الحركة النقابية واقع ومهام

الحركة النقابية واقع ومهام

عند الحديث عن واقع الطبقة العاملة ومهام الحركة النقابية في سورية، لا بد في البداية من الأخذ بعين الاعتبار أنّ السياسات الحكومية كانت ومازالت سمتها الرئيسية هي إغفال الدستور وضرب القانون بعرض الحائط، وعدم احترامه هي القاعدة، أما احترامه أو إظهار احترامه هي الاستثناء، ونبني استنتاجنا هذا من خلال سياسات الدولة التي تمضي بها في ضرب حقوق الطبقة العاملة الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، ومطالبهم الأخرى المشروعة من ضمان صحي وأمن صناعي وغيرها. هذه السياسات المتماشية مع منطوق قوى الفساد والنهب الكبير المتوحشة.

لقد كان هذا حال البلاد والعباد الكادحين والعاملين بأجر، قبل انفجار الأزمة ومازال خلالها، حيث تسعى كل الحكومات التي مرت على البلاد، إلى تصريف أزماتها على حساب العمال والعباد الكادحين.
ولكن كيف ستكون الحال بعدها؟ وإلى أي حد يمكن أن تراهن الطبقة العاملة على هذه الحركة النقابية؟ وهل يمكن إعادة الاعتبار للدولة ودورها الاجتماعي، الحامي لحقوق ومصالح الطبقة العاملة؟ وما هي المهام التي وضعتها الحركة النقابية لما بعد الحل السياسي؟

التفاوت الطبقي ودروس الأزمة

لقد كشفت الأزمة الوطنية العميقة واقع التفاوت الاجتماعي والطبقي في البلاد، وإذا لم تستوعب الحركة النقابية دروس الأزمة من خلال إعادة النظر في أدواتها واستخدام أسلحتها المختلفة من احتجاجات واعتصام بما فيها المظاهرات والإضراب، وتعزيز خياراتها المنحازة إلى مصالح الطبقة العاملة في قطاعي الدولة والخاص على السواء، يصبح من المفروض على الطبقة العاملة إعادة تنظيم نفسها وتوحيد صفوفها كي لا يبقى ميزان القوى الاجتماعي مختل لخوض معاركها الكبرى في تحسين وضعها المعيشي، وفي المقدمة منه رفع الحد الأدنى للأجور إلى متوسط تكاليف المعيشة.
إن هذه الأوضاع التي تعيشها الطبقة العاملة تفرض على الحركة النقابية ترتيباً جديداً في أولويات دفاترها المطلبية، ومهام عديدة وكبيرة، إذا أرادت أن تبقى تلك الحركة التي تحمل إرث مناضليها ومؤسسيها الأوائل، وفي مقدمة هذه المهام تحسين ورفع الأجور، وأن تستخدم كافة أشكال الاحتجاج، بما فيها الإضراب، حقها الدستوري، من أجل تحسينها لترفع الحد الأدنى للأجر فوق خط الفقر.
فعلى سبيل المثال يقدر مُعدَّل ساعات العمل للعامِلين الذين يستطيعون الحصول على عمل بأكثر من 53 ساعة أسبوعيّاً، وهو أعلى من المُعدَّل العام المسموح به في قانون العمل، وهو الأعلى عالمياً، ورغم ذلك لا يستطيع العامل الحصول على أجر يلبي وسطي متطلبات المعيشة، هذا وقد شهدت البلاد تراجعاً كبيراً في استهلاك معظم السكان من المواد الغذائية، كالبيض والدجاج واللحوم الحمراء، وخصوصاً لدى أصحاب الدخل المحدود والمنخفض وخاصة بين عامي 2019 و2021.

لذلك يبدو من الضروري، الآني المستعجل، مثلاً:

اعتماد مبدأ المفاوضات الجماعية والاتفاقيات الجماعية كخيار أساسي في إبرام عقود العمل ضماناً لحقوقهم، وخاصة الأجر وساعات العمل، وغيرها من الحقوق العمالية، كالضمان الصحي والضمان الاجتماعي والإجازات، والقطع مع سياسات تمييع العمل النقابي.
توسيع التنظيم النقابي، وزيادة عدد المنتسبين إليه بين صفوف العمال، وبالأخص عمال القطاع الخاص، الشريحة الأوسع في صفوف الطبقة العاملة.

النموذج التغييري المطلوب

خلاصة القول إن تطورات الوضع العام في البلاد تتطلب من الحركة النقابية توسيع أفق نضال الطبقة العاملة في اتجاه التغيير الجذري الشامل والعميق لهذا النموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن بداهة القول إن النضال من أجل النموذج الجديد يتوقف على تغيير ميزان القوى لصالح الطبقة العاملة وحركتها النقابية، وذلك بقطع وفك الشراكة مع هذه الحكومات المحابية لقوى الفساد والنهب، حتى لا تجد الطبقة العاملة نفسها وحيدة في واقع يحتد ويتصاعد فيه الصراع الاجتماعي والطبقي مما يفرض عليها إعادة تنظيم صفوفها من جديد، بعيداً عن سلطة جهاز الدولة وأرباب العمل، من أجل الدفاع عن مصالحها وحقوقها وحمايتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1025