هل الإضراب عمل تخريبي
تعتبر منظمات أصحاب العمل في الجهتين العام والخاص، أن الإضراب يصنف تحت بند الأعمال التخريبية فهو يضر بالاقتصاد حسب زعمهم ويسبب خسارات مادية لأرباب العمل الداعمين من خلال أعمالهم للاقتصاد الوطني، هذه هي النظرة السطحية التي ينظر إليها البعض لحق الإضراب عن العمل والذي شرعه الدستور السوري في المادة 44 منه كحق من أهم حقوق الطبقة العاملة.
جوهر الإضراب
ولكن الإضراب بالجوهر هو رد فعل مهم وضروري في الحالات التي تستوجب ذلك من قبل العمال للاحتجاج على ظروف وشروط عملهم التي يفرضها عليهم رب العمل، وغالباً ما تكون هذه الظروف ليست مناسبة للعمل ولا تلبي مصلحة العمال كما هو الوضع اليوم في سورية حيث الأجور والرواتب لا تغطي سوى 3% من تكاليف المعيشة فقط، والعمال يعملون ببلاش عند أرباب العمل وفي شروط وظروف سيئة للغاية ومن كل النواحي بدءاً من الأجور إلى عدم تأمين المواصلات وعدم وجود الاستفادة من الإجازات وفترات الراحة إلى عدم مراعاة قواعد الصحة والسلامة المهنية عدا عن التسريح والطرد التعسفي الذي يتعرض له العمال وفقاً لبعض مواد قانون العمل رقم 17 والذي لا يؤمن لهم حياة مستقرة وجل هذه المشكلات عالجناها في مقالات سابقة.
وسيلة لإعادة التوازن
يعد الإضراب السلاح الوحيد والمتاح للعمال لممارسة الضغط على أرباب العمل والحكومة من أجل معالجة مشكلاتهم في جميع دول العالم حتى تلك التي تتبنى الليبرالية الاقتصادية في سياساتها فقد اعترفت بحق الإضراب ولم تعتبر ممارسته عملاً تخريبياً في الحدود التي لا يضر بها الإضراب مصالحها وعندما يتجاوز الإضراب ذلك تلجأ تلك الحكومات إلى القمع وتهدد بإنزال الجيش كما هو الحال في بريطانيا الآن، وإذا كان العمال يملكون حق الإضراب فأرباب العمل يملكون أكثر الوسائل للضغط على العمال وعلى طبقات المجتمع كافة وهي السلطة والثروة وهذان الاثنان يعدان أخطر بكثير من حق الإضراب لأن احتكارهم للسلطة وللثروة يؤدي إلى تراكم البؤس والفقر عند باقي طبقات المجتمع وهو ما يهدد باضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية قد تكون نتائجها كارثية على البلد بشكل عام وتهدد أمنه الداخلي كما حصل ويحصل اليوم في بلدان عديدة.
فلو كانت السلطات قد رفعت يدها عن حرية العمل للنقابات وفي ممارسة العمال لحقهم الدستوري في الإضراب عن العمل لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من حال الطبقة العاملة ولا تجرّأ الفساد من خلال الليبرالية أن يمارس نهب الدولة والمجتمع معاً جهاراً حتى وصلنا إلى درجة خطر التقسيم للوطن وتجريف سكانه منه، فلا أحد يملك اليوم الوقوف في وجه السياسات الليبرالية المتوحشة وليس هناك رادع لهم سوى المجتمع المقهور ومن ضمنه الطبقة العاملة بأن ينظموا أنفسهم سياسياً وفق مصالحهم وحقوقهم.
هل توجد ثروة من دون حماية
هل من المعقول أن يكون منتجو الثروة الحقيقيون وهم العمال مجردين من أي مؤيد قانوني أو عملي يحميهم من تعسف أرباب العمل ويحمي الثروة التي ينتجونها أم أن الثروة التي ينتجها العمال يجب أن تبقى من دون حماية، وبالتالي ستكون عرضة للسرقة والنهب كما يتمنى الآخرون.
هل هناك قانون عمل مثالي
وحده الإضراب يعيد التوازن إلى علاقة العمل، وجميع الحقوق التي يقرها قانون العمل عادة تكون مجرّد حبر على ورق إذا لم تؤيد بسلاح يمكن العمال من خلاله الدفاع عن حقوقهم، أما ما يثار عن مفتشي العمل والتي تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على زيادة أعدادهم كما صرحت فليسوا هم الحل بالتأكيد لأنهم ليسوا أصحاب قضية ولا مناضلين ولا يستطيعون الوقوف في وجه أرباب العمل ومغرياتهم، فالصراع بين طرفي العلاقة الإنتاجية لا يفهمه ولا يقوده سوى أصحاب المصلحة المباشرين وهم العمال.
إرهاب العمال
إذا كان أرباب العمل يناقشون اليوم حق الإضراب من الوجهة القانونية فهذا الأمر تجاوزه المشرع السوري عبر إقراره للعمال وبنص وواضح وصريح بالدستور لذلك يلجؤون اليوم لإخافة العمال عبر الأجهزة الأمنية وطلب الشرطة للعمال وكتابة ضبوط بحقهم، وهذا إجراء منافٍ للقانون لأن من يمارس حقه القانوني لا يعد مرتكباً للخطأ من الوجهة القانونية وليس عليه أية مسؤولية قانونية وتصرفات أرباب العمل لمواجهة إضرابات العمال هي التي تندرج تحت بند التهديد والإرهاب من خلال الاستعانة بأجهزة الشرطة وغيرها لفض الإضرابات ومن خلال تسريح العمال المضربين تحت حجة مخالفة أحكام قانون العمل، وكأن الأخير لا يخضع للشرعية الدستورية التي تعد أعلى منه ونصوصه أولى بالتطبيق.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1100