بصراحة ... راتبي: أجرة طريق

بصراحة ... راتبي: أجرة طريق

كيف يمكن لرب العمل أن يقنع عاملاً بالمجيء إلى العمل إذا كان دخله اليومي لا يكفي أجرة الطريق؟

لن نقول إن الدخل الشهري للعامل ينبغي أن يغطي حاجاته الأساسية لأن هذا من بدهيات العمل، لكن هذه البدهيات فقدت صفتها في المنطق الاقتصادي السوري، وبدأ العمال يتناسون حاجاتهم الفرعية والأساسية ناهيك عن التثقيفية والترفيهية.
فمن التنازل عن الحق في التعليم المعقول لأبنائهم، لأن التعليم العام لم يعد يرقى إلى مستوى أن يسمى تعليماً، وصولاً إلى الصحة حيث تخلت الدولة عن دورها في الرعاية الصحية الجيدة المجانية للجميع، ليصبح العامل أسير شركات التأمين الخاصة، وعجز التأمين الصحي النقابي عن تغطية تكاليف العلاج، وصولاً إلى طبابة مشافي الدولة التي لا تستطيع تغطية الأعداد الكبيرة من مستحقي الطبابة أمام ضعف إمكاناتها الفعلية.
ولما وصل التنازل على موضوع الغذاء ذاق العمال وأسرهم الأمرين في التنازل عن السلة الغذائية الصحية الضرورية لاستعادة قوتهم للعمل في اليوم التالي وبناء صحة عائلاتهم وأطفالهم (عماد المستقبل)، وأصبح همهم الأول تحقيق الحد الأدنى من السعرات الحرارية، بغض النظر عن مدى توازن المدخول الغذائي مع متطلبات هذه الأجساد التعبة والكادحة التي تقدم للوطن على مدار الساعة كل جهودها من لأجل لقمة العيش (وهو هنا يكاد يكون الخبز فقط).
لم ننس بالطبع تنازلات فرضت عليهم من اللباس الكافي واللائق والضروري، الذي تكفلت الملابس المستعملة بتغطيته على مضض وبصعوبة.
وصولاً إلى الكهرباء والوقود التي لم تعد تسمح له لا بالتدفئة شتاءً ولا تلطيف الحر صيفاً ولا حتى بلقمة طعام دافئة بسبب نقص الغاز، وأصبح العامل كورقة في مهب الريح يعيش في حياة أقرب إلى البدائية (دون الغابة والأشجار التي كانت قادرة على تأمين الحد الأدنى الضروري للعيش).
وها قد وصلنا إلى أسفل الدرك ونزلنا في سلم التنازلات المفروضة، إلى حد أن العديد من أمكنة العمل بدأت تقلص من وسائل النقل المتاحة للعاملين في النقل من وإلى العمل، لتتركهم للمواصلات العامة التي تعاني أساساً من التخمة بسبب الأعداد الكبيرة من الراغبين في استخدامها للتنقل اليومي وعجزها عن تلبية متطلبات الأعداد الحالية من المواطنين ناهيك عن الأعداد التي ترميها الوظائف العاجزة عن نقلهم اليوم في سوق النقل العام.
وما يزيد الكارثة ويجعلها غير قابلة للوصف بالكارثة فقط، هو أن هذه الأجور الهزيلة التي يتلقاها العمال لم تعد قادرة حتى على تغطية تكاليف أجور النقل من وإلى العمل. فهل من مزيد؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
1025