واقع القوى العاملة الأردنية وحركتها النقابية تاريخها وتحدياتها
تنشر قاسيون عن واقع الحركة العمالية والنقابية الأردنية كما وردتنا من اتحاد النقابات الأردنية المستقلة
يعاني الأردن من أزمة مستعصية على جميع الأصعدة اقتصادية وسياسية واجتماعية وفي قلب هذه المعاناة تأتي القوى العاملة الأردنية حيث اقتربت نسبة البطالة في نهاية الربع الأخير من العام الماضي وحسب تقرير دائرة الإحصاءات العامة من حوالي (25%)، مع العلم أن هناك تقريراً صدر مؤخراً عن البنك الدولي يقول: إن نسبة البطالة بين الشباب حوالي (50%)، مما ينعكس ذلك على الأمن المجتمعي الأردني بشكل واضح، وقد جاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بله، حيث توقفت العديد من القطاعات الاقتصادية وأغلقت أيضاً العديد من المؤسسات والمنشآت الاقتصادية، لن ندخل في التفصيل أو الحديث عن الأزمة التي تعاني منها البلاد بقدر ما سوف نتحدث عن القوى العاملة الأردنية وحركتها النقابية وقبل الدخول بالحديث عن ذلك نستعرض بشكل موجز تاريخ الحركة النقابية العمالية.
انطلقت الحركة العمالية الأردنية منذ خمسينات القرن الماضي من خلال تشكيل نقابات عمالية للقطاعات المهنية التي كان لها وجود خلال تلك الفترة مثل: عمال مناجم الفوسفات والعاملين في صناعة الأحذية والمطابع والدخان وشركة سنجر (ماكينات الخياطة)... إلخ، حيث تم تشكيل الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن بعام 1954 استنادا إلى قانون النقابات رقم (35) الصادر بعام 1953 والذي صدر بموجب الدستور الأردني الذي أقّر في عام 1952، حيث كانت النقابات المؤسسة للاتحاد ستة نقابات، وهي: (نقابة عمال الدخان، نقابة عمال البناء. نقابة عمال الخياطة. نقابة عمال الأحذية. نقابة عمال شركة سنجر. نقابة عمال مناجم الفوسفات).
ليبدأ تشكيل النقابات العمالية بعد تأسيس الاتحاد إلى أن وصلت في عام 1970 لحوالي (36) نقابة عمالية في مختلف القطاعات.
لكن في عام 1970 دخل الأردن في أزمة داخلية حيث تم فرض الأحكام العرفية وتعطلت الحياة الديمقراطية وبدأ التعاطي مع موضوع النقابات والأحزاب كملف أمني حيث أخذ التضييق على النقابات العمالية بشكل ملحوظ وواضح واعتقل العديد من القيادات النقابية وتم إبعاد عدد منهم لخارج الأردن، وهنا بدأ التدخل الحكومي في النقابات العمالية ففي شهر كانون ثاني 1971 أتخذ وزير الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك قرار بإلغاء العديد من النقابات وحصرها فقط بـ (24) نقابة، ثم عاد وفي عام 1976 لإلغاء بعض النقابات وحصرها فقط بـ (17) نقابة، ومنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا هذا لم يسمح بإنشاء نقابات عمالية جديدة رغم تنوع القطاعات العمالية وزيادة القوى العاملة الأردنية، وجرى تهميش ممنهج للحركة العمالية الأردنية وتغّيبها عن لعب أي دور في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدولة الأردنية.
رغم كل محاولات القوى النقابية التقدمية والديمقراطية لإصلاح واقع الحركة النقابية حيث جرى عدة محاولات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وبدايات العقد الأول من هذا القرن لإصلاح واقع الحركة العمالية الأردنية من داخلها لكنها باءت بالفشل جميعها نتيجة وجود أنظمة غير ديمقراطية تحكم عمل الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن ولوجود قانون العمل المخالف للمعايير الدولية واتفاقيات منظمة العمل الدولية وخاصة في موضوع إنشاء النقابات العمالية.
نتيجة الفشل في إصلاح واقع الحال للحركة العمالية بدأ التفكير بإنشاء إطار عمالي موازي للنقابات العمالية القائمة وفي القطاعات التي لا يوجد فيها نقابات عمالية، حيث تم الإعلان عن إنشاء اللجنة التحضيرية لتأسيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة بتاريخ 13/8/2011.
