بحاجة إلى يوم من 36 ساعة

بحاجة إلى يوم من 36 ساعة

كغيره من الغالبية العظمى من الشعب السوري، يعيش مراد ذو الخامسة والعشرين ربيعاً معتمداً على راتبه الشهري في مواجهة احتياجاته اليومية، ولكن هذه الحرب التي يخوضها تشبه معارك أطفال الحجارة ضد دبابات العدو الصهيوني، فهي غير عادلة بالمطلق حيث يقف وحيداً متسلحاً براتبه الذي لا يتجاوز 300,000 ليرة بمواجهة قسوة الحياة وشدتها.

مراد من أهالي داريا العائدين إلى المدينة مجدداً، وحيد لأهله ومتزوج لديه طفلة عمرها سنة ونصف بالإضافة إلى كونه طالباً جامعياً يدرس في كلية الاقتصاد في السنة الرابعة، يعمل في أحد معامل الأغذية الموجودة في دمشق، ولنا أن نتخيل حجم المسؤوليات التي تقع على عاتقه وهو في هذا العمر.
يقول مراد انه يتقاضى راتباَ شهرياَ لا يتجاوز 300,000 ليرة، علماَ انه يعمل 26 يوم في الشهر بمعدل ثماني ساعات يومياَ، وعند سؤاله عن كيفيفة تدبير اموره المعيشية اجاب قائلاَ بلهجته الدارانية (والله صار بدنا يوم من تبع الـ36 ساعة، هاد تبع الـ24 ساعة ماعد يكفي) وأكمل أنه بعد عودته من المعمل يضطر إلى الذهاب إلى عمل إضافي يسنده ولو قليلاً في الأحوال المعيشية الساحقة. وعند سؤاله عن العمل الإضافي أجاب قائلاً:
«تعال لاعملك حسابات بسيطة بتوضحلك ليش عم اشتغل شغل تاني: أنا شهرياً بحاجة إلى 150,000 ليرة هدول بس لبنتي والحمد لله أن هلق صار عمرها سنة ونص وماعد جبتلها حليب ناطرين تنضف أجلك الله لحتى ما بقى نجبلها حفوضات وهيك بتخف المصاريف شوي، ومستاجرين بيت ب 150,000 ليرة بالشهر، بتعرف نحنا بيتنا راح بالحرب وبدو هديك الحسبة يلي عقلي ما فيو يحسبها أبداً لحتى يرجع متل قبل، وعم أدفع نص أجار البيت والنص التاني بابا عم يكملو، يعني شهرياً بدفع أجار بيت 75,000 ليرة، هي لسا لا أكلنا ولا شربنا صرنا دافعين 225,000 ليرة ولسا ما قلتلك أنه بدي 30,000 ليرة مواصلات لحتى روح وارجع ع الشغل يعني بالمجمل بصيرو 255,000 ليرة يعني تقريباَ 85% من الراتب وهي لسا لا أكلنا ولا شربنا ولا صرفنا ع الجامعة ولا لبسنا ولا جبنا أدوية وإذا بدي عدلك شوفي قصص لسا ما عملتا ما بخلص. وعم تسألني ليش عم اشتغل شغل تاني؟؟؟».
وبتوضيحه عن طبيعة العمل الإضافي أضاف مراد قائلاً: «والله برجع من المعمل وبروح بشتغل بمحل سوبر ماركيت 5 ساعات باخد 125,000 ليرة بالشهر يعني الله وكيلك متل يلي عم يضحك ع حالو بس شو بدنا نعمل، والله لو بقدر اشتغل 24 ساعة ما بقول لأ، بس إيمتى بدي لحق شوف عيلتي وبنتي ولحق نام وارتاح شوي لحتى أقدر قوم تاني يوم ع الشغل، الله وكيلك صار لازم يعملولنا شي توقيت جديد تصير مدة اليوم فيه أقل شي 36 ساعة، الـ24 ساعة ما عم يكفونا».
حال مراد هو حال الطبقة العاملة بالمجمل، بل قد يكون أفضل من غيره نظراً إلى أن راتبه يتجاوز الحد الأدنى للأجور المعتمد الذي لا يتجاوز 92,000 ليرة، في حين أن الحد الأدنى للمعيشة يقارب 3,000,000 ليرة بشكل متوسط.
إن حجم الهوة بين دخل الطبقة العاملة وواقعها المعيشي مرعب لدرجة أن الطبقة العاملة باتت تفكر بتغيير القوانين الموضوعية للوجود كحل لواقعها المزري. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن وعي الطبقة العاملة في تطور مستمر وملحوظ. أما في ما يخص الحل لمشكلة الطبقة العاملة، فهل فعلا اصبحنا بحاجة إلى تغيير القوانين الكونية؟؟ أم أنه توجد حلول أُخرى؟؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1091
آخر تعديل على الثلاثاء, 11 تشرين1/أكتوير 2022 15:05