هل توجد عمالة فائضة؟

هل توجد عمالة فائضة؟

مجدداً تثار على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي وفي الاجتماعات الحكومية مسألة «العمالة الفائضة» كما يطلقون عليها. وهذه ليست المرة الأولى التي تثار فيها مسألة العمالة الفائضة من جهات عدّة، فقد تم طرحها مراراً قبل الأزمة، وكما صرّحَ طارحوها فإنها لم تلقَ استجابةً تفضي إلى حلّها من قِبَل الحكومات السابقة والحالية التي تعتبرها «ضاغطة على موارد الدولة» و«تشكل عبئاً يمنع الحكومات من زيادة الأجور أو تحسين الوضع المعيشي».

«العمالة الفائضة» في مؤسسات الدولة والقطاع العام إحدى القضايا الأساسية، التي لم يكن قبل فترة الحرب يختلف اثنان على ضرورة معالجتها بما ينعكس إيجابياً على إنتاجية تلك المؤسسات، ومن دون التسبب بأي تأثيرات سلبية على الوضع المعيشي للعاملين المصنفين ضمن فئة «العمالة الفائضة»، لكن، ورغم الكثير من المقترحات التي قدمت، إلا أن الحكومات المتعاقبة فضّلت تجاهل المشكلة ودفعها للتفاقم.
ولكن السؤال الأساسي المفترض طرحه هو: هل هناك «عمالة فائضة» حقّاً أم أنّ المشكلة هي سوءُ التوزيع للقوى العاملة؟ وهل إذا حُلّ سوء التوزيع هذا سيؤمّن شروط عمل تنعكس على الإنتاج إيجاباً؟
وهل طرح المشكلة الآن تحت مسّمى «عمالة فائضة» يتلاءم مع الواقع الذي تعيشه المعامل والمنشآت الخدمية التي تعاني، بالعكس، من نقص حادّ (وليس من فائض) باليد العاملة؟
جميع التقارير النقابية والتصريحات التي يدلي بها أصحاب الشأن فيما يتعلق بوزارة الصناعة وغيرها من الوزارات تقول إنّ النقص شديدٌ باليد العاملة، وخاصةً العمال المهنيين القادرين على إدارة الآلات وصيانتها. وسبب النقص هذا معروف لدى الجميع؛ وهو ضَعف الرواتب والأجور، الأمر الذي يجعل العمّال المَهرة يبحثون عن فرص عمل أخرى، إمّا في القطاع الخاص الذي يعاني هو أيضاً من هذا النقص، أو بالسفر إلى خارج البلاد. وطرح مسألة «العمالة الفائضة» في هذه الأوضاع الكارثية التي تتعرض لها المعامل والصناعات في كلا القطاعين يعني تصفية ما تبقى من اليد العاملة، خاصة مع انتفاء المعايير التي تحدد الفائض، وهو ليس فائضاً من العمال.
المطروح لمعالجة هذه المسألة، كما هو جارٍ في النقاشات، عدة اقتراحات منقولة من تجارب دول أخرى مرّت بحالتنا التي تمر بها اليد العاملة «الفائضة»، والاقتراحات تمّت الإشارة إليها من تجارب البرازيل وبولندا والإكوادور، وهي سياسات اعتمدت واحدةً أو أكثر من السياسات التالية: (منح حوافز التقاعد المبكر والتسريح الطوعي -وهُما الأسهل- ثم التسريح الإلزامي، ثم تدريب الموظفين والعمال الخارجين من الخدمة وإعدادهم للتوظيف في القطاع الخاص أو لإقامة أعمال حرة، فضلاً عن التوجيه المهني والسعي لإيجاد وظائف منتِجة لهم، ومنح تعويضات البطالة لفترة محدودة).
الاقتراح الحكومي الأخير في سياق إعادة الهيكلة للقطاع العام هو نقل العمال «الفائضين»، والمقصود هو نقل العمال الموجودين في المعامل المتوقفة عن العمل وغيرها من المنشآت بسبب الأزمة، إلى مواقع عمل أخرى.
إنّ طرح مثل هذه الاقتراحات لحل مسألة «العمالة الفائضة» هو اختلاق مشكلة جديدة، خاصة في مثل ظروف بلادنا الحالية، وقد تكون خطوة باتجاه تصفية ما تبقى من معامل القطاع العام بتصفية العمال المتبقين فيه لأن هذا الكلام لم يأت من فراغ، بل إنّ قائلاً قد قال قبل الأزمة حول القطاع العام: «لماذا نتصارع حول القطاع العام، لندعْه يموت موتاً سريرياً»، ويبدو أن الحكومات المتعاقبة قد أخذت بهذه النصيحة وتقوم بتطبيقها على ما تبقى من معامل ومنشآت.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1177