وبدأ بعد ذلك تأسيس النقابات العمالية المستقلة تباعاً وعندما أصبحت النقابات العمالية المستقلة واقع على الأرض تم عقد المؤتمر التأسيسي لاتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردني بتاريخ 26/4/2013، قبل انعقاد المؤتمر التأسيسي للنقابات المستقلة تنبهت منظمة العمل الدولية لهذا الواقع الجديد وعقدت ورشة حوارية مشتركة خلال شهر تموز من عام 2012 ضمت النقابات العمالية من الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن والنقابات العمالية المستقلة حيث نتج عن هذه الورشة تشكيل لجنة مشتركة من (8) أعضاء مناصفة بين الطرفين، واجتمعت هذه اللجنة اجتماعاً واحداً حيث تم الاتفاق في هذا الاجتماع على تسميتها: «اللجنة الوطنية المشتركة لتطوير الحركة العمالية الأردنية» كما تم الاتفاق خلال هذا الاجتماع على الدعوة لحرية التنظيم النقابي في القطاعين العام والخاص وتطوير التشريعات الأردنية لتنسجم مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية والمعايير الدولية المتعلقة بهذا الشأن لتدعيم هذا المطلب وتعزيز دور الحركة العمالية الأردنية، ولكن وللأسف ونتيجة قوى الشد العكسي المتواجدة سواء في الحركة العمالية أو في الدولة الأردنية جرى تهميش هذه اللجنة وعدم اجتماعها لمرة ثانية، كما جرى توقيع مذكرة مشتركة بتاريخ 23/5/2013 ما بين الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن ويمثله رئيس الاتحاد السيد مازن المعايطة واتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردني ويمثله رئيسه المهندس عزام الصمادي من أجل تطوير واقع الحركة العمالية والدعوة إلى مؤتمر وطني بهذا الخصوص، وبفعل قوى الشّد العكسي جرى إحباط هذه المبادرة أيضاً.
صحيح أن اتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردني لم يتم تسجيله رسمياً أو الاعتراف به حتى هذه اللحظة، لكن على ماذا أعتمد اتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردني في حركته وانطلاقته، لقد اعتمدنا أولاً على الدستور الأردني وخاصة المواد التالية: المادة (16– 2) والتي تنص: «للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور» وعلى المادة (23– و) من الدستور والتي تنص: «تنظيم نقابي حرّ ضمن حدود القانون»، وكذلك على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وخاصة في مادته رقم (22) وعلى العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مادته رقم (8)، مع العلم أن هذين العهدين قد صادق عليهما الأردن ونشرا في الجريدة الرسمية رقم (4764) والصادرة بتاريخ 15/6/2006 وأصبح هذان العهدان من المنظومة التشريعية الأردنية واجب الالتزام بهما، يضاف إلى ذلك اتفاقيات منظمة العمل الدولية وخاصة اتفاقية (98) واتفاقية (87) إلى جانب قرار من المحكمة الدستورية رقم (6) لسنة 2013 والصادر بتاريخ 24/7/2013 والمتضمن حق العاملين في القطاع العام بتشكيل نقاباتهم، صحيح أن القرار أشترط وجود تشريع لضمان هذا الحق، ولكن للأسف لم تقم الحكومة بواجبها منذ ذلك التاريخ لتنفيذ الأمر الدستوري.
بعد هذا الاستعراض السريع لتاريخ الحركة العمالية الأردنية، سيطرح السؤال التالي كيف هو دور الحركة النقابية في الدفاع عن مصالح القوى العاملة الأردنية في ظل أزمتها المتعمقة والمستعصية، صحيح أن هناك بعض النقابات قامت بدور إيجابي تجاه منتسبيها وحققت لهم العديد من المكتسبات، لكن في المجمل لقد رهنت معظم النقابات الرسمية وقيادة الاتحاد العام (الرسمي) نفسها لموقف الحكومة وانساقت تماماً مع هذا الموقف، مما حدا برئيس غرفة تجارة الأردن وهو ممثل لأصحاب العمل أن يصرح مؤخراً أن أصحاب العمل كانوا مع رفع الحد الأدنى للأجور ضمن اللجنة الثلاثية والمشكلة من الحكومة وأصحاب العمل والعمال حسب المادة (52) من قانون العمل الأردني إلا أن الحكومة وممثلي العمال كانوا ضد رفع الحد الأدنى للأجور، بمعنى آخر أن ممثلي العمل يعملون الآن ضد مصالح العمال والقوى العاملة الأردنية بشكل عام، ولا يعترضون على كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات المتعاقبة التي أدخلت البلاد في أزمتها المركبة ورفعت من مديونية الدولة لتصل إلى حوالي (50) مليار دولار.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن كل الاحتجاجات العمالية التي تخوضها القوى العاملة الأردنية هي في منأى عن النقابات العمالية الرسمية، ورغم أن هناك تعميماً من وزير العمل الأردني لكل الجهات الرسمية بعدم التعاطي مع النقابات المستقلة إلا أن هناك حضوراً لهذا النقابات في الشأن العام الأردني، وهناك جهود ونضال تخوضه النقابات العمالية المستقلة من أجل إطلاق حرية التنظيم النقابي العمالي، وتطالب بضرورة تعديل قانون العمل الأردني لينسجم مع معايير العمل الدولية وتطالب بضرورة إيجاد قانون ينظم العمل النقابي يكون ديمقراطياً ويكفل حرية التنظيم النقابي، صحيح أن الطريق طويل لكن ورغم ذلك فنحن مصممون على مواصلته للدفاع عن مصالح القوى العاملة الأردنية لكي تأخذ مكانها ودورها الطبيعي في مسيرة الدولة الأردنية ولكي تكون شريكاً فاعلاً على طاولة الحوار الاجتماعي.
30/5/2021
المهندس عزام الصمادي
رئيس اتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردن
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1022