المنهوبون والتعاونيات الصغيرة
محمد الفراتي محمد الفراتي

المنهوبون والتعاونيات الصغيرة

أعادت الأزمة الرأسمالية التي انفجرت عام 2008 التعاونيات إلى مستوى جديد. وظهرت التعاونيات الجديدة في مختلف القطاعات الاقتصادية حول العالم. وكلما ازدادت الأزمة الرأسمالية عمقاً، ازداد ظهور التعاونيات، وخاصة بعد عام 2020.

ويجري انتشار الاقتصاد التعاوني كأحد أشكال الدفاعات التي تبديها الطبقات المنهوبة حفاظاً على مصالحها في مواجهة الكبار في ظل الأزمة الرأسمالية التي تجتاح العالم كما يمثل أحد أشكال تنظيم الاقتصاد «من تحت».
ولكن رغم بحث الناس عن بدائل للنظام الرأسمالي تبقى هذه التعاونيات أسيرة العلاقات الرأسمالية التي تحكم محيطها، فهي مضطرة رغماً عنها للتعامل مع الاقتصاد الرأسمالي رغم أزمته، كون الأساس الذي قامت عليه هذه التعاونيات لا تمس الملكية الخاصة «أساس العلاقات الرأسمالية» بل تخفف هذه التعاونيات من آثار الاستثمار الرأسمالي بنسبة ما.
وكانت سورية قد عرفت قديماً أشكالاً عديدة للتعاونيات، منها السكنية والزراعية والاستهلاكية وغيرها. وكانت التعاونيات الزراعية قد ظهرت أول الأمر في صدد ودير عطية في ثلاثينات القرن الماضي، لتصبح التعاونيات حركة كبيرة في الخمسينات والستينات.
أما اليوم، هناك ظهور أولي لبعض أشكال الاقتصاد التعاوني الصغير الذي لم يتجاوز الأعمال الصغيرة. فالتفتيت الليبرالي للمجتمع لم يترك هامشاً للتعاونيات الحقيقية الوسطى أو الكبيرة.
ولكن رغم ذلك، شهدت بعض المحافظات السورية ظهور أولى أشكال التعاون الصغير في مواجهة كوارث الأزمة الحالية.

تعاونيات المطاعم الصغيرة

كان العام 2020 بمثابة كارثة على المطاعم الصغيرة، وتواصل إغلاق المطاعم الصغيرة بشكل أكبر مما سبق في دمشق على سبيل المثال.
وبعد فرض الضرائب الجديدة على المطاعم، أغلقت العديد من المطاعم الصغيرة في دمشق، تلك المطاعم التي كانت تعيل عدة أسر. وأصحابها ليسوا من شريحة الناهبين.
لا نعلم إن كانت هناك حركة في العديد من المطاعم، ولكن جرى دمج مطعمين صغيرين في إحدى الأسواق الدمشقية بعد فرض الضرائب الجديدة التي انضمت إلى انخفاض المبيعات، مسببة كارثة لأصحاب وعمال المطاعم الصغيرة. وجرى الدمج كالتالي: إغلاق أحد المطعمين ثم فتحه في معطم آخر صار يضم مطعمين في محل واحد. وجرت الاستفادة من آخر متر فارغ في المكان. وكما يقول المثل: أول الغيث قطرة.

تعاونيات الأجور

من أشهر أشكال التعاونيات الصغيرة في سورية منذ عقود، وتدعى شعبياً باسم «الجمعية».
إذ يتحد عدد من أصحاب الأجور اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية في جمعية الأجور، ويجري التوزيع بشكل ديمقراطي حسب القرعة. ولم يغب هذا الشكل من التعاونيات عن سورية قبل الأزمة وخلالها.

تعاونيات السكن

لا نقصد هنا الجمعيات السكنية التي تأسست في سورية منذ الستينات، بل أحد أشكال التعاونيات السكنية الصغيرة للمستأجرين أو القاطنين التي ظهرت بنسبة ما خلال سنوات الأزمة والنزوح من منطقة إلى أخرى.
وصارت عدة عائلات تسكن منزلاً واحداً، لفقدان القدرة على السكن في منزل مستقل. إن كان بسبب الأزمة أو النزوح، أو بسبب الكارثة الاقتصادية.

التعاونيات الزراعية والاستهلاكية

ظهرت بعض التعاونيات الزراعية والاستهلاكية في الجزيرة وطرطوس خلال السنوات الأخيرة.
ففي طرطوس، بثت وسائل الإعلام المحلية خبراً عن إنتاج الخبز بشكل جماعي في إحدى القرى خلال إحدى أزمات الخبز في السنوات الماضية. وفي الجزيرة ظهرت قرية للنساء اللواتي فقدن أزواجهن في الحرب، وكل الأعمال التي جرت في القرية من بناء المنازل إلى الرعي والزراعة، جرت بشكل جماعي من قبل النساء. بالإضافة إلى ظهور بعض التعاونيات الزراعية والاستهلاكية في الجزيرة.

آفاق المستقبل

تلك هي أشكال صغيرة من إبداع الناس، وجزء من نضالهم اليومي خلال الأزمة والكارثة الاقتصادية.
وإن كانت الظروف لم تنضج بعد لتحول التعاونيات إلى حركة كبيرة، ولكن دروس التاريخ تخبرنا أن الناس سيبدعون الحلول في النهاية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1091
آخر تعديل على الثلاثاء, 11 تشرين1/أكتوير 2022 15:10