إضرار متعمَّد بالإنتاج
أديب خالد أديب خالد

إضرار متعمَّد بالإنتاج

تربط الحكومة جميع خططها لمعالجة الأزمة الاقتصادية، من تدني الأجور والرواتب وارتفاع سعر الصرف وقلة الطلب وانخفاض معدلات الاستهلاك، بالعملية الإنتاجية وبأنّ حلَّ أغلب الأزمات الاقتصادية يعتمد فقط على دعم الإنتاج وزيادته.

هذا التشخيص صحيح إلى درجة ما، لكن قرارات الحكومة التي تعبّر عن سياساتها الاقتصادية الليبرالية تفعل عكس ذلك تماماً، فقرارات خصخصة القطاع العام عبر عدة أساليب من التشاركية إلى تحويل الشكل القانوني لشركات القطاع العام أو من خلال دمج عدة شركات بعضها مع بعض تمهيداً لتصفيتها، هدفها التفريط بالقطاع العام فقط، وخاصة المنتج منه. وهذا يوضح حقيقة نوايا الحكومة بأنه لا توجد خطط حكومية لضخ الأموال اللازمة لإعادة استثمار هذه المنشآت أو إعادة إحيائها بل تترك الحكومة هذه المهمة الوطنية للقطاع الخاص المحلّي والأجنبي والذي لا يعوَّل عليه في هذه الخطوة الاقتصادية الهامّة، فكيف سيأتي المستثمرون ليضعوا أموالهم في مؤسسات ميتة وغير منتجة؟ وإذا كانت الحكومة نفسها تروِّج لخسارة هذه المنشآت، فكيف سيتجرأ المستثمرون على إنقاذ هذه المنشآت وهم الذين يبحثون عن أسرع الطرق لتحقيق الربح، ويتجهون نحو المشاريع الريعية والسياحية وتداول الأموال والمضاربة والبنوك، لما تدرّه من ربح سريع ولعدم حاجتها إلى الفترة الطويلة التي تحتاجها المشاريع الصناعية عادةً.

وعود كاذبة

ورغم الكلام الحكومي والوعود الحكومية لغرفة الصناعة عن توجهات حكومية لدعم الصناعيين، إلّا أنَّ سياسة رفع الدعم عن المنتج المحلي وصلت إلى حدود غير مسبوقة، عبر رفع أسعار حوامل الطاقة من وقود وكهرباء إلى مستويات مخيفة، وبات القطاع الخاص الصناعي يعاني من الركود والجمود، وهناك مئات المعامل أغلقت بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج بالتزامن مع قلة الطلب وانخفاض الاستهلاك. وقد اعترض الصناعيون السوريون مؤخراً على تسعيرة الكهرباء الجديدة، حيث جاء الرد من قبل وزير الكهرباء في تصريح لـ«هاشتاغ» أنّ «سبب الاعتراضات الأخيرة من قبل الصناعيين أنهم اعتادوا الحصول عليها من الدولة بشكل شبه مجاني طيلة السنوات السابقة». كلام الوزير يدل على استهتار حكومي واضح وإضرار متعمَّد بالصناعة الوطنية، كل هذا من أجل تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كما صرَّحَ سيادتُه قبل فترة بأنّ دراسة رفع الدعم عن الكهرباء أقرت بالتعاون مع البنك الدولي منذ عام 2006.

مشاريع وهمية

كما أن الترويج الحكومي المستمر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة هدفُه ذرُّ الرماد في العيون والهروب من استحقاقات زيادة الإنتاج وإنشاء المصانع والمعامل الكبيرة التي وحدَها يمكن أنْ تؤدّي إلى زيادة حقيقية في الإنتاج بنسب مقبولة. وهذا يحتاج أولاً وأخيراً إلى جهاز دولة قوي في المجتمع قادر على إدارة العملية الإنتاجية، لا إلى جهاز دولة مشلول يسعى إلى الانسحاب من الحياة الاقتصادية والاجتماعية وترك الساحة للمشاريع الصغيرة.

لا حلَّ اقتصادياً

ومع ذلك لن تفلح الخطط الحكومية في إنقاذ الاقتصاد السوري، بل تقوده من فشلٍ إلى آخَر، وهذا ما ينعكس ونراه في معيشة غالبية السوريين. وليس هناك مِن حلٍّ اقتصاديٍّ لأزمات السوريين إلّا مِن خلال الحلّ السياسي. فجميع الخطط الاقتصادية التي تعتمدها الدولة تأتي من جعبة قوى الفساد تأميناً لمصالحها الضيقة، ولا يمكن الحديث عن اقتصاد متكامل دون إعادة توحيد البلاد وتوجيه ضربة للعقوبات الغربية. والمستثمرون المحليون والأجانب لن يأتوا إلى بلد يعاني من التقسيم والاحتلالات والعقوبات والحصار والدمار والخراب، ومن أزمات سياسية وأمنية، وبنيةٍ تحتية مدمَّرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1169
آخر تعديل على الإثنين, 08 نيسان/أبريل 2024 12:46