اقتراب العيد.. من وجهة نظر العمال
إن الرأسمالية في ظل زحفها الذي لا يتوقف باتجاه مصالح العمال تختطف جوهر الإنسانية جمعاء، عبر تسليعها لكل شيء مادياً كان أم معنوياً، عبر تسليعها للإنسانية بحد ذاتها.
تاريخياً يأخذ العيد في قلوب عامة الناس مكانة كبيرة جداً تعبر عن الفرح والسعادة والراحة النفسية. وسمّي العيد بهذا الاسم لعوده بالخير والسرور على أهله بعد قيامهم بواجب يتكرر لفترة من الزمن، أو احتفاء بذكرى غالية على نفوسهم، أو حصولهم على غاية عزيزة على قلوبهم. في أيام العيد يجد الناس فرصة للترويح عن أنفسهم وفيه متسع للفرح والراحة مهما كانت الظروف.
ولكن كغيره من الحاجات الروحية كالحب والشعر والعلاقات الإنسانية والأسرية، بات يخضع هذا الطقس لظروف الاقتصاد وتقلبات العرض والطلب، بما يصب بمصالح أصحاب المال وبالضد من مصالح العمال كما جرت الأمور تاريخياً.
وبدلاً من استقباله كما يجب استقباله، يأتي العيد على جل أبناء الطبقة العاملة وكأنه كابوس يضرب قلوبهم وعقولهم نظراً لما تعيشه الطبقة العاملة من حياة معيشية بائسة وقاتلة، نتيجة محدودية الدخل من جهة وتضاعف التكاليف المعيشية أضعافاً مضاعفة من جهة أخرى. إن الأمر لا يتوقف هنا بل يمتد إلى ارتفاع واشتداد وتيرة استغلال ونهب العمال من قبل أصحاب العمل في فترات ما قبل العيد بل وحتى خلال أيام العيد نفسه أحياناً. عطفاً على ذلك نروي مثالاً واقعياً لزيارة قمنا بها لأحد معارفنا العاملين في معمل لصناعة الألبسة في منطقة صحنايا، هذا المثال قد يختزل حال عمال البلد في ظل اقتراب العيد.
الأجور المتدنية
يروي العم أبو ثائر عن تدني الأجور – الذي يتقاضها هو وزملاؤه بمختلف اختصاصاتهم – وعدم تناسبها وكفاياتها لتغظية التكاليف المعيشية التي تجاوز حدها الوسطي ال5,000,000 شهرياً لأسرة تتألف من خمسة أفراد. ويتألف هذا المعمل من 10 عمال بمختلف اختصاصاتهم المهنية والخدمية، علماً أن يوم العمل يمتد إلى8 ساعات يومياً ويبلغ متوسط الأجور لهؤلاء العمال حوالي 700,000 ليرة شهرياً، مع العلم أن مدير المعمل يتقاضى راتباً شهرياً قدره 1,600,000 ليرة في حين أن عمال المكنات وعددهم 5 يتقاضى كل منهم 900,000 ليرة شهرياً أما بقية العمال (أمبلاج، حويصة) بين 150,000 – 300,000 لكل منهم. وبالتالي فإن تغطية هؤلاء العمال لمتوسط تكاليف معيشتهم يبلغ بحدّه الأعلى 29% تقريباً وبحده الأدنى حوالي 2.7% فقط لا غير.
