في مواجهة الهيمنة الغربية وكسرها، بالتالي، فإن عامل الاستقرار والمضي بإنتاجية أعلى تحقق صعوداً مستمراً لهذه الدول -اقتصادياً وسياسياً- يتطلب بالضرورة ومباشرةً استقراراً للعمال فيها، بوصفهم المنتِج والمطوّر والحامل الأول والأخير لها، بجوانبها وأفرعها الصناعية والزراعية والتكنولوجية والعلمية والعسكرية وغيرها. وكان من اللافت خلال الاجتماع، وفي البيان الصادر توجيه انتقادات لسياسات موجودة عند بعض الدول ضمن المجموعة؛ سياسات تحابي «الربح» الخاص على حساب المصلحة المشتركة لبريكس.
إن تجمّع نقابات العمال لدول البريكس ونقاشها للقضايا الملحة والضرورية من وجهة نظر النقابيين المجتمعين تلتقي على الأقل نظرياً مع التوجهات التي تسير بها دول البريكس من حيث ضرورة رفع نسب النمو، وهذا يتحقق في بعض دول البريكس، وكذلك تطوير الصناعات ومنها الصناعات العسكرية والصناعات التي تحتاج إلى تكنولوجيا عالية في التصنيع، واقتصادياً التبادل الواسع للسلع بالعملات المحلية ومنها الغاز والنفط. وهناك الكثير من الخطوات المنجزة وأخرى على طريق الإنجاز.
إن هذا يفتح الباب واسعاً لزيادة فرص العمل وتقليص نسب البطالة إلى الحدود القصوى، ولكن أمام هذه اللوحة الواسعة ، هناك فرصة قد تكون متاحة لهذا التجمع النقابي العمالي بأن يتحول إلى تجمِّعٍ عمّالي دولي، له وزنه السياسي والاقتصادي والنقابي في مواجهة الاتحادات النقابية في الغرب وأمريكا التي يخضع معظمها لسيطرة القوى المتنفذة في تلك الدول، وبالتالي تجري فيها المهادنة من قبل النقابات مع تلك القوى على حساب حقوق العمال. ومنطقتنا العربية ليست بعيدة عن ذاك السلوك، وفيها عدد من الدول أعضاء في مجموعة بريكس أو تقدموا بطلب العضوية للمجموعة.
الدور الكبير الذي قد يلعبه هذا التجمع في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وتنظيم قواها في دول مجموعة بريكس سيكون محفزاً للعديد من النقابات في الغرب وأمريكا على انتزاع استقلاليتها، والخروج من دائرة الهيمنة والسيطرة التي تفرضها النقابات الصفراء. وبعض النقابات في دول الغرب بدأت تشكّل هياكلها التنظيمية التي تمكّنها من المواجهة مع القوى الإمبريالية، وقد بدأت بكسر ذاك الطوق المفروض عليها من خلال الإضرابات والمظاهرات الواسعة، والتي من خلالها بدأت بانتزاع وزنها في الشارع وتجرّ إليه قوى عديدة متضرّرة من السياسات الاقتصادية والسياسية التي يمارسها الغرب، وجرى التعبير عن ذلك في المظاهرات الواسعة التي جرت في الغرب وأمريكا دعماً للقضية الفلسطينية وضد الكيان الصهيوني وجرائمه البشعة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1192