على أيّ حد تعيش الطبقة العاملة

على أيّ حد تعيش الطبقة العاملة

يشكل التنظيم النقابي منذ نشوئه أحد أهم الأدوات الكفاحية لممثليهم، وقد واجهت التنظيمات النقابية صعوبات وتحديات كبيرة، تم دفع ثمنها من دماء المناضلين في سبيل القضايا العادلة لممثليهم، وشكلت النقابات نقطة مهمة في تعزيز العمل الاجتماعي والوطني والكفاحي، لصالح الفئات الاجتماعية بكل شرائحها، وبالأخص منها الحركة النقابية العمالية، التي لعبت دوراً فاعلاً منذ نشوء الصناعة في البلاد، وامتدت في كل أنحاء البلاد لتنظيم النضال المطلبي للعمال، الذين يناضلون من أجل تحقيق العدالة والحماية الاجتماعية وتحسين شروط وظروف العمل، والدفاع عن مصالحهم والنهوض بواقعهم نحو الأفضل.

السؤال المطروح اليوم للنقابات والحكومة معاً هل تعرفون على أي حد تعيش الطبقة العاملة؟ لقد وصل متوسط تكاليف المعيشة لأسرة العاملين بأجر في سورية أكثر من 2.5 مليون ليرة سورية، ويعتبر هذا ارتفاعاً غير مسبوق منذ انفجار الأزمة، وبات يهدّد ليس فقط الطبقة العاملة بل ملايين السوريين، حيث مازال الحد الأدنى لأجر العامل السوري نحو 93000 ليرة سورية وهو أقل من نصف تكلفة الحد الأدنى لمعيشة الفرد العامل لوحده، حيث تقدر نسبة الإعالة في سورية واحداً إلى خمسة حسب العديد من الإحصائيات.
يقاس الفقر عادة بناءً على مستوى العجز عن توفير المتطلبات الضرورية من خلال دخل الفرد المعيل للأسرة التي يعيلها وليس الفرد، أي هو الوضع الذي تحتاج فيه الأسرة إلى الموارد الماليّة، التي تضمن المعيشة الضروريّة وتكفل لها مستوىً من الحياة المعيشية في المجتمع الذي يعيش فيه ويكون مقبولاً فيه، وهذا ما أطلقت عليه الأمم المتحدة بالفقر النسبي، وهو لا يأخذ بعين الاعتبار بأنّ الأفراد لديهم احتياجات أخرى اجتماعيّة وثقافيّة وترفيهية تختلف من فرد لآخر، أما عندما لا يستطيع دخل الأسرة تلبية الحاجات الأساسيّة والضرورية لأفرادها، وهي الغذاء والكساء ومياه الشرب الصحية والسكن والعلاج، يعتبر في المعيار الدولي للفقر بالفقر المدقع أو الفقر المطلق، بينما فقدان الحريات الديمقراطية والسياسة، وعدم المساواة في المجتمع، فهذا شأن آخر فهو مرتبط بطبيعة العلاقات الاقتصادية الاجتماعية السائدة في المجتمع المنتجة للفقر.
لقد أصبح مستوى الفقر في البلاد خارج المعايير الدولية نتيجة المستويات الدنيا التي انخفض إليها، مما ينذر بعواقب وكوارث اجتماعية خطيرة لا يمكن تقدير نتائجها وعواقبها على البلاد. والسؤال أيضاً إلى النقابات ما هي الإجراءات والطرق الكفاحية التي تستطيع من خلالها تحسين هذا الوضع الذي وصلت إليه البلاد والعباد.
إن التنظيم النقابي يعيش بمعزل عن محيطه العمالي بما تواجهه الطبقة العاملة من تحديات وصعوبات معيشية، وهذا ما انعكس على دوره ووظيفته النقابية والكفاحية، والمطلبية لخدمة العاملين بأجر وتحسين واقعهم. إذ إن القرارات التي تخص مصير الطبقة العاملة والحركة النقابية يتم اتخاذها في أعلى الهرم النقابي دون مشاركة القواعد الدنيا في الهرم النقابي، مما ينعكس سلباً على إمكانية تحقيق مصالح وحقوق الطبقة العاملة ومطالبها التي وجدت من أجلها وخاصة الأجر العادل والمناسب لمتطلبات الواقع المعاشي. السؤال الآخر أيضاً هل ستبقى النقابات تستجدي السلطات التنفيذية من أجل الحصول على بعض التعويضات الهزيلة من أجل العمال الذين يعانون ما يعانون من هذا الواقع المرير، لن يكون انعتاق للطبقة العاملة من مستنقع الفقر دون مواجهة حقيقية لكل أشكال الفقر والبطالة ويتطلب هذا من الحركة النقابية، أن تكون أشد ارتباطاً بالطبقة العاملة، وامتلاك كل أدوات نضال العمال الكفاحية والديمقراطية، والاستفادة من كل التجارب النضالية المحلية والدولية.
إن وجود التنظيمات النقابية مكسب هام يجب الحفاظ عليه، إن هذا الوضع الجديد الذي نعيشه اليوم يتطلب تجديداً في قوى الحركة النقابية بوجه قوى النهب والفساد الكبير، إذ لا يمكن للعمل النقابي في فضائه القديم أن يستوعب هذا الفضاء الجديد الذي يولد اليوم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1065