هنالك بديلٌ للمشروع الغربي في سورية...
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

هنالك بديلٌ للمشروع الغربي في سورية...

كل المآسي الاقتصادية التي مرت بها الطبقة العاملة والمجتمع السوري عامة منذ ما قبل انفجار الأزمة بأعوام، والتي مهدت للانفجار عام 2011 وحتى الآن، هي عبارة عن غيمة صيف عابرة حسب تصريحات المسؤولين، وهذه الحالة غير مستمرة، وجاءت نتيجة لظروف طارئة وحرب كونية تتعرض لها البلاد، ولا بد من الإيمان والتسلح بمزيد من الصبر والتضحية من أجل الوطن (وكأن الفقراء وحدهم من يجب عليهم تحمل تبعات الأزمة) فيما القلة القليلة المتبطرة لا يجوز المساس بحقوقها، ولولا «تضحياتها» و«تحملها للعقوبات» لكانت أسواقنا تفتقر لكل شيء، وأن المليارات التي تجمعها في الداخل وعبر الاقتصاد الأسود، والتي ترسلها للبنوك في الخارج هي ثمن نضالها، ولا بد أن تقبضه.

فما بيد هؤلاء المسؤولين من حيلة، وأن جميع الطرق لانتشال الشعب من الجوع مغلقة في وجههم، ولا سبيل للحل سوى برفع العقوبات الغربية عن سورية، ودعم دولي واسع، لتنطلق عملية إعادة الإعمار، وبالتالي دوران عجلة الاقتصاد ورفع قيمة العملة وتحسين للرواتب وللأجور... هذا هو تشخيص الوضع الاقتصادي كما يظهر في الإعلام الرسمي وعلى ألسنة المسؤولين والحكومة، وكأن الحكومة تقول لنا: إن مفتاح الحل لأزماتنا موجود عند الغرب، وعند الغرب وحده!

تطبيق وصفات خبيثة

ولأن «الحل بيد الغرب»، ومؤسساته المالية ضمناً، فلا بد من «مقاربات معينة» تسمح بالعمل مع الخطط الاقتصادية الغربية، وخاصة خطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ فيجب إذاً إكمال مشروع خصخصة القطاع العام ورفع الدعم عن المواطن، وخفض الأجور وتسليم ثروات البلد ومؤسساتها لوكلاء الغرب في الداخل، من مستثمرين ورجال أعمال، وهذه هي الخطة التي يجري تطبيقها عملياً بغض النظر عما يجري التصريح به رسمياً، وذلك بالتوازي مع السماح للمنظمات غير الحكومية وغير معروفة الأهداف والنوايا للتصدّق على الشعب السوري، وأخذ مكان الدولة ومهامها. هذه الوصفة الغربية، لا يمكن أن تتم على الطريق نفسه الذي يقود إليه الحل السياسي وفق 2254، بل تسير بالضبط عكس هذا المسار. ولذا لا بد من الإصرار على رفض الحل السياسي، ورفض المشاريع الروسية والصينية للحل في سورية، مع المراهنة على الغرب والدول التابعة له في المنطقة، وفق خطته «خطوة مقابل خطوة»، والتي هدفها الحفاظ على الوضع القائم دون تغيير، وصولاً إلى تفكيك سورية رسمياً، تمهيداً لتفجير المنطقة بأسرها.

ما هو البديل؟

على الضفة المقابلة في المجتمع، والتي تمثل مصلحة الغالبية العظمى من السوريين، يوجد مشروع وطني اقتصادي مقاوم، وهو القطع الكامل مع الغرب واقتصاده الناهب ومؤسساته، واتباع سياسة التوجه شرقاً، سياسياً واقتصادياً، والذي تكون بدايته مع حل سياسي للأزمة السورية يمهد للتغيير الجذري والشامل على جميع المستويات، وخاصة الاقتصادية منها، وأول خطوة هي فك الارتباط بالدولار، واعتماد العملات المحلية في التجارة الخارجية، كما يجري الآن بين عشرات الدول التي تخلت طواعية عن منظومة الدولار، وبغض النظر عن العقوبات الأمريكية، لأن مصلحتها ومصلحة شعوبها باتت تتطلب ذلك، وحصر استيراد المواد الأساسية بيد الدولة، وإعادة القطاع العام ليلعب دوره الاقتصادي والاجتماعي في إعادة توزيع الثروة، وربط الأجور بالأسعار، وإعطاء الحرية لجميع النقابات العمالية والمهنية كي تأخذ دورها في التصدي للفساد الذي أضر بكافة فئات المجتمع.

المراهنة على الشعب وعلى أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين

القطع مع الغرب اقتصادياً يتطلب الانتصار على رعاته في الداخل، الذين أوصلوا السوريين إلى الجوع، في تناغم كامل مع هدف العقوبات الغربية، وهو إفقار السوريين وإذلالهم، وهذا الانتصار هو انتصار للسوريين جميعا من خلال التوصل لحل سياسي يوحد سورية أرضاً وشعباً، وينهي سنوات الصراع الدامية، ويعيد السلطة للشعب حصراً، وهو وحده فقط من يقرر، وسيقول كلمته الفاصلة بين البرنامجين، برنامج يعتمد على الغرب وينفذ سياسته، وبرنامج يعتمد على القوى الصاعدة في التحرر من التبعية للغرب، وهذه فرصة ربما لم تمنح للشعوب التي سبقتنا في التحركات الشعبية، مثل: مصر وتونس، ولكنهم ليسوا بعيدين عن هذا السيناريو أيضاً، وربما ستكون سورية هي بداية كسر المشروع الغربي في العالم العربي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1117
آخر تعديل على الخميس, 13 نيسان/أبريل 2023 11:37