ما لا نعرفه عن عاملات الزراعة...

ما لا نعرفه عن عاملات الزراعة...

تتكون الورشة بشكل وسطي من حوالي 15 إلى 20 عاملة، وتتفاوت أعمار العاملات من 14 عام إلى 50 عام. في أغلب الأحيان تكون هذه الورشة تابعة لصاحب الورشة، الذي يتولى تأمين العمل في الأراضي الزراعية المجاورة، إضافة إلى توليه نقل العاملات من الأرض إلى منازلهن، مع العلم أن العاملات يبرعن بكل أنشطة العمل الزراعي تقريباً، من زراعة المحاصيل إلى حصادها إضافة إلى رش المحصول بالمبيدات الحشرية والخ.

بعيداً عن الأجور المتدنية للعاملات، إذا ما قورنت بالأوضاع المعيشية، وبعيداً عن حصة صاحب الورشة التي تشكل الجزء الأكبر من المردود، فإن هذه الفئة من الطبقة العاملة والمنتجة تتعرض لجرعات مضاعفة من السحق النفسي والمعنوي وأخيراً المادي.

توارث المهنة.. وما يتبعها

غالباً ما تتكون الورشة من عاملات تربطهن قرابة عائلية قريبة جداً تقع ضمن الدائرة الأولى أو الثانية، ودائماً ما تكون المرأة الأكبر سناً هي المسؤولة عن بناتها وأحفادها وأبناء أخوتها واخواتها الذي يشكلون قوام هذه الورشة. وكما هو معروف فإن هذه المهنة بالنسبة لهن يتم توراثها جيلاً بعد جيل، فالجدة الكبيرة المسؤولة عن العاملات اليوم، كانت في فترة من الزمن هي نفسها البنت الصغيرة التي كانت الجزء المهمش من ورشة سابقة، هي بحد ذاتها (الورشة) التي على هامش المجتمع.

التدمير النفسي

قصدت أحد الأصدقاء من ملاك الأراضي في منطقة الكسوة، لأطلع على واقع العاملات لعلّي أحظى بفرصة الحديث معهن، وفعلاً تزامن وقت زيارتي مع وجود ورشة عاملات تعمل بحصاد محصول (الزهرة والملفوف). وما لفت نظري هو طريقة تعامل صاحب الأرض معهن، كان شديد القسوة، شديد الغضب، شديد الازدراء. الغريب في الأمر أن السيدات تقبلن كل هذا وكأنه شيء اعتيادي بالنسبة لهن، وهذا تماماً ما دفعني أكثر وأكثر للحديث معهن، محاولاً فهم ما يحصل.
بشكل عفوي بدأت الحديث مع الجدة أم حسين، وعند سؤالها عن الطريقة التي يتعامل بها معهن صاحب العمل، قالت لي: والله يا خالتي نحنا متعودين على هي الحياة، من أنا وعمري 7 سنين بلشت شغل ولليوم صار عمري 50 سنة، وأنا بسمع هالحكي وبطنش، بالأول كان يدايقني هاد الوضع كتير، ووقت كنت صبية أول طلعتي كنت حاول أتمرد أو رد، بس ستي الله يرحمها كانت تضربني وتقمعني وتخلينا نسكت ونتحمل، هي مصلحتنا شو بدنا نعمل، ياريت موقفة على صاحب الأرض، لسا ما شفت الحكي يلي منسمعو من ولاد صاحب الأرض، ولا من المعلم صاحب الورشة. ومو بس هيك، أحياناً منتعرض بمواقف أسوأ من هي المواقف بكتيير. بس كلو كوم، وآجارنا البسيط ومو بس هيك لا وآخر شي منعطيه لرب العائلة، ونحنا ما بزدلنا شي، الكل عم يتعامل معنا على انو نحنا ولا شي.

الاغتراب المضاعف

يتضح من خلال حديث أم حسين أن ما تعانيه المرأة العاملة في مثل هذه الورشات يكاد يماثل أحوال العبيد في أيام التشكيلة العبودية، وما يميزه أكثر، هو حجم الاغتراب عن الذات وعن العمل الذي تتعايش معه هذه المرأة يعتبر اغتراباً مضاعفاً بشكل مخيف.
الاغتراب عن العمل يتمثل بدرجات مرتفعة جداً، تحديداً في ظل قسوة صاحب الأرض التي ترتفع شدتها في مرحلة جني المحصول، هذه المرحلة التي تكرهنها معظم هؤلاء العاملات، بالنظر لحجم القسوة التي يتعاملن بها، فصاحب الأرض طوال فترة زراعة المنتج والعناية به والخ، تنخفض نسبياً شدة قسوته، ولكن في مرحلة جني المحصول تراه متوحشاً، ومتهجماً بشكل لا يمكن فهمه على أية عاملة ترتاح بضع دقائق، أو تلتهي عن عملها لثوان معدودة. فهو يرى هؤلاء العاملات (كعدادات النقود) وبالتالي يتضح فعلياً سبب هذا التعامل معهن من قبله. فما هو نعمة بالنسبة لصاحب الأرض فهو في الوقت نفسه نقمة على العاملات.
الشق الآخر من اغتراب العاملات، اغترابهن عن أجورهن، فالأجر كما هو وبشكل يومي يذهب بكامله إلى رب العائلة، فلا يكفي أن الإنتاج الذي تنتجه هذه العاملات لا تربطهن به أية علاقة سوى ما يتصدق به صاحب الأرض عليهن نهاية موسم جني المحصول، فإن الأجر نفسه أيضاً لا تربطهن أية علاقة به، ولكن في حالة الأجر لا يوجد صدقات مثل التي في حالة الإنتاج، فرب الأسرة ونظراً إلى أنه لا يعمل أبداً ينقض على أجر بناته وزوجته، كما ينقض المفترس على فريسته.

الخلاصة

إن ما تعانين منه العاملات في مثل هذه الورشات، من النهب المضاعف لقوة العمل، هو من آثار النهج الاقتصادي الذي تعاني البلاد من نتائجه وانعكاساته على المجتمع بشكل عام، فالتهميش الذي يتعرضون له هؤلاء الناس بدءاً من رب الأسرة العاطل عن العمل، ووصولاً إلى أصغر عاملة، وما يتبع هذا التهميش من بؤس وعوز وفقر وأمراض والخ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1119
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:30