عن ربط الأجور بالإنتاج (2).. المشروع الحكومي
في العدد السابق من قاسيون تم استعرض النظم الليبرالية البرجوازية في الأجور وأغلب الدول الغربية الرأسمالية تستخدم نظرية الحد الأدنى من مستوى المعيشة أو النظرية الاجتماعية للأجور، وميزان توزيع الثروة في الدول الغربية يتراوح بين 40% إلى 60% للأجور إضافة إلى الخدمات الاجتماعية والتأمينات لمختلف الحالات الطارئة إضافة إلى تأمين البطالة المقدم للعاطلين عن العمل وهذه النسبة في توزيع الثروة نادراً ما يتم تجاوزها إلا ما ندر بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تنجم عن الاخلال بهذا التوزيع ولخوف تلك الأنظمة من انتشار الأفكار الاشتراكية في مجتمعاتها خاصة بين العمال.
في فرنسا على سبيل المثال والذي نستمد منها نظامنا القانوني فبالنسبة لقطاع العمل فيها يوفر فرص عمل لجميع المواطنين، مع تخصيصها لرواتب تؤمن حياة كريمة لهم.
وفي ألمانيا يسري قانون الحد الأدنى من الأجور منذ عام 2015 ويزداد سنوياً حيث يوفر الحد الأدنى للأجور مستويات معيشية جيدة لجميع المواطنين، وعلى هذا الأساس توظف لجان لمراقبة وتقييم الوضع المعيشي وحساب الحد الأدنى من الأجر الذي يجب أن يقدم للشخص ليمكنه من تأمين متطلبات المعيشة المتغيرة ويضمن له حياة كريمة.
تحديد الأجر وفق الدستور
بالعودة إلى طريقة احتساب الأجور حسب الدستور السوري الجديد لعام 2012 فقد تبنى المشرع نظرية الحد الأدنى من المعيشة حيث تشير هذه النظرية إلى أن مستوى الأجور يتحدد بما يعادل قيمة المواد والحاجات الضرورية لمعيشة العامل في الحد الأدنى عبر ربط الأجور بالأسعار على أن يؤمن الحد الأدنى للأجر حياة كريمة للمواطن ونص على هذا بشكل صريح في المادة الأربعين والتي أكدت على أن:
1- العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.
2- لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على ألّا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُّرها.
3- تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال.
ولكن سياسة الحكومة تقوم اليوم على تخفيض الأجور والرواتب حيث وصل معدل توزيع الثروة إلى مستويات مخيفة حيث يحصل أصحاب الأجور على 13% من الثروة مقابل حصول أصحاب الربح على 87% من الثروة وهو ما أدى إلى تفاوت كبير في مستويات المعيشية وتدهور حياة ملايين السوريين ناهيك عن ارتفاع التضخم لمستويات مخيفة وتقلصت القوة الشرائية للأجور مقابل ارتفاع جنوني بالأسعار حيث الحد الأدنى للأجور 92 ألف مقابل ثلاثة ملايين لتكاليف المعيشة.
سياسات تجافي العقل والمنطق
وبدلاً من أن تبذل الحكومة جهداً لزيادة الأجور للحاق بمستوى الأسعار كما حدد لها الدستور وتفعيل عمل اللجنة الوطنية للأجور التي نص عليها قانون العمل فإنها اليوم تناقش مشروع ربط الأجور بالإنتاج كما صرحت وزيرة التنمية الإدارية وبشكل مخالف للدستور ضاربة به عرض الحائط كعادتها وكأنه لا يوجد نطاق قانوني ودستوري تلتزم به بل جل همها تطبيق وصفات صندوق النقد الدولي عبر تبني أسوأ نظريات الليبرالية البرجوازية في تحديد الأجور وهي نظرية إنتاجية العمل، وتنبثق هذه النظرية من النظرية العامة لتوزيع الدخل القومي في الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق، إذ تنطلق نظرية التوزيع من فرضية أثمان عوامل الإنتاج، التي تزعم أن كل من يشترك في الإنتاج يحصل على نصيب منه يعادل إنتاجيته، أي بمقدار إسهامه في تكوين ذلك الإنتاج. لما كان الأجر، بحسب أنصار هذه النظرية، هو ثمن العمل، فإن العامل يحصل على الثمن الكامل للعمل الذي يقدمه، ويتحدد مستوى الأجر مباشرة بإنتاجية العمل.
وأساس هذه النظم يقوم على ربط مقدار الدخل الذي يحصل عليه الفرد مع كمية الإنتاج أو كمية الأداء التي يحققها، وبذلك فان الفرد يشترك في الحصول على جزء من ناتج أدائه فإذا زادت كمية الإنتاج يزداد عائد الفرد من الأجر، والعكس فإنه يتحمل العبء بانخفاض أجره إذا انخفضت إنتاجيته.
ومع ذلك فحتى أنصار هذه النظرية لا يحبذون تطبيقها في حالات الركود الاقتصادي والتضخم لأن الطبقة العاملة سيلحقها ظلمٌ وإجحاف كبير لأن تراجع الإنتاج في هذه الحالات سينعكس سلباً على حياة العامل وهو وحده من سيتأثر به لأنه سيؤدي إلى انخفاض أجوره وارتفاع مستوى الأسعار بسبب عوامل خارجية لا إرادة له فيها، ناهيك عن الوضع الكارثي أساساً للاقتصاد السوري الذي لا يسمح بتطبيق مثل هذا المشروع بسبب تراجع الإنتاج نتيجة للأزمة، وبسبب السياسات الحكومية التي تعزف عن الاستثمار وزيادة الإنتاج وتغلق المزيد من المصانع، وبالتالي يتم تحميل وزر هذه السياسات للطبقة العاملة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1068