خطوة ملموسة خير من دزينة تقارير
كما هي العادة تطرح النقابات مجموعة من التقارير تبين فيها عملها المنجز خلال دورتين من اجتماعات مجلس الاتحاد العام الذي تحضره الحكومة وتطرح بوجودها جملة من القضايا التي تتعلق بأوضاع العمال من حيث معيشتهم وحقوقهم العديدة المغيبة، مع العلم أن ما يطرح في اجتماعات المجلس أصبح مكرراً منذ سنوات، أي بوجود الحكومة الحالية أو أسلافها من الحكومات السابقة وتكرار الطرح نفسه في اجتماع كل مجلس يعني أن تلك المطالب التي يتقدم بها أعضاء المجلس لم تلقَ الاستجابة المطلوبة، وتقدم الحكومات فيها كل المبررات المطلوبة منها والمنقذ لها في كل مرة هو أن الموارد غير كافية لتلبية ما يطرح من حقوق ومطالب، وأمام هذا التبرير المكرر يسود الصمت والقبول بالأمر الواقع ويخرج المتداخلون بخفي حنين كما جاؤوا يعودون من حيث أتوا ويا دار ما دخلك شر.
إن التوصيف العام لواقع الحال الذي يقدم في التقارير النقابية للواقع العمالي وواقع العمل ضروري، ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً طالما أن المسببات الأساسية لتدهور أحوال العباد لم يشر إليها، وهي مهمة، حيث يبنى عليها شكل ومضمون القرار المفترض اتخاذه لمواجهة ما يجري بحق الشعب السوري والطبقة العاملة، أي عندما تقول النقابات إن المسبب الرئيسي للكارثة الإنسانية والمعيشية للطبقة العاملة سببها قوى الفساد والنهب الكبيرين المستحوذين على الثروة التي ينتجها العمال، وأن الحكومة بسياساتها ونهجها المنحاز إلى جهة هاتين الشريحتين تكون قد حددت العدو الطبقي الذي يقوم بعملية النهب، وكذلك ستحدد شكل وأدوات المواجهة المفترضة مع هذا العدو دفاعاً عن المصالح الوطنية والطبقية للطبقة العاملة، وتكون التعبئة للعمال بهذا الاتجاه هي الطريق الأقصر لحصول العمال على حقوقهم المختلفة، ولكن البقاء ضمن الحدود التي تأتي على ذكرها التقارير النقابية عادةً يعني أن النقابات متصالحة مع الأمر الواقع وهي ترى بعين واحده، ولن يحصل العمال في حال حصلوا على شيء سوى على الفتات الذي سيرمى لهم، وهذا يضر ضرراً كبيراً بمن تمثلهم النقابات وهم أغلبية الشعب السوري الذي يعيش ضمن ظروف كارثية بكل المعاني.
بعد تعداد التقارير للإجراءات الحكومية مثل رفع الدعم عن الخبز والغاز والمازوت والبنزين وارتفاع أسعار الصرف وأسعار المواد الغذائية الضرورية ونتيجة لتلك الإجراءات كما يطرح عادةً تحدث الفجوة المعاشية الكبيرة بين الدخول (حيث الحد الأدنى للرواتب والأجور لا يتجاوز 93 ألف ليرة سورية) ونفقات الحياة المعيشية تحتاج إلى عشرة أضعاف متوسط الدخل الحالي.
على جانب آخر لا يمكن فصل العمال ومطالبهم وحقوقهم عن واقع وظروف العمل نفسها في مكان عملهم، كمنشآت ومعامل وقطاعات إنتاج، فإذا كان واقع هذه المنشآت والمعامل متردياً فسينعكس ذلك على العاملين وعلى حقوقهم، فكيف في ظل تراجع وترهل هذه المنشآت، بل استمرار النهج المدمر للإنتاج والقطاعات الإنتاجية عموماً، كنتيجة لجملة السياسات الليبرالية المطبقة منذ عقود وحتى الآن، والتي كان من نتيجتها انحسار وتراجع دور قطاع الدولة المنتج، بالتوازي مع تراجع دور الدولة نفسها، ولا يكفي هنا التغني بالعبارات المكررة عن دعم القطاع العام والإنتاج الوطني مع تسجيل الانحسار المطرد لهذا القطاع، والتراجع المستمر بالإنتاج، والذي تزايد خلال سنوات الحرب وبسببها، وبنفس الوقت كانت سبباً لزيادة سهام الاستهداف له بغاية تقويضه أكثر فأكثر، والتي كان من محصلتها سلب بعض حقوق الطبقة العاملة، وتآكل بعضها الآخر.
الحل النقابي
حددت النقابات طريقة الحل للوضع القائم بأن طالبت الحكومة «أن تعيد النظر بالقرارات البعيدة عن المسؤولية والبعيدة عن ملامسة الواقع المرير الذي يعيشه المواطن السوري».
ولكن السؤال كيف ستعيد الحكومة النظر بقراراتها لصالح تحسين الوضع المعيشي للعمال؟
هناك مثل شعبي قد يكون مناسباً لحالة الموقف المعلن للنقابات يقول «سألوا المسمار ليش بتفوت بالحيط قلهم من كتر الدق» يعني ذلك كيما تعيد الحكومة النظر بقراراتها لا بد من وجود قوة للطبقة العاملة تعبر بتحركها عن أعمق مصالحها وحقوقها حتى تحمي تلك المصالح والحقوق، إذاً لا يمكن انتزاع حقوق الطبقة العاملة بالتمنيات والرجاءات والمصالحات، الأمر يحتاج إلى تعديل في ميزان القوى والطبقة العاملة السورية رغم كل ما أصابها من ويلات في معيشتها ومكان عملها ولكنها قادرة على الفعل الحقيقي من أجل انتزاع حقوقها، كل حقوقها السياسية والاقتصادية والديمقراطية في الظروف المواتيه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1086