سوق أم غابة للعمل؟؟

سوق أم غابة للعمل؟؟

ضمن بلد فيها قلة من المتنفذين الذين يسعون بكل قدراتهم ونفوذهم إلى امتصاص كل قطرة من دم شعبها، واستغلال كل نفس يتنفسه أي فرد من أفرادها ما زال موجوداً على قيد الحياة، فسواء كنت طفلاً أو شاباً أو كهلاً، امرأةً كنت أو رجلاً، لا يراك هؤلاء المتنفذون إلا مصدراً للثروة والنهب.

أطفال بلا طفولة!!

ضمن واقع اقتصادي واجتماعي كالذي نعيش في ظله، يضطر الكثير من الأطفال إلى دخول غابة العمل، هذه الغابة التي تسلب منهم براءة طفولتهم وتحمّلهم هموماً تفوق إمكانياتهم وأعمارهم. تزج بهم هذه الحياة القاسية إلى مختلف الأماكن التي لا تنتمي إلى نعومة أظافرهم ولا إلى جمال وجهوهم، يعملون في المصانع، وفي الورشات، وفي المحال التجارية، منتشرين هنا وهناك ضمن أماكن لا ينتمون إليها.
كل يوم يصبحون أكثر نضجاً، لكن على حساب براءتهم، لتصبح كل إهانة يوجهها صاحب العمل لهم بديلاً عن اللعب والمرح، وكل إصابة أو جرح أو كدمة يتعرضون لها بسبب قلة خبرتهم بديلاً عن أحضان أمهاتهم، وتصير حروب ومعاناة المواصلات اليومية بديلاً عن مدارسهم وتعليمهم .
ما يزيد الأمر خطورةً أن الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال لم يعرفوا شكلاً آخر للحياة غير هذا الشكل، وظنوا أن هذه هي حياة الطفل الطبيعية، حياة قاسية مليئة بالسلب والنهب والضرب، وإن من المؤسف أن يدرك أحدهم بعد أن يكبر، أن الطفولة الطبيعية التي يجب أن ينعم بها الطفل، ليست الطفولة التي عاشها، تلك اللا طفولة المليئة بالمعاناة والقسوة.

الشباب وحلم فرصة العمل!!

العمل بالنسبة للشباب فرصة لا مثيل لها لتحقيق الذات، وتوظيف الإمكانيات والوصول إلى الطموحات والأحلام، إلا أن واقع غابة العمل والقوانين التي تحكمها في بلد مثل بلدنا، يضرب بعرض الحائط كل ما يتمتع به شبابنا من إمكانيات وقدرات، تجعل من فرصة العمل التي تتناسب وإمكانياتهم حلماً خيالياً لا يمكن تحقيقه ولا الوصول إليه. وذلك ما نلحظه عندما نرى الخريجين وحملة الشهادات العليا يزجون أنفسهم قسراً وتحت ضغط الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في وظائف تغترب عنهم وعن كل ما يطمحون له، مثل العمل في المطاعم أو على البسطات العشوائية أو في المحال التجارية وغير ذلك.
ما وراء هذا التناقض الفج بين الأحلام والواقع ليس فقط خسارة البلاد لهذه الكفاءات وعدم الاستفادة منها، وليس فقط تكريساً لحالة التهميش والتطنيش لهذه الفئة من أبناء الطبقة العاملة، إلا أن الأمر يمتد إلى أكثر من ذلك وهو إجبار هؤلاء الشباب على التخلي عن كل سنوات التعب والدراسة وما راكموه من علم ومعرفة، وتصفير قيمة كل ما يتمتعون به من إمكانيات لتتحول هذه الإمكانيات من مكوّن أساسي لذواتهم إلى حالات عابرة تظهر على شكل طفرات عشوائية وعفوية، تظهر لتذكرهم بما راكموه طوال هذه السنوات تذكرهم بالشيء الذي يعرفون فعله وعمله، أو أنها تظهر لتؤكد حالة الانفصال عن الذات تحت ضغط تأمين لقمة العيش لهم ولذويهم.

كبار السن والعمل إلى ما لا نهاية!!

