تجميد الأجور وانعكاسه على الإنتاج
سياسة تجميد الأجور التي تنتهجها الحكومة تعبّر عن سياساتها الليبرالية الاقتصادية التي دمرت العمل والإنتاج معاً فالعلاقة بين الإنتاج والاستهلاك علاقة مترابطة جداً ومتشابكة، فمن خلال سياسة تجميد الأجور تم حصر المال والثروة في أيدي قلة قليلة وحرمت الغالبية من حصتهم بالثروة وضربت أسس عملية الإنتاج رغم حديث الحكومة المتواصل عن أهميته للخروج من الأزمة الاقتصادية.
انعكاس تجميد الأجور على الإنتاج
العديد من الحرفيين والتجار وأصحاب المحلات التجارية باتوا يشتكون من قلة البيع وبات ضعف الاستهلاك لدى المواطنين عاملاً من عوامل العزوف عن الإنتاج أو الإنتاج بمواصفات رديئة لتتوافق التكلفة مع سعر المبيع إلى حد ما لتأمين سلعة يستطيع المواطن أن يقتنيها على أقل تقدير، بعدما انحصر شراء المواطن على حاجاته الأساسية والضرورية فقط.
ومع حصر استيراد المواد الأولية بأيدي قلة فقط تتحكم بالأسعار وتفرض شروطها على المنتجين، بات المهنيون وأصحاب الحرف يعملون لدى مستوردي المواد الأولية الذين يعود الربح إلى جيوبهم في النهاية ولا يبقى لدى الحرفي سوى ربح بسيط يؤمن معيشته فقط نتيجة لانخفاض الطلب على منتوجاته وبشكل حاد، وارتفاع تكاليف حوامل الطاقة التي يزداد سعرها أضعافاً مضاعفة كل فترة مع قلة توافرها، وعدم توفر أسواق لتسويق منتوجاته بسبب انعدام الطلب في السوق المحلية نتيجة لانخفاض مستوى الأجور.
وبات الإقدام على افتتاح أي مشروع بمثابة مغامرة معروفة النتائج مسبقاً وهي الخسارة والفشل، وهذا بحد ذاته أدى إلى عزوف الكثيرين عن الاستثمار، والبحث عن فرص مناسبة للهجرة نتيجة لانعدام أدنى شروط نجاح أي مشروع تجاري أو صناعي.
رفع الدعم يعني تخفيض الأجور
كان الدعم الحكومي في القرن الماضي يعتبر تعويضاً عينياً مساعداً للرواتب والأجور ولكن مع بدء الألفية الجديدة وانتهاج الليبرالية الاقتصادية وتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي بدأ رفع الدعم عن المواطن، وهو ما يعني تخفيض حصته من الثروة الوطنية وتآكل أجوره، واستمر رفع الدعم عن المواطن وفي جميع المجالات بدءاً من الخبز وليس انتهاء بالمحروقات ومع الاستمرار في الارتفاع اليومي لأسعار جميع السلع وخاصة المواد الغذائية والخضار والفواكه، وخاصة مع إعادة التصدير إلى دول الخليج الذي تسبب في فقدان بعض المواد وارتفاع أسعارها أضعافاً مضاعفة.
ووصلت الحال إلى درجة أنه بات الاعتماد على العمل غير كافٍ بتاتاً لتلبية متطلبات المعيشة وباتت الأجور المنخفضة معرقلة للإنتاج والعمل معاً فالفكرة التي تراود الكثيرين اليوم ما فائدة العمل إذا كان لا يؤمن لنا أدنى متطلباتنا المعيشية كبشر نحتاج للطعام لتعويض قوة عملنا؟ كل هذا دفع الكثير من العمال السوريين إلى البحث عن الهجرة بسبب هذه الظروف، وبات أغلب السوريين يعتمدون على الحوالات الخارجية لأقربائهم في الخارج علها تسد عنهم بعض المصاريف وخاصة تكاليف النزوح من دفع الإيجارات المرتفعة، ويعتمدون في معيشتهم على المساعدات العينية الدولية التي يتم توزيعها عبر منظمات الأمم المتحدة.
