بصراحة ... العمال والطلبة خندقهم واحد في المواجهة
مع تعمُّق الأزمة العامة الاقتصادية والسياسية الاجتماعية للرأسمالية والتغيُّر المهمّ في موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، وانعكاس نتائجها المباشرة والقاسية على الشعوب في بلدان المركز الرأسمالي والأطراف، بدأ حراك شعبي يتسع في كل يوم وتظهر في مقدمته الطبقة العاملة التي كانت المتضرر الرئيسي من الأزمة بكل أبعادها، حيث فقدت الكثير من المكاسب التي حصلت عليها في مرحلة توازن القوى التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة الإمبريالية الأمريكية، وكانت وقتها الرأسمالية مضطرة لتقديم تنازلات للطبقة العاملة في مجرى صراعها الضاري مع المعسكر الاشتراكي، الذي كان يقدم قوة المثل للعمال في العالم.
ولكن هذا «الدَّلال والرفاهية» التي عاشها العمال لم تستمر طويلاً، خاصةً بعد تبني الرأسمالية في المراكز للنظرية الليبرالية في الاقتصاد، وترافق ذلك مع هجوم واسع شنته على النقابات، متبعةً سياسة العصا والجزرة، ما أدى إلى اختراق واسع من جانب الرأسمالية للكثير من الاتحادات النقابية التي أخذت تساوم على مصالح الطبقة العاملة ومكاسبها، وهذا جعل الطبقة العاملة تخسر قوة رئيسية في مجابهتها ومقاومتها للسياسات الليبرالية التي تعمل على تجريد العمال من المكاسب، وخاصةً تلك المتعلقة بالعمل الدائم. فقد اعتمدت الليبرالية في سياستها تجاه العمال أنه (لا عملَ دائماً ولا ضمانات دائمة) ما أدى إلى ازدياد كبير في نسب البطالة والمهمَّشين والمشرَّدين الذين فقدوا فرص عملهم، وأصبحوا بلا مأوى يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يعيشون على ما يُقدَّم لهم من إعانات من الجمعيات الخيرية في اللباس والطعام وخلافه.
إن ما يجري من حراك شعبي وعمالي واسع ومنظَّم يتطور الآن وتنضمّ إليه فئات جديدة مثل مظاهرات الطلبة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث امتد أثرها إلى فرنسا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية، تضامناً مع الشعب الفلسطيني المقاوم وضد سياسة الإبادة الجماعية الممارسة على الأرض بدعم أوروبي وأمريكي. هذا التطور والاتّساع في المواجهة يؤكد التنبؤ العلمي العام المستند إلى قاعدة معرفية واسعة في اكتشاف عمق الأزمة الرأسمالية وتطور تناقضاتها مع الشعوب التي ستفضي إلى عودة الجماهير إلى الشارع، واتساع تأثيرها في الحياة السياسية والاجتماعية، إذ بدأت تطرح في شعاراتها ضرورة النضال ضد الرأسمالية وقوانينها المتوحشة التي أدت إلى إفقار الشعوب عبر آلة النهب الكبيرة، بما فيها شعوبها، واغتناء وإعادة تمركز الثروة بيد ما نسبته 1% من السكان على حساب الأغلبية العظمى منهم.
إنّ حركة الطبقة العاملة وحركة الطلبة وبقية الفئات المتضررة من خلال الإضرابات والمظاهرات والاحتجاجات تُكسِب الحراك الشعبي جذريته في مواجهة النظام الرأسمالي المتوحش، وذلك بسبب تناقض مصالحها العميقة مع الاستغلال الرأسمالي الذي يصوّر أنه أبدي.
التناقض الرئيسي بين (العمل ورأس المال) لن يُحَلّ إلا بالإطاحة الكاملة بعلاقات الإنتاج الرأسمالية، وتحقيق الاشتراكية التي ستؤمِّن العدالة الاجتماعية، وتنفي الاستغلال والنهب لجهود وعرق الملايين من العمّال العاملين في المجال الذهني والعضلي، وتحقيق الديمقراطية الحقيقية للمنتجين التي يدوسها الرأسماليون من خلال القمع العنيف لأيِّ حراك شعبي.
إنّ العصر الآن هو عصر الشعوب الثائرة من أجل حريّتها وكرامتها وسلامة أوطانها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1172