ماذا لو طبّق؟؟
ربما لو طبق الدستور الحالي كما هو منذ عام 2012 لما وصلت الحالة الاقتصادية للشعب السوري إلى هذه الحالة من الفقر والجوع والبطالة ومعاناته من فقدان الخدمات الأساسية إضافة إلى فقدان الأمل والتململ الذي شاع بين السوريين اليوم.
تناقض كبير بين السياسة الاقتصادية للحكومات السورية المتعاقبة وبين مواد الدستور السوري الجديد الصادر عام 2012 وذلك يعود إلى تمسك الحكومة وتوجهها نحو الاقتصاد الليبرالي وتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي، فهي ما زالت تسير في نفس السياسات رغم فقدها لأي أساس دستوري، وذلك بسبب مواقف بعض القوى الوطنية التي أصرت وقتها على صياغة نصوص دستورية تضع الأسس لبناء اقتصادي يقوم على العدالة الاجتماعية وعلى إقرار حقوق تنصف الطبقة العاملة وتسلحها بأهم الأسلحة (حق الإضراب) لكي تستطيع الدفاع عن حقوقها.
ورسمت هذه النصوص الأهداف العامة للسياسات الاقتصادية للدولة في المرحلة المقبلة من خلال التركيز على زيادة معدلات النمو وتطبيق العدالة الاجتماعية وعدم التفريط بالقطاع العام وحمايته وإدارته لصالح مجموع الشعب.
ولكن رغم أن هذه النصوص ما زالت على الورق فقط بسبب ممانعة قوى الفساد بكل قوتها لمنع تطبيقها ولكن يبقى إقرارها دستورياً خطوة مهمة تفتح آفاق النضال للعمال لتطبيقها على أرض الواقع، وهنا يخضع تطبيق هذه النصوص لميزان القوى داخل المجتمع وما تستطيع الطبقة العاملة فرضه في معركتها على قوى الفساد.
ورغم ما يمكن أن يقال عن الدستور الحالي إلا أنه وفيما يخص النصوص التي تشكل الخطوط العريضة الاقتصادية للدولة، وبما أنه جاء نتيجة انفجار الأزمة السورية عام 2011 فقد عالجت تلك النصوص أحد أهم أسباب انفجار الأزمة وهي السياسات الاقتصادية الليبرالية، وبالتالي لا يمكن تجاوز هذه النصوص أو الغاؤها أثناء نقاش أي دستور لاحق، بل يجب الانطلاق من تلك النصوص لتطويرها لكي تشكل منصة قانونية ودستورية تمكن الشعب عامة والطبقة العاملة بشكل خاص من الدفاع عن حقوقهم.
تعطيل كل شيء
ورغم ممانعة قوى الفساد في تطبيق نصوص الدستور عام 2012 وإصرارها على تنفيذ سياساتها الإفقارية بحق الشعب فهي اليوم تعرقل أيضاً انطلاق أعمال اللجنة الدستورية لأنها تعلم أن أي دستور سوري جديد سوف يطلق المارد من القمقم ويعيد للشعب السوري حقوقه المسلوبة منذ عشرات السنين، وربما تحاول قوى الفساد من خلال استهانتها بمواد الدستور الحالي أن تقول إنها طالما هي تمتلك نفوذاً كبيراً في إدارة البلاد فليس هناك من فائدة من أي دستور ومن أية حقوق تعطى للشعب، وهي تعول على تحالفها مع قوى الفساد في الضفة الأخرى فهم متفقون من حيث الجوهر على سرقة الشعب السوري ونهب مقدراته.
ومع ذلك فهم محقّون بعض الشيء لأن مجرد تغيير الدستور وإقرار الحقوق للشعب لا يعني أن الشعب نال حريته كما حصل في تجربة دستور عام 2012 بل لا بد من قوى شعبية حقيقية تقود التغيير وتقاتل وتدافع عن مصالحها متسلحة بالدستور، فالقوانين والدساتير لا معنى لها اذا لم توجد قوى مادية تتسلح بها، وإن تهيئة البيئة القانونية شرط ضروري لكنه غير كاف في المعارك الطبقية.
التنظيم أساس كل شيء
فعلى سبيل المثال حين نظم العمال أنفسهم فقط في بعض أماكن العمل استطاعوا ممارسة حق الإضراب الدستوري وفرض مطالبهم على رب العمل، واستطاعوا من خلال نضالهم فقط نيل بعض الحقوق، متسلحين بنصوص دستورية تضفي الشرعية على أعمالهم وتمنع رب العمل من الاستفادة من نفوذه لدى السلطة وقوتها القمعية.
وإذا كان البعض يعتقد أنه بمجرد تغيير الدستور يمكن إنجاز التغيير فهذا هو الوهم بعينه وقبض للريح فالتغيير الحقيقي هو الذي تقوده الجماهير المنظمة فقط، والتغيير لا يمكن أن يأتي من فوق ولن يتنازل أحد عن مصالحه ويقدم لك التغيير على طبق من ذهب، بل يجب انتزاعه كما انتزعت حقوقنا من قبل قوى الفساد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1026