تآكل الأجور...

تآكل الأجور...

يزداد تدهور الأجور أضعافاً مضاعفة شهراً بعد شهر وأسبوعاً بعد أسبوع، وأصبحت الأجور تتآكل يومياً أو حتى على مستوى الساعة. فإذا ما حددنا معياراً لقياس القدرة الشرائية للأجور، وليكن سعر الصرف نلاحظ مدى ترنح قيمة الأجور الشرائية وتضاعف سرعة انخفاضها لتوازي سرعة الضوء.

ارتفع سعر الصرف خلال الأسبوع الفائت من 7500 ليرة متجاوزاً حاجز 9000 ليرة وذلك بمعدل 250 ليرة بشكل يومي، المأساوي في الموضوع أن وضع الطبقة العاملة المعيشي عالي الحساسية تجاه تغير سعر الصرف فارتفاعه بمعدل ليرة واحدة يزيد من مأساة الوضع المعيشي ل 90% من السكان.

أرستقراطية الكادحين

كون الطبقة العاملة لا تملك شيئاً سوى قوة عملها لبيعها والإعاشة منها، وبالتالي فإن قوة العمل كونها سلعة تخضع لمعيار السوق وتقلبات العرض والطلب، لا يوجد سعر أو قيمة موحدة لمختلف أشكال إنفاق قوة العمل والاستثمار بها، فأقل سعر يدفع مقابل شراء قوة عمل معينة يبلغ 92,970 ليرة ارتباطاً بالحد الأدنى، وأعلى سعر لا يتجاوز 1,000,000 ليرة للعمالة المميزة والتي تعتمد على العمل الذهني أكثر من العمل الجسدي، وبالتالي فإن الشريحة من الطبقة العاملة في بلدنا أجرها الشهري لا يتجاوز 1,000,000 ليرة فقط لا غير.
لنأخذ هؤلاء المحظوظين القلة الذي يبلغ أجرهم مليون ليرة شهرياً ونبين تأثير هذا الأجر المميز وكيفية تآكله مع كل ارتفاع لسعر الصرف وبشكل يومي. في الأسبوع السابق عندما كان يبلغ سعر الصرف حوالي 7500 ليرة، هذه المليون كانت تعادل حوالي 133.33 دولاراً، وفي نهاية الأسبوع ذاته تجاوز سعر الصرف 9000 ليرة، لتنخفض القدرة الشرائية لأجر هذا العامل الفريد من نوعه (من ناحية أجره) إلى 111.11 دولاراً، وبالتالي فإن نسبة انخفاض القدرة الشرائية تقدر بحوالي 16.7% تقريباً، وعليه فإن قدرة هذا العامل على تغطية احتياجاته تضاءلت بمعدل 16.7%، وبالنظر إلى متوسط تكاليف المعيشة الذي يقدر ب 5,600,000 ليرة شهرياً وبعد هذا الارتفاع الشديد في سعر الصرف من المتوقع أن يبلغ متوسط تكاليف المعيشة حد 7,200,000 ليرة بشكل شهري، وبالتالي فإن عجز هذه الفئة من العمال أصبح 13.8% بعد أن كان 17.8% قبيل أسبوع فقط، وعليه فإن قدرة العامل على تغطية تكاليف معيشته (تكاليف بقائه على قيد الحياة) انخفضت حوالي 4% خلال أسبوع واحد فقط.

وضع أغلبية الكادحين

بالنظر إلى وضع العمال ذوي الأجور المرتفعة نستنتج مدى قهرهم ومأساتهم فيما يخص تغطية تكاليف المعيشة. ولكن بالنسبة للغالبية العظمى من الطبقة العاملة فإن الحال يرثى له، ويتجاوز حالة المأساة والقهر. ولنرى الآن كيف تدهور وضع أغلبية العمال مع التطورات الجديدة.
يبلغ وسطي الأجور حوالي 250,000 – 300,000 بالحد الأعلى وعليه فإن معدل تغطية تكاليف الحياة تغير من 4.9% بداية الأسبوع السابق إلى 3.8% نهاية الأسبوع ذاته. هذه البيانات توضح لنا حجم الظلم والوحشية التي تمارس على غالبية السكان في ظل الأوضاع الحالية. وبالتالي نرى المعيار الذي يعتمده المسؤول عن هذه الأوضاع، فبدلاً من الوقوف بصف أغلبية السكان ودعمهم في ضوء تدهور الأوضاع الاقتصادية، نجده يضاعف ظلمه تجاههم ويضاعف مدى بؤسهم وقهرهم، وكأن شرعية أية حكومة تتحدد بارتفاع درجة الظلم الذي تمارسه على شعبها.
فهذه الإجراءات الحكومية التي تعد سبباً مباشرة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وبالتالي سبباً مباشرة لتدهور أوضاع السكان أكثر وأكثر لا تأبه إلا بقلّة قليلة من أصحاب المال، قلة تشكل 10% من السكان. فالحكومات موجودة لإدارة شؤون الشعب بمجمله وفقاً للدستور بما يتناسب وينسجم مع المصلحة العامة للبلد وتطورها الاقتصادي والاجتماعي. إلّا أن نموذج الحكومة هنا يخترع معياره الفريد في وضع القلة القليلة من أصحاب المال على رأس قائمة أولوياته، بل حتى إنهم الوحيدون الموجودون في هذه القائمة، فالحكومة تضحّي بكل شيء في هذا البلد من أجل تضخّم أرباح وأموال هؤلاء.

الخلاصة

يرتبط معدل النهب والظلم ارتباطاً طردياً مع قرب الأزمة السورية من الحل، لأن استمرار الأزمة يعني بالضرورة استمرار هذه الجهة الناهبة والظالمة، وبالتالي أية متغيرات دولية أو إقليمية تساعد على تسريع الحل، نجد أن هناك قوى تعمل على إعاقة وتأجيل حل الأزمة، ولكن كل التجارب على مر التاريخ تبين بشكل لا مجال للشك فيه، أن أية جهة أو أي فرد أو أي كيان يحاول الوقوف في وجه حركة التاريخ مصيره على خلاف ما يتوقع، فارتفاع شدة مواجهة الواقع تعني بالضرورة ارتفاع شدة الانهيار أمام الواقع ذاته، ونرى مصير مجمل الحركات التي حاولت حرف حركة التاريخ. وعليه فإن الأزمة السورية ذاهبة إلى الحل وبالضد من مصالح المعيقين للحل السياسي وبالضد من إعاقتهم له، وكل المتغيرات الإقليمية والدولية توضح كل شيء في هذا الخصوص. ولكن على ما يبدو أن هذه الجهة التي تسعى إلى تأجيل الحل لا تعلم أو تعلم أن كل ما زادت فترة الإعاقة والتأجيل زادت معها كارثية الشعب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122