فقدت مائدة السوريين وخاصة الطبقة العاملة الكثير من الأغذية الأساسية بدءاً من اللحم الأحمر والفروج والبيض وزيت الزيتون والأجبان والألبان وبات الاعتماد على ما تؤمنه المساعدات الدولية من البرغل والرز والعدس فقط، مع فشل حكومي في تأمين ربطة الخبز للسوريين حتى رفع سعرها مع إنتاجها بأسوأ المواصفات.
المعيشة على الدولار
والأجور على الله
فإذا كانت الحكومة تعلم بتكاليف الإنتاج وتسمح للتجار بمعادلتها بسعر الدولار في السوق ورفضت الحكومة منذ يومين اتباع سياسة التسعير الإجباري لأنها ترهق المستورد حسب زعمها وتؤدي إلى فقدان السلع في الأسواق في مقابل فرضها على العمال أجوراً بخسة دون الحد الأدنى المحدد في الأمم المتحدة لخط الفقر ودون زيادة حقيقية في قيمتها، رغم كل الانخفاض والتآكل التي تعرضت له، مع تكرار مسؤولينا لمقولة إن أسعارنا أرخص من دول الجوار متناسين عمداً الفرق في الدخل في البلدان المجاورة على الأقل وبين سورية، بل ولا يجرؤون على مثل هذ المقارنات التي توضح هزالة الأجور في سورية ،هذه السياسات أدت إلى تراكم مليارات الدولارات في جيوب قلة قليلة من التجار في مقابل ازدياد حجم الفقر والحاجة لدى غالبية الشعب السوري الذي وصل إلى مجاعة حقيقية، وهو ما أدى إلى شلل اقتصادي كامل في البلاد.
الانهيار ليس جديداً
وإذا كان انهيار الرواتب والأجور والإنتاج جاء كنتيجة لانفجار الأزمة التي تمر بها البلاد منذ عام 2011 كما تدّعي الحكومة فهنا يثار التساؤل التالي، 10 سنوات ولم تستطع الحكومة إيجاد حل اقتصادي لمشكلات السوريين الاقتصادية التي تزداد كل يوم تدهوراً وهي العاجزة عن حل أية أزمة يمر بها المواطن فماذا كانت تفعل الحكومات السورية المتعاقبة؟ وهل أتت عقوبات قانون قيصر بمثابة شماعة للحكومة تعلق عليها فشلها في انتشال شعبها من الجوع!!أم إن ما نعانيه اليوم ليس سببه العقوبات فقط، بل هو نتيجة للسياسات الليبرالية المتوافقة مع العقوبات التي انتهجت منذ خمسة عشر عاماً وما زالت الحكومة مصرة عليها.
ومع كل هذا لا تزال الحكومة تجد في جيوب الفقراء مصدراً لتعويض فاتورة فسادها، فكل يوم تطل علينا الحكومة بقرار رفع أسعار أو فرض ضرائب جديدة أو ابتداع وسائل جديدة لجني أموال من الشعب، وكل هذا تحت مسميات إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتحصيل حقوقها.
الحل في أيدينا نحن العمال
طبعاً نحن لا نتأمل من هذه السلطة أن تقدم على أية حلول إنقاذية، وهي غير قادرة على ذلك أساساً، فهي إلى الآن لا تزال تراهن على صوابية سياساتها رغم كل النتائج الماثلة أمامنا، وتلقي باللوم على العوامل الخارجية فقط دون الاعتراف بهزيمة برنامجها الليبرالي، وكلامنا ليس موجها لها، بل هو موجه لجميع السوريين من عمال وفلاحين، ويبقى أملنا في توحيد صفوف الطبقة العاملة وتجميعها على برنامج يؤمن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية ليكون لها كلمة في الاستحقاقات المقبلة، وخاصة في الحل السياسي، وبغير ذلك سيبقى الفاسدون مهما اختلفت انتماءاتهم يتحكمون بلقمة الشعب السوري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1071