النموذج المشوّه من نهب قوة العمل...

النموذج المشوّه من نهب قوة العمل...

تختلف قوة العمل بكونها سلعة عن بقية السلع، بـأنها سلعة فريدة من نوعها، سلعة حية خالقة للقيمة، ولا تختلف عن بقية السلع بحاجتها للتجديد من أجل استمرارها كسلعة حية منتجة للثروة.

يعي رأس مال أهمية هذه السلعة بشكل كبير، ويعي أيضاً أنه بدونها وبدون استغلالها لما استطاع مراكمة ثرواته وأرباحه على حساب نهب العمال وسرقة ساعات عملهم وخطف حياتهم بالمعنى المطلق للكلمة. وبناء على هذا الوعي، فإن رأس المال يتفنن باختراع الأساليب والطرق التي تساعده على استمرار نهبه وسرقته لقوة العمل. سواء كانت هذه السرقة تتم على المستوى الدولي بسرقة دول لثروات الدول الأخرى، أو أن تتم داخل الدولة بحد ذاتها عبر اتباع السياسات الاقتصادية المشوهة التي تعبّد الطريق أمام رأس المال الداخلي وتفرش أمامه السجاد الأحمر لتتم عملية نهب المفقرين والعمال بحرّية تامة.

فجهاز الدولة كما عرفه فلاديمير لينين هو أداة قمع تعمل لصالح الطبقة السائدة، وبالضد من مصالح الطبقات الأخرى الموجودة في هذا البلد أو ذاك. إن المنظومة السائدة في بلدنا هي من أكثر المنظومات الرأسمالية تشوّهاً. ولنا في السياسات المالية وسياسات الأجور وسياسات رفع الدعم وتقويض الإنتاج الوطني وتدمير القوى المنتجة خير أمثلة توضح مدى الخلل الذي تعاني منه هذه المنظومة التي لا يهمها أي اعتبار مقارنةً بالاعتبار الأساسي المتفرّد والوحيد الذي تعمل في ظله (نهب الثروات الوطنية ومراكمة الأرباح).

نهب المنهوب

يبلغ الحد الأدنى للأجور 92,970 ليرة فقط لا غير، في حين أن متوسط تكاليف المعيشة تجاوز حاجز 5,000,000 ليرة شهرياً، المفارقة العجيبة أن القائم على تحديد الحد الأدنى للأجور وأسعار السلع هو نفس الجهة بشكل مباشر فيما يخص الأجور، وبشكل مباشر وغير مباشر بالنسبة لأسعار السلع عبر مجمل السياسات المتبعة التي أدت بالضرورة إلى تضخم أسعار السلع الأساسية إلى هذا الحد غير المسبوق، (ما يميز هذا الأمر أن الحد غير المسبوق يتضاعف كل شهر ليصبح حداً غير مسبوق أكثر وأكثر).
بناء على ما سبق فإن القائم على هذه المعادلة الكارثية على كافة الأصعدة (اللهم باستثناء الصعيد الخاص بأصحاب المال) يعي ما يفعله، ويعي تماماً النتائج المترتبة على ما يفعله، والأكثر خطورة هو أنه يعي كيف يفعله. ومن أجل التوضيح أكثر ندرج الجدول الآتي:

1121a

بالنظر الى بيانات الجدول، نرى أن الأجر العادل للساعة الواحدة بناء على متوسط التكاليف المعيشية، يقدر بحوالي 27,275 ليرة للساعة الواحدة، في حين أن الحد الأدنى لسعر ساعة العمل لا يتجاوز 446.9 ليرة، وذلك على اعتبار أن شهر العمل يتألف من 26 يوماً، ويوم العمل يـتألف من 8 ساعات، وبالتالي فإن عدد الساعات الكلي خلال الشهر يبلغ 208 ساعة عمل لكل عامل، وبتقسيم الحد الأدنى للأجور على ساعات العمل خلال الشهر ينتج لنا أجر الساعة الواحدة كما هو موضح بالجدول السابق. وبناء على ما سبق، فإن العامل يعمل ساعة كاملة ويتقاضى مقابل هذه الساعة أجراً لا يغطى من الوقت سوى 58.8 ثانية.

إن الأمر لا يتوقف هنا فقط، فالقائم على البيانات الأجرية الموضحة أعلاه هو ذاته من يتحكم ويؤثر بأسعار المواد الأساسية التي يحتاجها العامل لتجديد قوة عمله والذي يبلغ متوسط تكاليفها حوالي 5,673,000 ليرة، إضافة إلى كل ذلك وبشكل عام، فمن يشتري قوة العمل بهذه القيمة التي تعتبر لا قيمة، هو ذاته أيضاً من يبيع المواد الأساسية بالأسعار الحالية والذي يحددها هو ولا أحد غيره.
وبالتالي فإن العامل في ظل هذه الإدارة الوحشية يتعرض للنهب أثناء بيعه قوة عمله، عبر عمله لـ 208 ساعات شهرياً، وأجره لا يغطي سوى 3 ساعات و23 دقيقة فقط لا غير، أي إن أجره الشهري يغطي أقل من نصف قيمة قوة عمله اليومية، ويتعرض للنهب مرة أخرى بأضعاف مضاعفة أثناء شرائه لاحتياجاته التي لا يغطي منها سوى 1.85% فقط لا غير.

حرية رأس المال وتكبيل القوة العاملة

لا يمكن لأي رأسمال أن يقوم بهذه الأفعال الهمجية بكامل الحرية ومطلق الإرادة، ولا يقدر أي عامل على تحمل هذا الحجم الهائل من النهب، ما لم يكن هناك سماح للأول بممارسة استغلاله، ومنع الثاني من مواجهة هذا الاستغلال، وبالتالي نستنتج أن هذه الجهة تتمثل بالحكومات المتتابعة، هذه الحكومات موظفة بكل أجهزتها وأدواتها للحفاظ على الوضع السائد.

بارقة الأمل

إن المتغيرات السياسية الدولية والإقليمية تتجه نحو الحل السياسي للأزمة الوطنية السورية. وإن اللحظة التي سيحدد فيها الشعب السوري مصيره بنفسه باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى، وذلك عبر التطبيق الكامل للقرار الدولي 2254.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1121
آخر تعديل على الثلاثاء, 09 أيار 2023 11:02