ساعات العمل الإضافية وموسم العيد
يكمل العم أبو ثائر كلامه عن اقتراب موسم العيد وما يتبعه من ارتفاع وتيرة العمل وحاجة صاحب العمل لساعات عمل إضافية من أجل رفع الطاقة الإنتاجية بما يتناسب وارتفاع ذروة الطلب على منتجاته، خاصة مع وضوح عدم القدرة على تنفيذ الخطة الإنتاجية بشكلها المقبول والمتناسب مع ارتفاع الطلب بهذه الأوقات من الموسم، وبالتالي لجأ صاحب العمل إلى تفعيل خيار ساعات العمل الإضافية بأجر مماثل لساعة الدوام الطبيعية، معتمداً في ذلك على تدهور أوضاع العمال المعيشية وحاجتهم إلى ليرات إضافية مهما كان قدرها تسندهم في مواجهة بؤس الحياة التي يعيشونها بشكل لحظي. فإذا كان متوسط أجر الساعة في الأوقات العادية يبلغ حوالي 3,365 ليرة تقريباً فيجب على الأقل أن يرتفع أجر الساعة بمقدار 50% وفقاً لأنظمة العمل (المستغلة) الأكثر عدلاً، وبالتالي يجب أن يكون متوسط أجر الساعة الإضافية ما لا يقل عن 5,050 ليرة. ولكن نظراً لعدم خصوع هذا المعمل وغيره الكثير للقوانين الناظمة والتزامه بها يقوم بصياغة الأجور والقوانين الخاصة به والمتناسبة مع مصالحه الربحية كما شاء بدون رقيب أو حسيب.
الأرباح المحققة نتيجة اشتداد وتيرة الاستغلال
في الأحوال العادية ينتج هذا المعمل ما يقارب 2000 قطعة من الملابس الجاهزة، بمتوسط سعر للقطعة يقدر حوالي 70,000 ليرة أي إن قيمة البضاعة الشهرية التي ينتجها المعمل تقدر بحوالي 140,000,000 ليرة بالأحوال العادية وذلك بنسبة ربح تقدر بحوالي 40% من إجمالي التكاليف، أي إن تكلفة البضاعة المنتجة تقدر بحوالي 100,000,000 ليرة موزعة على معظم بنود التكلفة من أجور العاملين والمواد الأولية وحوامل الطاقة وغيرها. ما يعني أن نسبة أجور هؤلاء العمال المفقرين لا تتجاوز بأحسن الأحوال 7% من إجمالي التكلفة، ونسبة 5% من إجمالي قيمة البضاعة التي ينتجها هؤلاء العمال أنفسهم، إلا أن نسبة الأجور من صافي الأرباح لا تتجاوز 17.5% فقط لاغير. ومن هذا يتضح لنا لماذا لا يقدر العامل في المعمل على تغطية تكاليف معيشته إلا بنسبة 12.5% بشكل وسطي، فهو يضحي بجزء كبير جداً من حياته وحياة أطفاله ومعيشتهم لصالح صاحب العمل الذي ينهب ويستغل هؤلاء العاملين بما يصب بمصلحته وأرباحه، فإذا كان متوسط تكاليف المعيشة يتجاوز 5,000,000 ليرة بالتالي فإن متوسط أجر الساعة المفترض لتغطية هذه التكاليف يجب ألّا يقل عن 24,040 ليرة إلا أن متوسط أجر الساعة في حالتنا هذه يكاد لا يتجاوز 3500 في أحسن الأحوال. وبناء عليه فإن معدل الاستغلال الذي يحققه صاحب العمل في الأحوال العادية يتجاوز 5.7 أضعاف، أي إن الأرباح التي يحققها صاحب العمل جرّاء استغلاله للعمال تتجاوز 570%، إنه بهذه العملية لا يحقق ربحاً بهذا المقدار فحسب، بل إنه يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في موت واندثار الطبقة العاملة التي لولاها لما حقق ربحاً مقداره ليرة واحدة. إن ارتفاع ربحه ودرجة استغلاله إلى هذا الحد يعني بالضرورة ازدياد فقر وبؤس وازدراء العمال على الجهة المقابلة، إنه لا يسرق ساعة عملهم فحسب وإنما يستنزف دماءهم وينهش لحمهم ويسرق حياتهم.
