الأجور معركة عالمية

الأجور معركة عالمية

يعتبر القطاع الصناعي شرياناً اقتصادياً مهماً لأيّ بلد، فهو يحدد ملامح اقتصاد بلدٍ معين سواء كان صناعياً أو زراعياً ومدى ارتباطه بالتكنولوجيا المتطورة، إضافة إلى تبادلاته التجارية المختلفة. وهذا ينعكس على الطبقة العمّالية المنتجة من خلال تأثيره على تطوّر إنتاجهم ووعيهم لحقوقهم في العمل، وضمان الحقوق لهم من خلال لوائح وتشريعات قانونية، وتعويضاتهم كافة.

تزداد الاحتجاجات العمّالية في مختلف أصقاع العالم بدءاً بالاحتجاجات والاعتصامات وتنفيذ الإضرابات عن العمل، القصيرة منها والطويلة غير محدّدة المدة، وقد شهدت وتشهد حتى اليوم معظم دول العالم بقيادة نقاباتها العمالية الطبقية هذه الأشكال من الاحتجاجات مروراً بالتظاهرات العمالية بما فيها بعض الدول العربية ما عدا نقاباتنا، ضد ارتفاع الأسعار، ومن أجل تحسين مستوى المعيشة للعمال والحد من التضخم الحاصل الذي يكوي العاملين بأجر، ولم تقتصر بعض الاحتجاجات على أبواب المصانع والمؤسسات بل انتقلت إلى قلب المدن.
ما زالت المؤشرات تنبِئ باحتمال صعود متجدِّد للنضال الطبقي للعمّال والحركة النقابية التي تمثل الطبقة العاملة تمثيلاً حقيقياً. لقد استقبل قسم مهمّ من عمال العالم العامَ الجاري بإضرابات في عدة مدن من مختلف البلدان سواء في مركز الرأسمالية أو بلدان الأطراف التابعة، وجلّها كان المطلب الأساسي لها زيادة الرواتب والأجور، إضافة إلى تثبيت العاملين، ووقف التسريح التعسفي. وهذه المطالب تأتي على خلفية الارتفاع الكبير في أسعار السلع الرئيسية، بسبب التضخّم الحاصل في هذه البلدان. وهناك مطالب تتعلق بالأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية أيضاً، وذلك رغم وجود قوى القمع والأمن التي تشتد وطأتها، لكبح جماح تحركات العمّال ولو مؤقّتاً.
اللافت للنظر أنّ الاحتجاجات العمالية لم تكن بلا طائل، فقد حصل العمال المحتجّون على مكاسب مختلفة هنا وهناك، وفي مقدمتها زيادة الأجور، وهو أمر كان قليل الحدوث خلال العام الذي مضى. وفيما يشبه تأثير لعبة الدومينو، ما إن ينتهي إضرابٌ في شركة أو مصنع في مدينة ما في هذه الدولة أو تلك، حتى تمتد الإضرابات لتشمل عدداً من شركات قطاع الدولة أو القطاع الخاص للمطالبة بتطبيق زيادة الأجور أو المطالبة بتحسين شروط وظروف العمل، إضافة إلى الأمن الصناعي والصحة والسلامة المهنية وغيرها من الحقوق.
إن انخفاض الأجور ينعكس سلباً على إنتاجية العاملين بأجر وعلى التطور العام في المجتمع، فترتفع معدلات البطالة والفقر بين صفوف الطبقة العاملة، والعاملين بأجر عموماً، التي تمثّل أكبر طبقة في المجتمع في أغلب بلدان العالم. كما ويختلّ شكل توزيع الثروة في المجتمع بشكل مغاير لما تنصُّ عليه القوانين والتشريعات العمّالية العالمية التي تضمن الحقوق والواجبات، للعمّال وأصحاب العمل، المعبَّر عنها بالأجور والمزايا التي يحصل عليها العاملون، علماً أنّ العمال هم أساس تطور المجتمع اقتصادياً. وسوف ينجم عن ذلك تفاقم الفقر وعدم المساواة، وأيضاً تزايد الانقسام بين الطبقات في المجتمع. هل ستصل عدوى هذه الاحتجاجات من أجل الأجور وحقوق العمال الأخرى إلى نقاباتنا؟ الحركة النقابية قوة لا يمكن الاستهانة بها وبإمكانياتها، وخاصة عندما تزداد صلابةً في الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومطالبها، وعلى رأسها حقوق العمال المتعلّقة برفع مستوى حياتهم ومعيشتهم بما يوازي متطلبات حياة العمّال الأساسية والضرورية، وفي المقدمة منها رفع الأجور لتصل إلى مستوى متوسط المعيشة. لكنها ويا للأسف ما زالت ضمن صندوق الخطاب المختلف، ومحصَّنة من هذه «العدوى».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 22:09