الزلزال.. زلزل أحوال الطبقة العاملة
لطالما كان حال الطبقة العاملة في الأحوال الطبيعية متميزاً بدرجة بؤسه ومستوى فقره ومدى حالة العوز المستدامة التي يعاني منها مجمل أبناء هذه الطبقة بشكل لحظي طيلة أيام حياتهم. وأية كارثة طبيعية لها تأثيرات مباشرة على حياة البشر فإن الخاسر الأكبر هم أبناء الطبقة العاملة نتيجة عدم وجود أي هامش أمان يجنبهم بعضاً من تأثيرات هذه الكوارث.
والحال نفسه فيما يخص الزلزال الأخير الذي ضرب شمال وغرب البلاد، فعدد المتضررين وفق تقديرات منظمة UN يفوق 5 ملايين شخص سيكونون بدون مأوى، والغالبية العظمى من المتضررين هم العمال والكادحون، ووفقاً لمعلومات حكومتنا فإن غالبية الأبنية المدمرة كانت من المخالفات وغير مجهزة للصمود أمام مثل هذه الكوارث، ومنطقياً لا يقطن مثل هذه الأبنية إلا الفقراء وأبناؤهم، الذين تعرضوا إلى نتائج دموية نتيجة الزلزال سواء بفقدانهم أحبتهم وعوائلهم أو بيوتهم أو فقدان كل ما يمكن فقدانه. إضافة إلى ذلك فإن غالبية هؤلاء البائسين لم تقتصر خسائرهم على ما ذكرناه سابقاً، بل امتدت لتعطلهم عن العمل نتيجة توقف المنشآت الصناعية والتجارية بسبب الزلزال الأخير، فمن كان سابقاً يستر نفسه بأجره الشهري الذي لا يتجاوز بأحسن الأحوال 250,000 ليرة بات الآن عارياً بشكل مرعب بمواجهة قسوة الحياة المعيشية والاقتصادية وخصوصاً في ظل تعري الحكومة وفضح مدى هشاشتها فيما يخص إدارة هذه الأزمة ومعالجة آثارها وتأثيرتها على المواطنين.
دور نقابات العمال:
حرصاً على ممارسة النقابات العمالية لدورها الوظيفي الذي وجدت من أجله وخصوصاً في ظل هذه الكارثة الطبيعية التي ألمّت بأبناء الطبقة العاملة، لابد لهذه النقابات أن تفعِّل دورها وتقوم بكل ما يمكن القيام به من أجل مساعدة هؤلاء المفقرين والبائسين الذين تضاعف بؤسهم أضعافاً كثيرة، وإذا ما تم اختزال وظيفة هذه النقابات تجاه العمال في الأوضاع الحالية فإن وظيفتها تنقسم إلى شقين، التحرك الفوري بشكل مباشر، والتحرك الإستراتيجي بشكل غير مباشر وسنحاول توضيح هذا بشيء من التفصيل فيما يلي:
أولاَ: يجب على النقابات العمالية مساعدة المتضررين من أبنائها بشكل مباشر عبر توظيف مجمل الموارد المتاحة بحجمها الحقيقي واستثمارها في تقليل خسائر العمال نتيجة الزلزال، سواء الاستفادة من استثمارات النقابات وتوظيف مداخيلها لمساعدة المتضررين بشكل فوري، والاستفادة من حقوق العمال في السياق نفسه وتحديداً مبالغ الـتأمينات الاجتماعية التي تقتطع مسبقاً من دخل العمال، والتي لا بد من استثمارها لتخفيف آثار هذه الكارثة والمساهمة في تأمين المسكن والاحتياجات الأساسية للمتضررين، إضافة إلى ذلك يجب الحرص على استمرار الدخل لكل من فقد عمله، بأية طريقة كانت إما عبر تأمين فرص العمل المستعجلة أو من خلال تخصيص رواتب شهرية طارئة إلى حين تأمين فرص العمل لهؤلاء البائسين.
ثانياَ: المساهمة في تخفيف آثار الكارثة بشكل غير مباشر من خلال الضغط على الحكومة وحثها على ممارسة دورها الوظيفي تجاه المتضررين بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، من خلال ضمان وصول المساعدات الدولية إلى المتضررين الفعليين من الكارثة، وضمان عدم سرقتها كما هو معهود، أو من خلال وضع الخطط الطارئة والواضحة فيما يخص تأمين السكن لهذا العدد الهائل من المشردين، والضغط على الحكومة من أجل تأمين المداخيل للمتضررين والمتعطلين عن العمل من مصادرها الحقيقية. إضافة إلى ذلك الضغط على الحكومة باتجاه رفع الأجور والرواتب للعمال، فإذا كان رفع الأجور حالة ضرورية وملحة لضمان وجود الطبقة العاملة طوال السنوات السابقة، فإنه اليوم وفي ظل هذه الكارثة أصبح أكثر ضرورةً وأكثر إلحاحاً، وإن وصول حجم الخسائر إلى هذا الحد عائد أساساً إلى تفقير الطبقة العاملة على مدار حياتها، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرتها على تأمين هامش أمان يخفف عنها من هذه الآثار المأساوية.
دور الحكومة:
بشكل عام فإن دور الحكومات في ظل هذا النوع من الكوارث معروف وبدهي فالهدف العام لأية حكومة يكون بتخفيف تأثيرات أهوال هذه الكوارث على المواطنين وحياتهم ووجودهم، إلا أن نموذج الحكومة السورية فاق كل التوقعات في تصريحاته وإجراءاته وقراراته فيما يخص معالجة هذه الأزمة.
فبدلاً من تخصيص القوى والموارد في إدارة هذه الأزمة ومعالجتها، تم تخصيصها لمعالجة أزمة الحكومة بحد ذاتها، معالجة كشف هشاشة الحكومة التي فضحتها هذه الكارثة، من خلال تقويض أية حركة أهلية أو شعبية قادرة على المساعدة والمساهمة من خلال إعاقة عمليات المساعدة، وأخذ ما تيسر من المساعدات المقدمة من الأهالي وعدم ضمان وصولها للمتضررين. ونتائج هذه الكارثة ما هي إلا تأكيد على عجز وضعف وهشاشة الإجراءات الحكومية المتخذة للتخفيف من آثار الكارثة التي ألمّت بشكل أساسي بالمفقرين القاطنين في المناطق العشوائية أو في مناطق أخرى أصابها الفساد بمقتل في عملية البناء، ومراعاة ضابطة البناء وغيرها من القضايا الأخرى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1110