نأتي الآن إلى تضاعف هذه الأرباح (وبالتالي تضاعف معدل الاستغلال وبالتالي ازدياد بؤس العمال) في حالة العمل الإضافي، قلنا سابقاً إن إنتاجية المعمل في أحواله العادية تقدر ب حوالي 2000 قطعة شهرياً ما يعادل 77 قطعة بشكل يومي وبالتالي 9.6 قطعة بالساعة الواحدة على اعتبار أن يوم العمل يتألف من 8 ساعات، وبإضافة 4 ساعات عمل إضافية كما هو الحال في مثالنا بالتالي فإن إنتاجية اليوم سترتفع إلى 115.5 قطعة بمتوسط سعر القطعة الواحدة 70,000 ليرة وبالتالي فإن القيمة المنتجة في اليوم الواحد ستصبح 8,085,000 ليرة بعد أن كانت 5,390,000 ليرة قبيل بدء ساعات العمل الإضافية، مع العلم أن تكاليف الإنتاج في ساعات العمل الإضافية تنخفض بحدود 10% كما وضح لنا أبو ثائر بحكم وجود جزء من التكاليف يعتبر ثابتاً، وعليه فإن أرباح صاحب العمل جرّاء استغلاله للعمال بساعات عمل إضافية تقدر بحوالي 25,000 ليرة للقطعة الواحدة وبحكم أن إنتاجية هذه الساعات ال4 الإضافية تقدر ب 38.4 قطعة بشكل يومي فإن أرباحه خلال هذه الساعات الأربع ستبلغ حوالي 960,000 ليرة مع العلم أن أجور العمال خلال هذه الساعات تقدر ب 134,600 ليرة فقط لاغير وبالتالي فإن معدل استغلال صاحب العمل للعمال (وبالتالي معدل مساهمته في افقارهم وتدميرهم) ارتفع من 570% في الوضع الطبيعي إلى 713.2% في وضع ساعات العمل الإضافية.
تدهور الوضع المعيشي واضطرار العمال
لا يخفى على العمال أن صاحب العمل يتعامل معهم على أنهم مجرد أشياء مثلهم كمثل المكنات بل حتى أقل، ولكن كما قال أبو ثائر (شو يلي جبرك على المر؟ يلي أمر منه) فمن يواجه البؤس اليومي من ضغط تأمين الدواء والأكل واللباس ومجمل احتياجاته واحتياجات أسرته سيخضع بالإجبار وبشكل قسري لاستغلال صاحب العمل الذي لا يفوّت فرصة كبيرة أو صغيرة إلا ويستغلها لمصلحته. فالعامل اليوم يقف مرعوباً أمام هول ازدياد التكاليف المعيشية وتضخم أسعارها إلى معدلات غير مسبوقة بالمطلق، هذا ما يجعله مكتوف الأيدي وليس له بديل سوى تقبل استغلال صاحب العمل له، في ظل انعدام أي دور للدولة في تنظيم علاقات الإنتاج السائدة بما يتناسب ومصالح البلد بشكل عام ومصالح الطبقة العاملة المفقرة بشكله الخاص.
الخلاصة
عطفاً على كل ما سبق فإن اقتراب العيد مرتبط بتضاعف فقر واستغلال العمال كافة الذين يشكلون 95% من إجمالي السكان، وبدلاً من الاحتفال باقتراب هذه المناسبة السعيدة، يستقبلها العمال بأشد الظروف قسوة فمنهم لم يعرف معنى العيد بالمطلق منذ سنوات وسنوات نتيجة غرقه في ساعات عمله حتى في أيام العيد كما هو الحال عند عمال المطاعم، وهذا ما عززته السياسات الليبرالية المشوهة والمتوحشة التي انتهجتها الحكومة ضاربة عرض الحائط مجمل القيم الإنسانية والروحية فقط من أجل إرضاء أبناء الطبقة التي تمثلها هذه المنظومة السائدة (طبقة أصحاب المال والأرباح التي لا تشكل سوى 5% فقط لا غير من إجمالي السكان).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1118