يضطر اليوم الكثير من كبار السن إلى الاستمرار بالعمل إلى مالا نهاية، ينزلون إلى العمل يومياً حامليهن معهم آلام عظامهم، وتصلب شرايينهم، وضعف قلوبهم، وكيس أدويتهم، يحاولون العمل في وظائف وأعمال تنسجم قدر المستطاع وأحوالهم الصحية وأجسادهم المتعبة والمرهقة، تراهم خلف مقود باص النقل الداخلي، أو عمالاً مأجورين ضمن مختلف وسائل النقل، ولكن الحصول على وظيفة تتناسب والحالة الصحية ليس متاحاً للكثير منهم، فتراهم يعملون ضمن الورشات الزراعية، أو ورشات الخياطة، يضطرون إلى العمل أكثر من عشر ساعات يومياً في سبيل تأمين ثمن أدويتهم أولاً وإذا بقي شيء من أجورهم شديدة المحدودية يتلفتون لتأمين الأكل والشرب لهم ولذويهم.

أخيراً...

إن تحول سوق العمل إلى غابة عمل البقاء فيها للأقوى– جسدياً ونفسياً– والقادر على الاستمرار حياً رغم كل ما فيها من تشوهات ومصاعب لا تنتمي إلى العمل الآدمي، هو نتاج السياسات المتوحشة المتبعة في البلاد، تلبية لمصالح قلة قليلة من أصحاب الثروة، الذين لا رادع لهم ولا قانون يحكمهم، وبالضد تماماً من مصالح الغالبية العظمى من أبنائها. والاستمرار بهذه السياسات المتوحشة، ورفع وتيرة التوحش فيها يوماً بعد آخر، يعني الاستمرار والإصرار على تهميش «وتطنيش وتطفيش» السوريين وصولاً إلى قضم ما تبقى من قدرتهم على البقاء على قيد الحياة.

عمالة الأطفال عالمياً

بحسب أحدث إحصائيات منظمة العمل الدولية المنشورة على موقعها الرسمي، فإنّ هنالك نحو 160 مليون طفل عامل في العالم (عام 2020 حيث لم تذكر إحصائيات عالمية أحدث من ذلك). ولكن المنظمة لا تعتبر كل الأعمال التي يؤديها الأطفال «عمالة أطفال». وتعرّف المعايير الدولية عمالة الأطفال بأنها العمل الخطر على صحة الطفل وتطوره، أو الذي يتطلّب ساعات عديدة و/أو يؤديه أطفال صغار جداً. وعادة ما تتعارض عمالة الأطفال مع حقوق الطفل بالحصول على التعليم واللعب.
وتقول إحصائيات منظمة العمل الدولية أيضاً، بأنّ هناك 79 مليون طفل من أصل الـ 160 مليوناً المذكورين أعلاه، معرّضون لمخاطر العمل، ويشكل الفتيان 97 مليوناً منهم، بينما تشكل الفتيات 63 مليوناً.
هذا ويذكر تقرير عمالة الأطفال 2020 المنشور بالتعاون بين منظمة العمل الدولية ومنظمة اليونسيف، بأنّ أكبر وجود لعمالة الأطفال هو في أفريقيا شبه الصحراوية، حيث تبلغ عمالة الأطفال 86.6 طفلاً وطفلة منهم 38.6 مليوناً بأعمال خطرة. وفي المرتبة الثانية جغرافياً، تأتي قارة آسيا ومنطقة المحيط الهادي، مع 48.7 مليون طفل، منهم 22.2 مليوناً بأعمال خطرة. وفي المرتبة الثالثة قارة أوروبا مع آسيا الوسطى، حيث يوجد 8.3 مليون طفلاً، منهم 7.9 مليوناً بأعمال خطرة. ثم تأتي أمريكا اللاتينية والكاريبي في المرتبة الرابعة، مع 8.2 مليون طفل، منهم 5.5 ملايين بأعمال خطرة. وبحسب التقرير نفسه يوجد في البلاد العربية 2.4 مليون طفلاً في عمالة الأطفال منهم 1.9 بأعمال خطرة.
كما أن نحو ثلث عمالة الأطفال خارج المدارس. ويشكل قطاع الزراعة الحصة الأكبر من عمالة الأطفال عالمياً.
يجدر بالذكر بأنّ رقم 160 مليون طفل في عمالة الأطفال عالمياً الذي ذكره التقرير، يمثل زيادة بمقدار 8.4 مليون طفل في غضون أربع سنوات السابقة لتلك الإحصائية الصادرة عام 2020. إنّ الأرقام التي تعترف بها منظمات دولية ودراسات الرأسمالية نفسها تعترف ضمنياً بأنها نظام متوحّش بشكلٍ متزايد، على عكس كلّ الأساطير التي يسوقها هذا النظام حول حقوق الإنسان والحريات بما فيها حقوق العمال والأطفال والنساء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191