الفقر في ازدياد
تعتبر الأزمات تاريخياً كاشفاً حقيقياً لمشاكل المجتمع الاجتماعية والاقتصادية المتراكمة. وقد أظهر انفجار الأزمة في البلاد أن الفقر ليس وليد انفجار الأزمة، لكنّ تصاعد وتيرة هذه الأزمة وبالأخصّ في الجانب الاقتصادي قد ساهم في ازدياد معدلات الفقر في البلاد، وضرب مختلف القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة وغيرها. وصنفت سورية من قبل منظمة العمل الدولية ضمن أوائل الدول في نسب البطالة المرتفعة.
البطالة تعني انعدام الدخل وبالتالي الفقر بشكل عام، غير أنّ مشكلة الفقر في البلاد ليست عدد العاطلين عن العمل فحسب، بل هي مشكلة فقرٍ اجتماعيّ عام مرتبط بعدم عدالة توزيع الثروة الوطنية، وعملية الإفقار هذه تصب في مصالح قوى النهب والفساد، حيث ما زال القرار الاقتصادي والسياسة الاقتصادية في خدمة مصالحها.
تقاس مؤشرات الفقر مقارنة بحصة الإنفاق على وسائل العيش الضروري من الدخل وفق حدٍّ لا يتجاوز 60% من الدخل على وسائل العيش الضرورية من غذاء وكساء بالدرجة الأولى. إنّ كافة العاملين بأجر في سورية وخاصة لدى الدولة والقطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أدنى من مستوى الحد الأدنى للمعيشة، وهذا الدخل لا يكفي الاحتياجات المطلوبة للغذاء فقط. وهذا يمكن أن ينطبق أيضاً على قطاع الحرفيّين والعاملين لحسابهم الخاص، نتيجة انخفاض الأجور، حيث حدّها الأعلى لا يصل إلى الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة. والجدير بالذكر أنّ القطاع غير المنظم يشمل ما يفوق 40% من قوة العمل المتبقية وهم أسوء حالاً من حيث مكان العمل وشروط العمل وساعات العمل والأجور أيضاً.
ما زالت ظروف العمّال تواجه صعوبات كثيرة، حيث إنّ العامل يقضي طوال وقته من أجل الحصول على عمل أو أكثر يكسب بواسطته رزقه، بينما الأجر الذي يحصل عليه لا يكاد يسدّ الرمق، ولا يمثّل هذا الأجر إلّا الجزء البسيط الذي لا يُذكَر أمام أرباح قوى الفساد والنهب. إنّ الأزمة العميقة التي تشهدها البلاد وفي المقدمة منها انحدار مؤشرات الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى حدود غير مسبوقة، هي أزمة تتعمق مع السياسات التي تنتهجها الحكومة التي تؤدي إلى تكثيف الاستغلال في ظل شروط عمل غير لائقة.
فمهما تحسنت أوضاع العمال في ظل اقتصاد السوق الليبرالي المبني على مصالح قوى الفساد والنهب، فإنه سرعان ما يتم الإجهاز على التحسن، تلك طبيعة هذا الاقتصاد. إنّ تحرر وتحرك العمال من أجل حقوقهم يصطدم بجهاز الدولة الذي هو أداة بيد هذه القوى التي تعمل على إخضاع العمال والمضطهدين عامة. ففي أبسط نزاع أو خلاف بين العمال وهذه القوى يمكن أن يحصل تدخُّل أجهزة الدولة إلى جانب تلك القوى.
ومختصر القول، إنّ وضع العاملين بأجر اليوم في خطر كبير. فالكوارث التي تسببها ظروف اليوم من سوء معيشية وغيرها لا تعود إلى العمل في حد ذاته ولا إلى العمال، بل إلى العلاقات الاقتصادية الاجتماعية القائمة على تمركز الاحتكار لقوى الفساد. وتلك السياسات الاقتصادية التي تسير وفقها الحكومات التي تسعى إلى إنهاك الصناعة الوطنية في القطاع الخاص وقطاع الدولة وكل ما يتعلق بالإنتاج وتحويل البلاد إلى ساحة مضاربات مالية لا تمتّ بصلة إلى الإنتاج بكل أشكاله، الصناعي والزراعي. وإذا لم تمارس الحركة النقابية سياستها الطبقية المنحازة إلى الطبقة العاملة التي تمثلها بوعي فإنها سوف تمارس سياسة أعداء الطبقة العاملة والحركة النقابية دون وعي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1177